غزة

عيد الأضحى في غزة بلون الدم

ينبغي للمجتمع الدولي أن يضغط من أجل حلول سياسية تعالج جذور الصراع وتضمن عدم تكرار هذه المأساة سواء في غزة أو في أي مكان آخر.

على الرغم من البهجة التي يُفترض أن يحملها عيد الأضحى، يظل أطفال غزة يعيشون تحت وطأة الصراع المستمر والقصف الإسرائيلي الوحشي الذي لا يتوقف، حيث الأمل بالفرحة يبقى معلقًا بخيط رفيع. في هذا اليوم حيث يُفترض أن تعم الابتسامات وجوه الأطفال، تغلب الغيوم الداكنة وأصداء الانفجارات على ضحكاتهم. في غزة، حتى في الأيام التي يجب أن تكون احتفالية، لا يمكن للأطفال تجربة الطفولة الطبيعية التي يعيشها أقرانهم في أماكن أخرى من العالم. تُحرم منهم الفرحة البسيطة بتلقي الهدايا أو ارتداء ملابس جديدة للعيد، وبدلاً من ذلك، يكونون محظوظين إذا مر اليوم دون أن يقتلوا.

ما زالت كلمات طفل من غزة تصدح في أُذني، تخترق صمت روحي بألم عميق، تصرخ بوجه التناقضات في عالم ظالم متخاذل قد ضل طريقه في أروقة الضمير الإنساني، تستفز مشاعري من فظاعة المأساة. بصوته المشحون بالبراءة والألم، كان ذلك الطفل يستغيث، كلماته لم تكن مجرد استفسار بريء، بل تعبر عن حالة مأساوية تحيط بجيل كامل يكبر في ظل الحصار والقصف، يتساءل بحرقة: “لقد تعلمت في المدرسة بأن هناك مؤسسات تحمي حقوق الأطفال، وحقوق المرأة، حتى حقوق الحيوانات. فأين هي مؤسسات حقوق الأطفال من غزة وأطفالها يقتلون كل يوم بالمئات؟”

ذات يوم، رأى هذا الطفل كيف أن الناس والمنقذون تجمعوا بأدواتهم لإنقاذ قطة عالقة في الطريق، وهو مشهد يعكس العطف والرحمة. يتساءل بحرقة:

“كيف لمثل هذه الاستجابة السريعة والعاطفية أن تتجاهل معاناة أطفال بأكملهم في غزة؟ تتعارض تلك اللحظة بشدة مع مشاهد اليومية من الدمار والموت التي تغطي شوارع مدينته، تاركًا سؤالًا محيرًا: هل يُقدر أولئك الأطفال بأقل من حيوان في طريق؟ كيف لهذه الإنسانية أن تغض الطرف عن مأساة مثل مأساتنا؟”

تلك الكلمات، بريئة في طرحها لكنها تحمل وقعاً مدمراً، في تأثيرها، تشق طريقها إلى القلب، تطلق صرخة صادقة مطالبة بإجابات في عالم يبدو متناقضًا ، في عالم يبدو أنه فقد بوصلته الأخلاقية، مطالبةً بإعادة تقييم مفاهيم العدالة والرحمة في عالم إزدواجية المعايير.

في هذا السياق المؤلم، يبرز مشهد آخر مفجع من غزة، حيث طفل آخر، مصاب وينزف بشدة نتيجة للقصف الوحشي، يصرخ بيأس وألم قائلًا: “أرجوكم، لا أريد أن أموت، أريد أن أعيش لكي أساعد أمي.” كلماته تمزق القلب، وتعري الفشل المروع للعالم في حماية الأطفال في فلسطين. كيف يمكن لأحد أن يشهد مثل هذا المشهد ولا يتحرك ضميره؟ كيف يمكن للإنسانية أن تقف صامتة بينما الأطفال يستغيثون للحصول على فرصة للعيش، فرصة لمجرد أن يكونوا أطفالًا؟

وهناك في رفح تكشف الأنقاض قصة طفل فقد رأسه، وفي أخرى، يظهر دماغ طفل خارج جمجمته بعد مجزرة الخيام . هذه المناظر، التي يصعب على العقل تقبلها، تثير الرعب في قلوب جميع من يشاهدها وتُظهر مدى الفظائع التي ترتكبها المستعمرة الصهيونية من مجازر وحشية.

هذه الأحداث تطرح تحديًا صارخًا أمام صمت العالم المستمر، وتسلط الضوء على التناقض المؤلم بين استجابات الإنسانية تجاه الحيوانات المحتاجة وتجاهلها المذهل لمعاناة أطفال فلسطين الذين يواجهون ظروفًا أكثر قسوة.

تفرض هذه المقارنة تساؤلات عميقة حول أولوياتنا كمجتمع عالمي، وتدعونا جميعًا للنظر إلى ما وراء الأخبار والإحصائيات، إلى قلوب الأطفال الذين يجب أن يكونوا يلعبون ويتعلمون بدلاً من أن يعانوا من الخوف والترويع تحت ظلال الموت والدمار. من الأساسي أن يُسمع صوتهم وتُرى معاناتهم. العالم مدين لهم بأكثر من مجرد الشفقة؛ مدين بالفعل العملي والحلول الجذرية التي تحميهم وتوفر لهم بيئة آمنة يمكنهم فيها النمو والتطور كأي طفل في أي مكان آخر بالعالم.

يجب أن تكون هناك استجابة عالمية قوية تحمي حقوق هؤلاء الأطفال وتضمن لهم الأمن والاستقرار، وتعمل على وقف العنف والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يحيط بهم. المعاناة التي يشهدها أطفال غزة هي دعوة لكل ضمير حي للعمل من أجل السلام والعدالة. كلمات هؤلاء الأطفال ودموعهم تستحق أن تتحول من صدى في الأذنين إلى إجراءات فعلية تحدث تغييرًا حقيقيًا. لا ينبغي أن تكون الإنسانية انتقائية، ولا ينبغي أن يكون الأطفال في غزة استثناءً من الحق في الحياة والأمان والحرية.

يجب أن نتحرك الآن لضمان أن تصبح معاناة أطفال غزة محور اهتمام العالم وليس مجرد خبر عابر. يتطلب الأمر من المجتمع الدولي، المنظمات الإنسانية، الحكومات، والأفراد العمل معًا لوضع حد للعنف وتوفير الدعم اللازم لإعادة بناء ما دمرته الحرب. يجب أن يعرف أطفال غزة أن العالم يسمع صرخاتهم ويرى دموعهم، وأن حياتهم لها قيمة مثل حياة أي طفل آخر. يجب أن نعمل على تعزيز البرامج التي تحميهم وتوفر لهم فرص التعليم والرعاية الصحية والنفسية اللازمة لتجاوز تأثيرات الحرب.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للمجتمع الدولي أن يضغط من أجل حلول سياسية تعالج جذور الصراع وتضمن عدم تكرار هذه المأساة سواء في غزة أو في أي مكان آخر. يجب أن تكون هناك محاسبة واضحة للمستعمرة الصهيونية التي تنتهك حقوق الفلسطينيين وخصوصًا الأطفال والنساء من إبادة جماعية وتطهير عرقي، وتطبيق القوانين الدولية التي تحمي المدنيين في أوقات الحرب وتحاسب من يخرق هذه القوانين.

أخيرًا، يجب أن يعمل الإعلام العالمي والمجتمع المدني على تسليط الضوء بشكل مستمر على هذه القضايا، لا سيما معاناة الأطفال في مناطق النزاع. من خلال القصص الشخصية والتغطيات المتعمقة، يمكن للإعلام أن يلعب دورًا حيويًا في تحريك الرأي العام وتحفيز الحكومات والمنظمات لاتخاذ إجراءات فعالة.

في نهاية المطاف، لا يجب أن يشعر أي طفل بأنه مجرد رقم في إحصائية. كل طفل يستحق الأمل والحماية وفرصة لمستقبل أفضل، ويقع على عاتقنا جميعًا مسؤولية ضمان ألا يُنسى أطفال غزة أو أي طفل آخر في مكان مشابه. يجب أن نضمن أن كل طفل، بغض النظر عن مكان ميلاده، يعيش في بيئة آمنة ومحفزة تساعده على تحقيق أحلامه وأن يعيش حياة كريمة مليئة بالفرص.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى