تفصيل منظمة التحرير على مقاس حماس
أسئلة التمويل وإعادة الإعمار والشّرعية القانونية والدّولية، هي أسئلة مُلحة على قيادة حماس الإجابة عنها، قبل شروعها بالحديث عن تغيير منظمة التحرير وإصلاحها وتفصيلها على مقاسها، فوجودها داخل المنظمة سيكون عطبا سياسيا وخلية سرطانية ستحكم على المشروع التحرري الفلسطيني بالموت لا محالة
من تابع تصريحات قادة حماس منذ اليوم الأوّل لحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وصولا إلى تصريحات القيادي خالد مشعل، يصل إلى نتيجة مفادها أن حماس تؤسس لفكرة قديمة جديدة ألا وهي أن يكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على مقاسها وحسب رؤاها وخططها، التي هي بكل ببساطة أن يكون احتلال الأراضي ثمنا لتحريرها، وأن تصبح الضفة الغربية كما غزة ذراعا إيرانية منبوذة في الشرق الأوسط والعالم بأسره.
عملية التحرير التي قامت بها حماس، حسب وصفها، والتي يطالب القيادي مشعل باستمرارها، جلبت نتيجة معاكسة أي أنها لم تحرر شبرا واحدا، بل أعادت الاحتلال وهو أمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء وليس هناك مجال لمناقشته، فأرض غزّة كانت محررة، وهي اليوم محتلة، والسبب هجوم السّابع من أكتوبر الذي يقع تحت تصنيف معركة التحرر الكبرى.
حاولت حماس سابقا، مرارا وتكرارا، شطب منظمة التحرير الفلسطينية بدعم دول إقليمية عربية وغير عربية، وعندما أخفقت كل محاولاتها، تريد تطويع منظمة التحرير لها واستخدامها كمطية لتحقيق مشروعها الإخواني الكبير الذي يهدف إلى السيطرة على الدول العربية انطلاقا من قضية تحررية ناصعة ومحقّة، ألا وهي القضية الفلسطينية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، في حال تمكنت حماس من تحقيق حلمها في الهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية، من هي الدول التي ستقدم لها الدعم السياسي والمالي؟ وهل سنعود للمرحلة الماضية حيث تدخل رزم الدولارات في حقائب قادمة من الدوحة؟ وهل هذا الأمر يشكّل بنية تحتية لاقتصاد قوي ومعافى أم أنّه عبارة عن (بنج) وتخدير للشعب الفلسطيني كي لا يثور في وجهها بسبب الفقر؟ وهل ستسمح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لدولة قطر، بإعادة ما كان يحدث سابقا من تمويل علني لحماس من قطر؟، هذا التمويل الذي لم يكن يخضع للاقتطاع كما يحدث لأموال المقاصة التي تحولها إسرائيل للسلطة الفلسطينية، وأكثر من ذلك عندما ينخفض التمويل لتوتر العلاقة بين حماس وقطر، كان بنيامين نتنياهو يطالب بشكل علني برفعه. فهل سيتكرر التاريخ في ظل توتر العلاقة بين الطرفين مؤخرا، وحديث غالبية وسائل الإعلام عن طرد قادة حماس من العاصمة القطرية؟ وماذا ستضيف حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية من شرعية وتضامن دولي أم أنها ستفقدها شرعيتها ووساطتها المقبولة عالميا؟.
تحظى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تشكّل فتح عمودها الفقري بعلاقات طيبة مع دول عربية وعلاقات ممتازة مع الدول الخليجية الممولة، وقد بدأ بشكل ملحوظ تعافٍ واضحٌ في علاقتها مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين بعد أزمة التطبيع، ولها علاقات وثيقة مع دول الاتحاد الأوروبي، وفي جانب آخر، ماذا تملك حماس من علاقات تذكر على المستوى العربي والدولي؟ وكيف ستقبل دول الاتحاد الأوروبي التعامل مع قادتها ومنهم من هو مطلوب اعتقاله للجنائية الدولية؟.
والسؤال الآخر، هل الشعب الفلسطيني بعد نكبته الثانية بحاجة لقيادة تعيده للحضيض السياسي والدبلوماسي والعودة لخانة الصفر في اكتساب الشرعية، أم قيادة مشرّعة تشكل رافعة لتحقيق طموحاته في الحرية والتحرر؟. إن القيادة الحالية لمنظمة التحرير الفلسطينية ليست بحاجة لتقديم وتصدير نفسها للعالم كما هي حماس بحاجة ملّحة لهذا الأمر في هذه الأيام، وهي حركة مصنفة إرهابية في غالبية عواصم العالم وحتى في بعض الدول العربية.
إن كافة طروحات حماس اليوم تعيدنا لمقولات يسارية خاطئة ومضللة في بداية الثورة الفلسطينية وهي الحديث الدائم عن “المد الثوري” وتطبيق مثال هانوي، وقد تمّت حينها تسمية العاصمة الأردنية عمّان بـ”هانوي العرب” الأمر الذي ورّط المنظمة باقتتال مع الدول العربية المستضيفة كما حدث في الأردن قبل عقود خلت. كانت تلك الأطروحات والأفكار الانفعالية وغير الموضوعية تتحدث عن هذا المد الثوري، وتعمل على توريط الدول العربية بصراع دائم مع إسرائيل، الأمر الذي رفضه حينها جمال عبدالناصر ذاته.
أسئلة التمويل وإعادة الإعمار والشّرعية القانونية والدّولية، هي أسئلة مُلحة على قيادة حماس الإجابة عنها، قبل شروعها بالحديث عن تغيير منظمة التحرير وإصلاحها وتفصيلها على مقاسها، فوجودها داخل المنظمة سيكون عطبا سياسيا وخلية سرطانية ستحكم على المشروع التحرري الفلسطيني بالموت لا محالة، وستوقف قطار الاعتراف بالدولة فلسطينية، بل وقد يدفع عديد الدول لسحب اعترافها بدولة فلسطين، الأمر الذي ستكون له نتائج سلبية على الشعب الفلسطيني والقضية ككل.