في ظل الأوضاع المتأزمة في إيران، ومع استمرار التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تبرز خطة الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI) مريم رجوي، كمنارة أمل تسعى لإحداث تغيير جوهري في البلاد.
هذه الخطة المكونة من 10 نقاط تهدف إلى إعادة بناء إيران على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، إلا أن تنفيذها يواجه عقبات جمة تتطلب فهماً عميقاً للواقع الإيراني وتعاطفاً ودعماً دولياً مستداماً.
تعتبر مريم رجوي، من أبرز الشخصيات المعارضة للنظام الإيراني، تكتسب خطتها دعماً متزايداً من المجتمع الدولي، إلا أن تنفيذها على أرض الواقع يواجه تحديات معقدة بالنظر إلى الوضع الراهن في إيران.
رؤية مريم رجوي لمستقبل إيران
تركز خطة مريم رجوي لمستقبل إيران على إقامة جمهورية تعددية تستند إلى أصوات حرة للشعب، رافضةً مبدأ ولاية الفقيه الذي يقوم عليه النظام الحالي.
هذه الرؤية تمثل تحولاً جذرياً من نظام ديني استبدادي إلى نظام ديمقراطي يضمن مشاركة كافة أطياف المجتمع في الحكم.
وتدعو الخطة إلى ضمان حرية التعبير والتجمع وحرية الصحافة والفضاء السيبراني، مشددةً على ضرورة تفكيك المؤسسات القمعية مثل قوات الحرس، وقوة القدس الإرهابية، وشبيحة النظام.
هذه الخطوات تهدف إلى تحرير المجتمع الإيراني من القيود التي تعيق تطوره وتحقيق الشفافية في الحياة السياسية. خطة رجوي تلتزم بضمان الحريات والحقوق الفردية والاجتماعية وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تشمل هذه الالتزامات حظر التعذيب وإلغاء عقوبة الإعدام، وحل أجهزة الرقابة وتفتيش المعتقدات، ومقاضاة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية مثل مجزرة عام 1988، هذه الإجراءات تهدف إلى إرساء سيادة القانون واحترام كرامة الإنسان، مما يعزز ثقة المواطنين في النظام القضائي.
وتركز الخطة على الفصل بين الدين والحكومة، ما يضمن حرية الأديان والمذاهب ويمنع استغلال الدين في السياسة، هذا الفصل يعزز بيئة التعايش السلمي بين مختلف المعتقدات الدينية في إيران، بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة ضمان المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في جميع المجالات، بما في ذلك الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، هذه الخطوة تعتبر أساسية لتحقيق مجتمع متوازن يتيح الفرص للجميع.
حظيت خطة مريم رجوي بدعم واسع من العديد من الجهات الدولية، من أبرز مظاهر هذا الدعم، انضمام غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الإيطالي إلى الحملة العالمية دعماً لخطة رجوي.
وفي بيان صدر عن 104 من أصل 200 عضو في مجلس الشيوخ الإيطالي، أُعرب عن دعمهم الكامل للخطة ودعوا إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وأشار البيان إلى دور الحرس الثوري في نشر الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
من بين الموقعين على البيان وزير حالي، واثنان من نواب الوزراء، ووزيران سابقان، ونائبان لرئيس مجلس الشيوخ، و3 أمناء مجلس الشيوخ، و5 رؤساء لجان، و7 رؤساء مجموعات في مجلس الشيوخ، هذا الدعم يعكس التضامن الدولي مع نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية، ويؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات دولية ملموسة للضغط على النظام الإيراني.
ويواجه تنفيذ خطة مريم رجوي تحديات كبيرة تتعلق بالوضع الداخلي في إيران، أبرز هذه التحديات هو القمع الداخلي الشديد الذي يمارسه النظام الإيراني، ويستخدم النظام أدوات قمعية متنوعة لإسكات المعارضة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإعدامات الجماعية.
تفكيك المؤسسات القمعية وإعادة بناء هيكل أمني يعتمد على القانون وحقوق الإنسان يتطلب جهوداً كبيرة وشجاعة من قبل الشعب الإيراني والدعم الدولي. النظام الإيراني يعتمد بشكل كبير على قوات الحرس الثوري وقوة القدس للحفاظ على سلطته.
ووفقًا للخبراء، فإن تفكيك هذه القوات، كما تقترح خطة رجوي، يتطلب دعماً داخلياً قوياً وتوافقاً دولياً على ممارسة ضغوط شديدة على النظام. إعادة هيكلة القوات المسلحة لتكون تحت سيطرة حكومة مدنية ديمقراطية هو تحدٍ يتطلب توافقاً وطنياً ودعماً دولياً مستداماً.
الدعم الشعبي
رغم أن العديد من الإيرانيين يرغبون في التغيير، فإن الخوف من القمع والملاحقات القضائية يظل حاجزاً كبيراً أمام التحركات الشعبية الواسعة. بناء ثقة الشعب في العملية الديمقراطية وحمايته من الانتقام هو شرط أساسي لتحقيق التغيير السلمي، بالإضافة إلى ذلك، تفرض العقوبات الاقتصادية الدولية ضغوطاً كبيرة على الاقتصاد الإيراني، ما يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين.
بينما تهدف هذه العقوبات إلى الضغط على النظام، إلا أنها تجعل من الصعب تنفيذ أي خطط للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي بدون رفع هذه العقوبات أو تخفيفها. التنسيق مع المجتمع الدولي لتخفيف العقوبات تدريجياً مقابل تقدم ملموس في الإصلاحات هو خطوة ضرورية لضمان نجاح الخطة.
خطة مريم من منظور حقوق الإنسان
وعلقت الأكاديمية وخبيرة حقوق الإنسان اللبنانية، ترتيل درويش، قائلة، إن خطة مريم رجوي تثير تساؤلات كبيرة بشأن توافقها مع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية، حيث تعتمد على الدولة الدينية والتشريع الإسلامي كأساس للحكم، وهي تعبر عن تفانٍ في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الرعاية الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، ومع ذلك، تواجه التحديات البالغة في ضمان حقوق الأقليات والحريات الفردية في نظام يقوم على الدين كأساس للتشريع.
وأضافت “ترتيل” في تصريحات لـ”جسور بوست”، هناك نقاط إيجابية، حيث تركز الخطة على العدالة الاجتماعية وتحسين معيشة المواطنين، ما يعكس الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية، كما تسعى الخطة لتعزيز القيم الدينية والثقافية للمجتمع.
وتابعت، من الجوانب السلبية، تطرح الخطة تساؤلات حول حرية التعبير وحقوق الأقليات في نظام دولة دينية. يحتاج التطبيق العملي للقوانين إلى ضمان قوي لاستقلال القضاء ومساءلة السلطات، وينبغي للحكومة العمل على مزيد من التوازن بين الأبعاد الدينية والمدنية، مع التأكيد على احترام وحماية حقوق الإنسان لجميع المواطنين، ويجب أن تضمن الخطة توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والالتزام بالتزاماتها الدولية، فتحقيق التوازن بين الأبعاد الدينية والمدنية في القانون يتطلب من الحكومات النظر في مصالح جميع المواطنين بما يضمن حقوقهم وحرياتهم دون تمييز.
وأضافت، تحتاج خطة مريم رجوي إلى مزيد من العمل على تحقيق هذا التوازن من أجل تحقيق التنمية المستدامة والسلام المجتمعي، رغم أنها تعتبر خارطة طريق شاملة لبناء مستقبل ديمقراطي وعادل لإيران حيث تدعو خطتها إلى تغيير جذري في هيكل النظام السياسي والقضائي والاجتماعي في البلاد، ومع ذلك، تظل التحديات أمام تنفيذ هذه الخطة كبيرة ومعقدة، ويتطلب تحقيق هذه الرؤية تضافر الجهود المحلية والدولية، ودعماً شعبياً واسعاً، وتحركات دبلوماسية ذكية لتخفيف العقوبات الاقتصادية بالتزامن مع تنفيذ الإصلاحات.
وأتمت، التحول نحو ديمقراطية حقيقية في إيران هو المفتاح لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، ورغم الصعوبات التي تواجه تنفيذ خطة مريم رجوي، فإن الأمل يبقى معقوداً على عزيمة الشعب الإيراني ودعم المجتمع الدولي لتحقيق التغيير المنشود.
تأثير الخطة على المجتمع الإيراني
وعن البُعد الديني والاجتماعي، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، الدكتور طه أبوحسين، إن خطة مريم رجوي من شأنها أن تؤثر على البُعد الديني في المجتمع، حيث قد تتغير السياسات العامة والقوانين لتتوافق مع القوانين الشرعية، ما يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين ويؤثر على حياتهم الاجتماعية والثقافية.
وأضاف أبو حسين، في تصريحات لـ”جسور بوست”، التحول إلى نظام دولة دينية قد يثير مخاوف بشأن حقوق الأقليات في إيران، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية والثقافية، يجب أن تضمن الخطة حماية حقوق هذه الأقليات وعدم التمييز ضدهم، وهو أمر يتطلب تشريعات وسياسات توفر الحماية الكافية للأقليات، وقد تطرح خطة مريم رجوي تحديات في ما يتعلق بحرية التعبير والاختلاف السياسي. يجب أن تكون هناك آليات لحماية حقوق الفرد في التعبير عن آرائهم دون مخاوف من القمع أو الاضطهاد، مع الاحترام الكامل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
واستكمل، يمكن أن يؤثر التحول إلى نظام دولة دينية على الاقتصاد والتنمية الاجتماعية في إيران، ومن المهم أن تشمل الخطة استراتيجيات اقتصادية تعزز التنمية المستدامة وتحسن مستوى معيشة المواطنين دون التأثير على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وقد يكون لتغيير النظام السياسي والقانوني في إيران تأثيرات إقليمية ودولية، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الدولية والتعاون الإقليمي، ومن المهم أن تدرس الخطة تأثيراتها الإقليمية والدولية وتعزيز التعاون مع المجتمع الدولي.
وأتم، بشكل عام، تتطلب خطة مريم رجوي دراسة شاملة لتأثيراتها المحتملة على المجتمع الإيراني مع التركيز على حقوق الإنسان والتنمية المستدامة. يجب أن تضمن الخطة الاحترام الكامل للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الثقافية، وأن تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي في إيران.