تزداد وتيرة العنف وشراهته لدى جماعة الحوثي تجاه المجتمع اليمني في الفترة الأخير وبصورة ملفتة ومفزعة. هذه الزيادة المطردة كمّا وكيفا تلقي مرة أخرى بظلال من الشكوك الكثيفة وعلامات الاستفهام العسيرة حول جدية هذه الجماعة في قبول أي “مسار سلام” يتم الترويج له منذ فترة ليست بالقصيرة، ويتطاول في رهاناته بشأن إمكان تحويل “الجماعة الإرهابية” إلى ركيزة محورية في عملية بناء السلام في اليمن، واستعادة بُنيان الدولة ومؤسساتها.
ظاهريا تبدو هذه العدوانية المتفجرة تجاه أفراد المجتمع متقاطعة كليا حتى مع أبسط احتراسات / حسابات العقل والمنطق البشري، وهي مجازفة كبيرة وستقابل بسخرية لاذعة من النشطاء اليمنيين، فالافتراض بأن جماعة الحوثي التي تقود مؤخرا مشروعا للقرصنة في المياه الدولية تمتلك أبجديات العقل والمنطق.
على أنه، وفي سبيل محاولة التعمق والفهم أكثر في طبيعة العنف البنيوية لدى هذه الجماعة، سنحاول اقتفاء خط سير هذه المجازفة الافتراضية حتى وإن كانت محفوفة بكل أنواع اللامنطق واللاواقعية، وهي أن جماعة تنخرط منذ زمن في كل الجهود الإقليمية والدولية التي تسعى إلى لملمة شتات الملف اليمني بكيف ما أمكن وتحت جَنْح خطة يُقال عنها “سلام”، فضلا عن الحاجة المرحلية القصوى التي تتطلب توحيد كل الجهود والمشاعر تجاه ما يحدث في غزة وكما يفترض المنطق، وأيضا كما دأبت هذه الجماعة على إظهار استعدادها الكامل لتسخير كل جهودها لصالح هذه “القضية المقدسة”… كل ذلك يؤدي إلى استنتاج وحيد: تراجع كبير في معدل الممارسات العنيفة ضد اليمنيين.
ما يحدث على أرض الواقع يتقاطع كليا مع هذه الافتراضات البديهية، بل إن التأمل أكثر في طبيعة الممارسات العدوانية ضد المدنيين يكشف بجلاء طبيعة العنف المخيفة ودرجاتها المفزعة التي تستبطن بنية هذا الجماعة، وتوجه سلوكها.
مؤخرا، تعج وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي اليمنية بصور عدد من الضحايا المدنيين ممن يتعرضون يوميا لانتهاكات فادحة وبشعة من قبل الجماعة وأتباعها. تبدأ خلفيات هذه الحوادث المروعة بحدوث “مناوشة” خفيفة على أمور حياتية يومية اعتيادية بين مواطن وشخص آخر يكون مقرب/قريب من أحد المسؤولين/المشرفين الحوثيين، بمختلف درجاتهم حتى أصحاب المناصب البسيطة في الجماعة. قد تُحسم نتيجة هذه المناوشة لصالح المواطن، كأن يتلقى الطرف الآخر (الحوثي) صفعة خلال عراك خفيف / شتيمة بعد معركة شتائم متبادلة… إلخ.
يُسارع أهل الطرف المنتصر في المناوشة عند علمهم بالأمر إلى تدارك العواقب الوخيمة لفعل ابنهم، وعادة يكون المناوشون من الشباب الذين لا يمكنهم توقع فداحة العواقب لأفعالهم البسيطة جدا، فيذهبون مسرعين بابنهم إلى أقرب مركز شرطة / شيخ قبيلة وتقديم كل ما يُمكنهم من عروض في سبيل إرضاء الطرف الآخر وإقفال باب ريح عاتية من الشر.
كل الأدوار التي تحاول الجماعة السطو عليها من خلال استغلال الأحداث في غزة تقوم بتوظيفها لتكريس المزيد من العنف والعدوانية والوحشية تجاه كل المدنيين في اليمن على أن الحوثيين وأنصارهم لم يعودوا يأبهون بأي قواعد، أخلاق، أعراف وحتى عروض خيالية للملمة المشكلة التافهة، فتحتشد مجموعة مسلحة، يُنقِّبون عن الشاب (المُناوش) في كل مكان، وأول ما يلمحون له ظلا يردونه قتيلا على الفور وبطريقة بشعة للغاية، سواء كان داخل مركز شرطة أو بين أهله.. لا يهم، بل سيكون من الجيد هنا ألا يطال أهله نصيب من العقاب/العذاب!
إن تأمل السياق الذي يجري فيه مسرح الأحداث يقول: هؤلاء الشباب ممن تُرتكب بحقهم أفدح أشكال الجُرم يعيشون في نطاق سيطرة الحوثي، وليسوا منخرطين في حركات معارضة أو مناهضة للحوثيين حتى يتم الانتقام منهم على هذا النحو المروع، بل في الواقع هم جزء من الجمهور المتعايش، وإن كان بصعوبة. من المتوقع كثيرا أن يكون هؤلاء الضحايا مناصرين أشداء للقضية الفلسطينية، كغالبية المجتمع اليمني.
وفي ظل ظروف المنطقة الطارئة والمأساوية، والحاجة إلى تكاتف كل الجهود لمؤازرة الضحايا الفلسطينيين من المدنيين، والترفع عن صغائر الأمور وكبارها في صالح هذه المهمة الأخلاقية المقدسة، وكما يفترض الواقع والمنطق وخطاب الجماعة العلني، لم تشفع لهؤلاء الشباب كل هذه الأسباب القوية والوجيهة بمجرد ارتكاب خطأ بسيط بحق شخص هامشي في هذه الجماعة.
في ظل هذا السياق تحديدا، يبدو جليا أن كل الأدوار التي تحاول الجماعة السطو عليها من خلال استغلال الأحداث في غزة، تقوم بتوظيفها لشرعنة وتكريس المزيد من العنف والعدوانية والوحشية تجاه كل المدنيين في اليمن، وبصورة لا يمكن تصورها، وتحت ستار حماية مؤثر؛ فالمدافع عن “الفلسطينيين”، وإن كان زيفا، لا ينبغي أن يعاتبه أحد على ما يفعل/سيفعل. على أنه وفي واقع الأمر ليست هنالك أي قضية مقدسة لدى هذه الجماعة باستثناء الإبقاء على سلطتها واستدامة هيمنتها الصارمة والوحشية على المجتمع، وبكل ما أوتيت من عناصر القوة والبطش. وهنا، في سبيل مهمة سطوتها الكهنوتية المقدسة تتجلى في أعلى درجات العنف المحض عند التعامل مع أبسط موقف عابر!
لقد نضجت الحركة الحوثية كثمرة خالصة للعنف، فمنذ البداية اختارت التعبير عن نفسها، وعلى طول الخط، بحروب وحشية متواصلة. ومستقبلا، يبدو أن أي مكاسب ستحصل عليها، وتحت أي صفقات أو أدوار، ستعزز لديها الاعتقاد بأنه “لا يفيد سوى العنف أو المزيد منه”!