فشل المراهنة على الفصل بين اليهودية والصهيونية
أصبحت على قناعة بأن صراعنا ومشكلتنا مع اليهودية وخصوصا النصوص التوراتية، فمنها تُستمد كل الشرور وتُبنى عليها كل ممارسات اليمين الديني المتطرف الحاكم في دولة الكيان
كنت دوما أدافع عن الأطروحة التي تقول بالتمييز بين اليهودية كديانة والصهيونية كأيديولوجيا وعقيدة سياسية، وأن خلافنا وصراعنا كفلسطينيين مع الصهيونية وليس مع اليهودية كديانة سماوية.
وفي هذا السياق دافعت عن موقف محمود عباس بداية السبعينات عندما كان رئيس لجنة المفاوضات في المنظمة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وكان من أبرز الداعين للتواصل مع الإسرائيليين واليهود غير الصهاينة في مراهنة على اختراق المجتمع الإسرائيلي وإيجاد قواسم مشتركة مع يهود يؤمنون بالسلام و الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، ولكن بعد التحولات التي طرأت على (المجتمع الإسرائيلي) وتبني غالبيته للصهيونية الدينية الملتزمة بالنصوص التوراتية و اساطيرها وبعد وقوف الغالبية العظمى من يهود إسرائيل والعالم داعمين لحرب الابادة في غزة أو ساكتين عنها، أصبحت على قناعة بأن صراعنا ومشكلتنا مع اليهودية وخصوصا النصوص التوراتية، فمنها تُستمد كل الشرور وتُبنى عليها كل ممارسات اليمين الديني المتطرف الحاكم في دولة الكيان، وحتى الموقف الغرب المسيحي يعتمد في مساندته لإسرائيل على العلاقة بين اليهودية والمسيحية خصوصا الأنجليكية إيمانا منهم بأن عودة المسيح المنتظر مرتبط بقيام الدولة اليهودية.
فقد هيمنت الجماعات والأفكار اليهودية الدينية المتطرفة على كل مناحي الحياة في دولة الكيان، فمنها تتشكل الأحزاب والجماعات المسيطرة و المهيمنة كجزب الليكود والصهيونية الدينية وحزب شاس وحزب يهودت هتوراه” (التوراة اليهودية الموحدة) واليها ينتمي قطعان المستوطنين المتطرفين ، حتى القوى المعتدلة وبقايا اليسار ملتزمون بمرتكزات اليهودية الدينية كالإيمان بالهيكل ووعد الرب والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ودولة اليهود من البحر الى النهر، أما من لا يؤيدون هذا النهج التوراتي فهم قلة لا يؤثرون على سياسات الدولة أو مجريات الحياة سواء في إسرائيل أو خارجها.
تمكن اليهود من التلاعب بعقول البشر منذ بداية التاريخ من خلال ترسيخ أن التوراة أصل الديانات وجعلوها مرجعية لكل تاريخ البشرية، وهولوا و ضخموا من معاناتهم على يد النازية في ألمانيا (الهولوكوست) وأصبح نكرانها أو التشكيك فيها في دول الغرب يؤدي للفصل من العمل أو للسجن، و رسخوا قانون معاداة السامية في الغرب بحيث أصبح كل من ينتقد إسرائيل وممارساتها معاد للسامية، و رسخوا مقولة أن مقاومة الاحتلال إرهابا وأن الفلسطينيين ارهابيون، روجوا بأنهم حرروا أرض إسرائيل عام 1948 من الاحتلال العربي والإسلامي، ويزعمون أن الضفة والقدس هي يهودا والسامرة فلب إسرائيل التوراتية، وأخيرا اختلقوا وبدعم أمريكي (الديانة الإبراهيمية) التي تُلحق كل الديانات السماوية بالديانة اليهودية وأصبحت اليهودية الأصل بل وتجب ما بعدها، بعد أن كان الإسلام يجب ما قبلهّ !! ّوبسبب هذه المزاعم وبناء عليها يقومون بحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية على مسمع ومرأى العالم الذي صدق أكاذيبهم وروايتهم التوراتية.
لا يعني هذا الدعوة للحرب الدينية أو مواجهة اليهودية بالإسلام فهناك من المسلمين والجماعات الاسلاموية ممن لا يقلون سوء عن اليهود، ولكن الهدف معرفة العدو الحقيقي ونبذ كل أشكال التطرف الديني والفصل بين الدين ومعتقدات البشر حوله من جانب والسياسة وكيفية تدبير وإدارة الدولة والعلاقات الدولية من جهة أخرى.