كيف يمكن للمسلمين في الغرب التعامل مع صعود الأحزاب اليمينية في أوروبا؟
إن الأحزاب اليمينية أحزاب ترتبط بأصولها العرقية بشكل كبير، وأهم مطالبها تتمثل بالمحافظة على المجتمعات بأشكالها الأصلية، تؤمن بالطبقات الاجتماعية وهي ليست بالضرورة أحزاباً دينية كما أن اليمين ليس على مستوى واحد، فهناك يمين معتدل كما اليمين المتطرف، واليمين المتطرف يتصف بخطاب عنصري واضح المعالم
سوف أحاول تبسيط بعض المفاهيم وأضع بعض الأفكار التي نحتاج أن نتعامل معها في قابل الأيام، إن كان على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
إن الأحزاب اليمينية أحزاب ترتبط بأصولها العرقية بشكل كبير، وأهم مطالبها تتمثل بالمحافظة على المجتمعات بأشكالها الأصلية، تؤمن بالطبقات الاجتماعية وهي ليست بالضرورة أحزاباً دينية كما أن اليمين ليس على مستوى واحد، فهناك يمين معتدل كما اليمين المتطرف، واليمين المتطرف يتصف بخطاب عنصري واضح المعالم.
لقد فقدت الأحزاب اليمينية بريقها في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد الستينيات من القرن الماضي، حيث طغى على الغرب والعالم أجمع حالة من الليبرالية والانحلال والتحرر من كل الأصول.
لكن التصاعد اليميني حالياً ليس ظرفياً، وهو حالة لها أسبابها المنطقية في المجتمعات الأوروبية، وللقدرة على التعامل مع هذه التيارات نحتاج أن نفهمها بشكل أفضل. فعلى امتداد سنوات طويلة فشلت الأحزاب التقليدية في تقديم حلول جوهرية للمجتمعات الأوروبية، ونرى على سبيل المثال منذ بداية الألفية كيف أن نتائج الانتخابات أصبحت تعطي نسباً متقاربة بين الأحزاب الحاكمة، ما أنشأ حالة من الانسداد السياسي، فالناخب الغربي لم يعد يجد فرقاً حقيقياً بين الأحزاب الاشتراكية أو الأحزاب ذات الميول المسيحية.
وعلى الصعيد الاجتماعي تعرضت المجتمعات إلى انتكاسات كبيرة عقب تفشي فكر الأنانية وتفضيل العلاقات العابرة لإشباع الغرائز من دون أي روابط أسرية وأي تبعات مجتمعية، ما أفقد المجتمعات بشكل تراكمي عنصر الأولاد، وبالتالي الشباب، ورويداً رويداً حتى أصبحت المجتمعات هرمة بل عجوزة بالكامل.
كل ذلك أثر بشكل مباشر على المستوى الاقتصادي، فرأينا سن التقاعد على سبيل المثال يرتفع تدريجياً فترة بعد فترة حتى كدنا نصل إلى سن الثمانين.
ومع تدفق موجات اللجوء الى أوروبا بشكل كبير ومركز في سنوات قليلة شعرت المجتمعات الأوروبية أنها أمام تحدٍّ وجودي، فمن جانب هي تنحسر ومن جانب هناك طوفان من الأجانب ينصبون في البلاد وأغلبهم شباب في سن العشرين.
فلا التركيبة السياسية ولا التركيبة الديمغرافية ولا التركيبة الاقتصادية ولا الظروف الدولية بقيت في صالح الأحزاب التقليدية، وكل هذا دفع الجمهور الأوروبي باتجاه من ينادون بالارتباط بالأصول.
بعد هذه المقدمة، هناك سؤال ينبغي علينا طرحه: كيف نتعامل مع هذه التطورات السياسية والفكرية؟ وما هي الحلول والأفكار المتاحة؟
أولاً: فيما يتعلق بالمؤسسات المهتمة بالوجود الإسلامي في القارة الأوروبية:
لا تزال المؤسسات الإسلامية بعيدة كل البعد عن التفاعل المؤثر في المشهد السياسي على عموم القارة الأوروبية وخاصة مع الغياب الكلي لقراءة الساحة السياسية بشكل علمي منهجي صحيح، كما أن عموم أعداد المسلمين وخاصة المنتخبين منهم مازال نسبياً قليلاً غير قادر على أن يشكل نسبة وازنة، ولكنه بغير شك إن أجمع أمره على خيار لأصبح مؤثراً.
وضمن تصاعد الضغوط على الوجود الإسلامي فإن أول فكرة تحتاج المؤسسات الإسلامية إلى التعامل معها هي وضوح الرؤيا، وتحديد الأهداف الواقعية وصناعة الأحلام الحقيقية، والتي تذهب إليها بشكل ثابت ومتتابع. كي تشكل حالة إقناع مستمر لجمهورها كما لأنصارها، وفيما أميل إليه أن الدعوة للإسلام كانت ويجب أن تبقى أصل وسبب الوجود لكل المؤسسات الإسلامية وخاصة في أوروبا.
ثانياً: عدم الانسياق في حالة التنازلات والانكفاء مخافة الضغوط المتزايدة دون إلقاء النفس في التهلكة ضمن تيارات جارفة.
ثالثاً: دراسة التاريخ بنوع من التفصيل، وخاصة ما جرى مع اليهود في فترات ما قبل الحرب العالمية الثانية لتعدد أوجه الشبه، وإن كانت التجربة غير متطابقة ولكن يمكن الاستفادة منها بشكل كبير.
رابعاً: تشكيل إضافة للمجتمعات التي نعيش فيها إن كان على مستوى المؤسسات أو الأفراد.
أما على مستوى الأفراد فهذه بعض الأفكار التي قد يستفيد منها الفرد ضمن هذا الجو العام:
أولاً: حسن الصلة بالله، فضمن هذه الأمواج المتراكمة لا نجاة للمسلم إلا بحسن الصلة بربه وجميل التوكل عليه.
ثانياً: صناعة وعي جيد بما يحيط به من ظروف، وفهمه للواقع السياسي الذي نعيش به.
ثالثاً: التفاعل المستمر ضمن بيئته التي يعيش بها كي يحافظ على مساحة التأثير، كما الاستشعار لجو المجتمع الذي يعيش به.
رابعاً: تقديم النموذج المعتدل للمسلم الصالح القادر على التعايش في أوروبا دون التحلل في نسيجها بشكل كامل.
هذه في الحقيقة مقدمات تحتاج إلى جهود أكبر وأعمال جمعية أوسع كي تبلورها بشكل أكمل. كما لا يفوتني أن أنوه إلى أن اليمين في الغرب وإن كان يسير بشكل سريع نحو الحكم غير أنه لم يصبح حاكماً بعد، وهذا مسار يحتاج إلى عدد من السنوات، وقد يطرأ حدث يغير مسار الأمور وتوجهات الشعوب.