طرح كثير من الأسئلة حول مدى تغير السياسة الخارجية الإيرانية مع مجيء رئيس جديد بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادثة الطائرة، وفي ظل الانتخابات المبكرة التي تجري حالياً لانتخاب الرئيس الجديد، لا سيما بين مرشحين محسوبين على التيار الإصلاحي والمتشدد، ازداد الجدل حول مدى التغير المنتظر في السياسة الخارجية الإيرانية إذا ما جاء رئيس إصلاحي أو متشدد.
وللإجابة عن هذا التساؤل فإنه ينبغي معرفة الجانب الدستوري في ما يخص صلاحيات رئيس الجمهورية ومقارنتها مع صلاحيات المرشد الإيراني، وذلك كما نص عليها الدستور.
فوفقاً للمادة 110 من الدستور التي حددت صلاحيات المرشد ووظائفه، فإن من ضمن صلاحياته الكثيرة التي ترتبط بشكل أساسي بالسياسة الخارجية رسم السياسات العامة لنظام جمهورية إيران بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، والإشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام.
أما صلاحيات رئيس الجمهورية، فوفقاً للمادة 113 تنص على “يعتبر رئيس الجمهورية أعلى سلطة رسمية في البلاد بعد مقام القيادة، وهو المسؤول عن تنفيذ الدستور، ورئيس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة”.
ووفقاً للمواد من 122 إلى 129 هي: رئاسة السلطة التنفيذية، وهذا يعني أنه يقوم مقام منصب رئيس الوزراء، وحصرت صلاحيات السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية فقط، وهي تتمثل في التوقيع على المعاهدات والعقود والاتفاقات والمواثيق بعد موافقة مجلس شورى النواب، وتولي مسؤولية أمور التخطيط والموازنة والأمور الإدارية للبلاد وتعيين الوزراء ومنح الأوسمة وتعيين السياسة العامة لعمل الدولة ونهجها وتنفيذ القوانين وقيادة مجلس الأمن القومي.
الأمر الآخر هو نص الدستور على أنه في ما يخص صلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور بهذا الخصوص، فيجب أن تنال موافقة القيادة قبل تصويت مجلس صيانة الدستور على المرشحين المقبولين.
وعلى رغم أن رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من الشعب، إلا أنه يعمل في ظل قيادة المرشد الأعلى، وحاول كل رئيس توسيع سلطته النسبية إلى المرشد الأعلى لا سيما في شؤون الأمن القومي، لكن باءت المحاولات بالفشل، فغالباً ما يعوقها رجال دين وحلفاء الحرس الثوري وغيرها من المؤسسات القوية.
ومن ثم فإذا كان بعضهم يروج إلى أن هناك هامش مساحة أمام أي رئيس إيراني في السياسة الخارجية فهذا أمر يجافي الواقع، وهناك دلائل عدة على هذا الأمر، أولاً مع تقلد الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد الحكم عام 2006 كشف عن البرنامج السري النووي الإيراني، الذي كان يعمل عليه خلال ولاية الرئيس محمد خاتمي الإصلاحي، وكان يدعو في أروقة الأمم المتحدة إلى عام حوار الحضارات.
ثانياً التسريب المنسوب لوزير الخارجية السابق جواد ظريف الذي ينتقد فيه تهميش دور وزارة الخارجية لصالح دور أكبر للحرس الثوري، مما دفع المرشد للتصريح بأن وزارة الخارجية دورها التنفيذ وليس رسم السياسات الخارجية، وفي هذا إقرار بأن رسم وصنع السياسة الخارجية في يد أطراف أخرى هي المرشد والحرس الثوري، في حين وزارة الخارجية التي هي ذراع الرئيس ينحصر دورها في التنفيذ، وفي تلك الأثناء نشرت صورة استقبال المرشد الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد في وجود قائد فيلق القدس وغياب تام لظريف.
الأمر الثالث كان إصدار مجلس الشورى الإيراني قانوناً يطالب حكومة روحاني بعدم الالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015 وتخصيب اليورانيوم بنسب أعلى، وعدم الالتزام الطوعي بالبروتوكول الإضافي، ومن ثم فإنه في ظل حكومة منسوبة إلى التيار المعتدل وتستهدف العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات والانفتاح على الغرب، لم تكن قادرة على تنفيذ أجندتها بل تعثرت جولات محادثات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي.
أي أنه وفي ظل ما يبدو أن الرئيس الإيراني يتمتع بقدر كبير من الحرية في التعامل مع الشؤون الداخلية، إلا أنه في مجال السياسات الخارجية وعلى الساحة الإقليمية والدولية فإن سلطته تظل ثانوية بالنسبة إلى المرشد، لا سيما مع تعزيز سلطات المرشد خلال الأعوام الأخيرة، بالتعاون مع شبكة حلفائه المرتبطة بالمؤسسات الاقتصادية ورجال الدين والحرس الثوري.
وفي الأخير فإنه أياً من كانت ستفرزه نتائج الانتخابات الإيرانية فإن الرئيس القادم سواء كان من الإصلاحيين أم المتشددين، لن يخرج عن إطار السياسات المحددة من المرشد، سواء في ما يخص الملف النووي أم العلاقات مع الغرب والعلاقات مع جيران إيران والميليشيات، وكذلك سياسة النظر شرقاً وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع روسيا والصين.