ذكرى مرور عام على زلازل سوريا عام 2023
زاد الزلزال من آلام الشعب السوري الذي عانى من حرب دامت أكثر من عقد من الزمن
قبل عام واحد، في 6 فبراير/شباط 2023، ضرب زلزال مدمّر بقوة 7.8 درجة جنوب تركيا وشمال سوريا، تبعه زلزال آخر بقوة 7.7 درجة وعدة هزات ارتدادية أخرى. أودت هذه الكارثة الطبيعية بحياة أكثر من 59000 شخص وجرحت أكثر من 120000 شخص وشرّدت الملايين.
زاد الزلزال من آلام الشعب السوري الذي عانى من حرب دامت أكثر من عقد من الزمن، ما تسبّب في أزمة إنسانية وانهيار اقتصادي. ألحق الزلزال أضرارًا بمئات المرافق الصحية والمدارس وأنظمة المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء، ما أدى إلى تفاقم ضعف ملايين السوريين ومن ضمنهم المهجرون داخليًا.
أنا شخصيًا في بيروت شعرت بالزلزال وتواصلت على الفور مع ذراعنا الإنساني ECHO والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتقديم وتنسيق مساعدات الإغاثة الأولى للمحتاجين. وقد استجابت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا مع المقر الرئيسي في بروكسل لنداءات المساعدة. كان ردّ فعل الاتحاد الأوروبي سريعًا وأدى دورًا هامًا في توفير الإغاثة السريعة للمتضررين. وشمل ذلك تفعيلَ القدرة الأوروبية للاستجابة الإنسانية وتوفير الأموال اللازمة. وتمّ حشد مخزونات الاتحاد الأوروبي لإيصال إمدادات الطوارئ إلى جميع أنحاء سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل آلية الاتحاد الأوروبي للحماية المدنية وقامت خمس عشرة دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودولة مشاركة واحدة بتسليم مواد إغاثية، منها البطانيات والأسرّة الميدانية والخيام والسخانات ومولدات الكهرباء واللوازم الطبية والوحدات الطبية وما إلى ذلك. وفي هذا السياق، عدّل الاتحاد الأوروبي التدابير التقييدية المعمول بها فيما يتعلق بسوريا لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية على نحو سريع. نقلت عشرات الطائرات من الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية ضرورية إلى بيروت وغازي عنتاب ودمشق، تلبية لاحتياجات السوريين في كافة المناطق المتضررة من الزلزال.
حتى إن بعض الدول الأعضاء نقل المساعدات عن طريق السفن عبر لبنان أو مباشرة عبر الموانئ السورية. علاوة على ذلك، شعر كثيرون من مواطني الاتحاد الأوروبي بالحاجة إلى المشاركة الشخصية ومساعدة الضحايا. فعلى سبيل المثال، تبرّع آلاف المواطنين في بلدي رومانيا بالطعام والملابس والمال بالتنسيق مع السلطات المحلية والكنائس والمجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك، نظم الاتحاد الأوروبي المؤتمر الدولي للمانحين “معًا من أجل شعبيْ تركيا وسوريا”، في مارس/آذار 2023 لحشد تمويل المجتمع الدولي، متعهدًا بتقديم ما مجموعه سبعة مليارات يورو.
في عام 2023، خصّصت المفوضية الأوروبية 186.5 مليون يورو كمساعدات إنسانية لمساعدة ملايين الأشخاص داخل سوريا. بالإضافة إلى ذلك، التزم الاتحاد الأوروبي بتمويل الأمن البشري والقدرة على الصمود بعد الزلزال للشركاء المحليين لإعادة تأهيل البنية التحتية والمساحات مع الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والرفاه وسبل العيش. ويهدف ذلك إلى زيادة قدرة الجهات الفاعلة المحلية على معالجة التخطيط والاستجابة في حالات الكوارث على نحو مجتمعي ومُراعٍ للصراع، إلى جانب التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي.
على الرغم من وقوع الزلزال في شباط/فبراير من العام الماضي، ما زالت آثاره الكارثية تؤثر في ملايين السوريين. بغية تخفيف التأثير السلبي، أعلن الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2023 التزامًا جديدًا بتمويل الخوذ البيضاء، وهي منظمة رئيسية للدفاع المدني في سوريا، من أجل التخفيف من تأثير الزلازل. يركز هذا الدعم على معالجة التحديات التي تواجهها المجتمعات المتضررة في حلب وإدلب، وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود من خلال إدارة الأنقاض وتحسين البنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، يقدّم المشروع دعمًا هامًا للنساء من خلال توفير مُتاحية الخدمات النفسية الاجتماعية، وحماية الأطفال من خلال إعادة تأهيل المدارس وتعزيز ظروف الصحة والسلامة والاستثمار في أنشطة التأهّب المجتمعي لتقوية التخطيط والاستجابة في حالات الكوارث.
لسوء الحظ، كثيرةٌ هي المناطق المتضرّرة التي كانت أيضًا مناطق مزقتها الحرب، وتضررت بشدة من الأزمة التي طال أمدها. لذلك ركزنا مساعدتنا أيضًا على متطلبات الصمود وإعادة التأهيل. على سبيل المثال، دعم الاتحاد الأوروبي المنظمات الدولية، كمنظمة التضامن الدولية “Solidarités International” لتعزيز مُتاحية التعليم والخدمات الصحية في شمال غرب سوريا. وقد تمّ بالفعل تحديد بعض المرافق ومن المتوقع أن تتم إعادة تأهيلها في الربيع، ما يحسّن فرصَ التعليم لما يقدّر بنحو 8000 طالب و 300 من إداريي المدارس، والخدمات الصحية لما يقدّر بنحو 90000 فرد.
مثال آخر هو دعمنا لمنظمة أطفال الحرب هولندا “War Child Holland” لتعزيز أنظمة حماية الطفل والوعي، وزيادة قدرة الجهات الفاعلة المحلية، وتوفير تعليم جيد وآمن وتقديم خدمات متخصصة لحماية الطفل والدعم النفسي الاجتماعي. من خلال هذا المشروع، أعيد بالفعل تأهيل أربع مدارس واستفاد 3885 طفلًا من حملة العودة إلى التعلّم، وسجّل 1903 أطفال في دروس تعويضية.
علاوة على ذلك، اعتمد الاتحاد الأوروبي في الجزء الثاني من عام 2023 حزمة من المساعدات غير الإنسانية بقيمة 57 مليون يورو للشعب السوري مع التركيز على المناطق المتضررة من الزلزال. يعتزم الاتحاد الأوروبي في عام 2024 الدخول في شراكة مع منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية لتشجيع أطفال المناطق المتضررة من الزلزال على إعادة الاندماج أو البقاء في مدارسهم، وتزويد المزارعين في هذه المناطق بالمدخلات والبنى التحتية والمعدات لزيادة إنتاجيتهم وتحسين وصول الناس إلى الخدمات الصحية والأدوية الأساسية.
بعد انتهاء آلية الأمم المتحدة، نكرر دعوتنا إلى حلّ أكثر استدامة وموثوقية للمساعدات عبر الحدود، بغية السماح بالوصول المستمر والمتوقع إلى السكان المستضعفين المحتاجين في شمال غرب سوريا.
في مواجهة هذه المأساة، ثبت مرة أخرى أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ما زالوا المانحين الرئيسيين للمساعدات الدولية استجابة للأزمة السورية. على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية تقريبًا، حشد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بشكل جماعي أكثر من 30 مليار يورو لمساعدة المتضررين من الحرب. في مؤتمر بروكسل السابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، الذي استضافه الاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو 2023، تعهد المجتمع الدولي بتقديم 5.6 مليار يورو لعام 2023 وما بعده لدعم الناس داخل سوريا والبلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين.
من المؤسف أن تقديم المساعدة بما في ذلك التعافي المبكر ومساعدات متطلبات الصمود غير كافٍ. لقد آن الأوان لتخطّي ذلك، ولكن للقيام بالأمر نحتاج إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية والاقتصادية وإعطاء زخم متجدد لحل سياسي حقيقي. وبما أن الاتحاد الأوروبي ما زال ملتزمًا بمواصلة دعم الشعب السوري، فإننا حازمون في إبقاء الحل السياسي على رأس جدول الأعمال.
نذكّر بأن الطريق الوحيد لتحقيق سلام مستدام في سوريا هو حل سياسي ينسجم مع قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 2254. الاتحاد الأوروبي ثابت في التزامه بهذا الهدف ويدعم الجهود المتواصلة التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة “غير بيدرسن” للمضي قدمًا في جميع جوانب قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 2254، بما في ذلك مقاربته “خطوة مقابل خطوة” في تعزيز العملية السياسية واستئناف عمل اللجنة الدستورية على نحو مبكر.
في الذكرى السنوية الأولى لزلزال شباط/فبراير 2023، شهدنا شجاعة الشعب السوري وصموده. لن نتوقف عن مواصلة الانخراط في إيجاد الحلول وإبقاء سوريا في دائرة اهتمام العالم. وفي سياق إقليمي أكثر اضطرابًا اليوم، أودّ أن أؤكد دعمَ الاتحاد الأوروبي الكامل لمستقبل سلميّ ومستقرّ ومزدهر لسوريا وشعبها.