إلى أين سيقود التصعيد بين إسرائيل وحزب الله
الوضع الراهن في المناطق الحدودية بين لبنان ودولة الإحتلال يضغط على حكومة نتنياهو لتنفيذ إجراءات تعيد شيئا من الهدوء والاستقرار وتسمح بإعادة المهجرين إلى مناطقهم
ولأن صناع القرار في إيران لا يريدون للصراع بين حزب الله اللبناني وإسرائيل أن يخرج عن السيطرة وينجرف الأمر إلى حرب واسعة، فإنهم يدفعون الحوثيين في اليمن والفصائل العراقية المسلحة إلى تصعيد هجماتهم في مواقع مختلفة لتذكير نتنياهو وحكومته وكذلك القوى الدولية المؤثرة في القرار الإسرائيلي بالمواجهة الإقليمية التي يمكن أن تحدث.
خلال الأيام القليلة الماضية، وبعد فترة من الهدوء النسبي في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ارتفعت وتيرة هجمات الحوثيين على السفن التجارية والقطع العسكرية الغربية وهو ما استدعى ضربات أمريكية وبريطانية عكسية. خلال الأيام القليلة الماضية أيضا، أعلنت فصائل عراقية عن مهاجمة أهداف في إسرائيل وعن استعدادها للحرب إلى جانب حزب الله حال اعتداء إسرائيلي على لبنان.
هذه هي رسائل الردع الإيرانية التي تبتغي منها طهران إبعاد شبح الحرب الواسعة من خلال التذكير بكلفتها الواسعة ليس فقط على لبنان وإسرائيل، بل على الإقليم ككل.
غير أن السؤال الحاسم هنا هو ما إذا كانت حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب تتخوف من حرب مع حزب الله تتحول إلى مواجهة إقليمية مع حلفاء إيران أم تريدها لاعتبارات داخلية وخارجية متنوعة.
والشاهد أن الوضع الراهن في المناطق الحدودية بين البلدين (أي في الشمال الإسرائيلي والجنوب اللبناني) والهجمات المتبادلة والمتكررة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، وما أسفرت عنه من تهجير أكثر من 100 ألف إسرائيلي بعيدا عن مناطق سكنهم، هي عوامل تضغط على حكومة نتنياهو لتنفيذ إجراءات تعيد شيئا من الهدوء والاستقرار وتسمح بإعادة المهجرين إلى مناطقهم. غير أن نتنياهو والمتحالفين معه من اليمينيين المتطرفين، وهذا شأنهم في غزة أيضا، لا يرون غير التصعيد العسكري بديلا ممكنا وتداعب خيالهم السياسي ودون حسابات دقيقة للكلفة البشرية والمادية أوهام التخلص من سلاح حزب الله وإنهاء التهديد الأمني الذي يمثله.
والشاهد أيضا أن ما يبدو من اندفاع حكومة نتنياهو نحو حرب واسعة مع حزب الله تسانده أغلبية واضحة بين مواطني إسرائيل الذين يتأثرون بخليط اعتبارات منها مسألة المهجرين، ومنها القناعة العامة بكون بلادهم تواجه خطرا وجوديا، ومنها شعبية سياسات اليمين المتطرف بين قطاعات واسعة من السكان – وهي ذات القطاعات التي ما لبثت تساند الحرب المدمرة في غزة ولا ترى في الدمار الشامل الذي لحق بالقطاع غير نتيجة لهجمات حماس وتتجاهل حقائق الحصار والاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
ومع اقتراب ما تسميه الحكومة الإسرائيلية «عمليات عسكرية مكثفة» في غزة من التوقف وتصاعد احتمالات التوصل إلى وقف لإطلاق النار وترتيبات جديدة لإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع المدمر، قد تكون الحرب الواسعة مع حزب الله وسيلة نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش للإبقاء على تماسك حكومتهم وإبعاد شبح الانتخابات البرلمانية المبكرة والاحتفاظ بالأغلبية المؤيدة لهم معبأة شعبيا. بل أن الحرب الواسعة مع حزب الله قد تكون وسيلتهم للضغط على الحلفاء الغربيين لدعم سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف بوضعها زيفا في إطار «درء الأخطار والتهديدات الأمنية» عن الشمال والعمل على إعادة المهجرين إلى مناطقهم وتسريع المواجهة الشاملة مع حلفاء إيران الذين يهددون أمن الشرق الأوسط ويهددون مصالح إسرائيل والدول الغربية. هكذا تخاطب حكومة نتنياهو الغرب الأمريكي والأوروبي وتحاول دفع حكوماته إلى إعادة النظر في سياستها الرافضة لاتساع رقعة الحرب والرافضة للدمار المنتظر إن خرجت الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله عن السيطرة.
تلك هي توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف والعوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في إدارته للحظة الراهنة في الصراع مع حزب الله، تلك هي توجهات نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش الذين لا تعنيهم حسابات دقيقة للكلفة البشرية والمادية المحتملة لحرب واسعة. فقط التقديرات الخاصة بإمكانيات الرد والردع من قبل حزب الله في الشمال والعمق الإسرائيلي، والتي تتحسب لها المؤسسة العسكرية هناك بدقة، هي التي قد تحول دون توريط اليمين المتطرف لإسرائيل في حرب مدمرة ثانية على جبهة أخرى.