ويطالب حزب “فرنسا الأبيّة” برئاسة جان لوك ميلانشون “الجبهة الشعبية الجديدة” التي خاضت متحالفة الانتخابات التشريعية بالموافقة على أن يكون رئيس الحكومة المقبل هو ميلانشون نفسه أو من يسمّيه حزبه، لأنّه نال “حصة الأسد” من النواب في حصيلة عمليات الاقتراع.ويقترح صقور حزب ميلانشون تنظيم مسيرة على قصر الإليزيه، بمجرد توافق تحالف اليسار على مرشحه، من أجل فرض التسمية فرضاً على ماكرون، إن استمرّ في التلكؤ في تعيين رئيس جديد للحكومة خلفاً لغبريال أتال الذي رفض رئيس الجمهورية استقالته “موقتاً”.
ولا يرى حزب “فرنسا الأبية” مشكلة قد تحول دون تنفيذ برنامجه الانتخابي، إذ يزمع أن يحكم، عن طريق المراسيم، وفق “الاستثناء” الذي منحه دستور الجمهورية الخامسة للحكومة، وليس عن طريق القوانين التي تحتاج الى أكثرية مطلقة في الجمعية الوطنية. وهذا تدبير لجأت إليه الحكومة الفرنسية، مراراً، ولا سيما في السنتين الأخيرتين، وثار عليه ميلانشون وحزبه واعتبره “انقلاباً” على إرادة الشعب، وحاول، مراراً، بسببها أن يطيح بالحكومة من خلال طرح الثقة بها في البرلمان، لكنّها كانت تنجو من السقوط لعدم توافر أكثرية مطلقة ضدها.ولا تتسبب طروحات ميلانشون وصقور حزبه بصدمة في الأوساط السياسية الفرنسية، لأنّ الجميع، يُدرك صفات ميلانشون، فهو قادر على أن يحلّل لنفسه ما يحرّمه على الآخرين، فالفعل الذي يعتبره جريمة إن ارتكبه غيره يتعاطى معه كضرورة وطنية، إن اضطر هو على القيام به. بالنسبة لكثيرين، يعتبر ميلانشون واحداً من أبرز ورثة المدرسة السفسطائية اليونانية. صحيح أن غالبية السياسيين هم “سفسطائيّون”، لكنّ ميلانشون يتزعمهم من دون منافس.
كل المعطيات المتوافرة، حتى تاريخه توحي باستحالة ذلك، نظراً لطبيعة النتائج التي انتهت اليها الانتخابات التشريعية، فحزب ميلانشون، ناهيك عن أنّه لا يتمتع بأكثرية مطلقة في البرلمان، فهو لا يتمتع، أيضاً، بتأييد حقيقي، داخل “الجبهة االشعبية الجديدة”. صحيح أن جميع القوى اليسارية لا تريد أن تُنهي، بسرعة “التجمع” الذي خاض الانتخابات متحالفاً، لكنّ الصحيح أكثر أنّ الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي نال حصة وازنة في الانتخابات، لا يتقاطع مع ميلانشون وحزبه، بل هناك تعارض كبير بين الطرفين.
وغالبية القوى الفرنسية، تعتبر أنّ ميلانشون يعظم من شأنه ويستخف بالآخرين، فأيّ حكومة يحاول أن يفرضها على رئيس الجمهورية وعلى القوى السياسية الأخرى، سوف تسقط فوراً، لأنّ أسهل فعل سيكون في البرلمان، هو توفير أكثرية مطلقة ضده.ووفق فرانسوا بايرو، أحد أركان “المعسكر الرئاسي” في الجمعية الوطنية الفرنسية، فإن جان لوك ميلانشون يضخم قوته، من خلال تشويه تصويت الفرنسيين، إذ إنّ الناخب الفرنسي لم يذهب الى صناديق الاقتراع لانتخاب “الجبهة اليسارية” بل المرشحين الذين بقوا في مواجهة تحالف اليمين المتطرف، وبالتالي ليس هناك إرادة فرنسية لتسليم الحكم الى الجبهة اليسارية ومن خلالها الى جان لوك ميلانشون.