فى استنساخ تام لمعارك الحرب العالمية الثانية تقع غزة الفلسطينية، فى فخ اللاعبين الكبار، وتقع فلسطين الكاملة فى نفس الفخ، وتكرس وسائل الإعلام العالمية هذا الشرك عن قصد وتصميم، فالعدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين هو حرب على «قطاع غزة» وحده، بمعزل عن الضفة الغربية، أو الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة عام 48، أو هؤلاء المشتتين فى المنافى، وهو تفتيت مقصود.
إبادة جماعية لا شك فيها، لم يتخيل صانعوها أن يرتكبوها بنفس مواصفات حروب المدن الأوروبية – الأوروبية، ولم يتخيل داعموها أن جراح التاريخ سوف تُفتح على مصراعيها، وترمى بالمخلفات على قارعة الطريق.
تعالوا نبدأ من السردية الأولى، ونضعها فى المكان والزمان الصحيحين.
فلسطين الكنعانية، دولة عربية، لا شك، خضعت، كغيرها، لاحتلال متعاقب، وانتداب استعمارى، سلمها إلى جماعة دولية، تحت مظلة “حل المسألة، أو المعضلة الأوروبية” هى بالفعل أوروبية خالصة، كان عنوانها “المسألة اليهودية”.
فلسطين فريدة فى عالمها الخاص، سواء أكانت ضمن بلاد الشام التاريخية، أم كانت مستقلة كشعب فى حقب معينة قصيرة، وهى قديمة وجديدة.
قديمة من حيث الميراث الثقافى والحضارى والدينى، وجديدة من حيث نشأة الدول بالمعنى السياسى الحديث.
كان هناك شعب دائم على هذه الأرض، أفرز حالة مجتمعية، تختلف عن أى شعب آخر، تعددت فيه الرءوس و”الأبوات”، وتعددت فيه الولاءات، ولعبت قوى عالمية وإقليمية دورا بارزا فى هذا التعدد.
كثيرا ما أشرت إلى هذا الجانب فى مقالات متعددة، وأشار إليه آخرون من ثقات الفلسطينيين أنفسهم، وكثيرا ما تمنيت ظهور جيل فلسطينى جديد، يخرج من بين الرماد، يقف على أرض واحدة، ينطلق إلى هدف واحد ووحيد، هو التحرر الوطنى من الاستعمار الاستيطانى غير المسبوق.
وكثيرا ما ضربت مثلا فى التحرر بمسألة فيتنام، وقائدها التاريخى المنتتصر الجنرال جياب، ومقاتلها الثائر الآخر هوشى منه، وضربت مثلا بقيادة جبهة التحرير الجزائرية التى أنهت الاستعمار الفرنسى بعد مائة وثلاثين عاما، وسواء أكان الأمر يتعلق بفيتنام أم الجزائر، فالقيادة كانت تتشكل من أفراد قلائل، يعدون على أصابع اليد الواحدة، وثمة سرديات أخرى يمكن أن نستدعيها للتدليل.
حين ألحت وضغطت “المسألة اليهودية”، على العقل الأوروبى، كنتيجة مأساوية من نتائج الحرب العالمية الثانية، لم تفكر “فلسطين الكاملة” فى وجود قيادة موحدة، تمضى بها إلى الانعتاق والاستقلال، وهو أمر واضح وجلى فى تعدد الفصائل واختلاف القيادات على مدى القرن الماضى، ويتضح أكثر فى الارتباط بكل ما هو خارج المعنى الفلسطينى.
رمال فلسطين المتحركة هذه ابتلعت “الإقليم العربى”، كانت ولا تزال عنوان الحرب أو السلام فى المنطقة، ومن خلالها ظهرت ذاكرة ثقافية وسياسية غطت على ما عداها من ذواكر، وبقيت جمرة قابلة للاشتعال حين تتهيأ الأجواء، ومنها وإليها وعليها تتحرك القوى المختلفة، من داخل وخارج الإقليم العربي، لترتيب أوضاعها الإستراتيجية.
فلسطين ليست وحدها فى الطريق إلى الرمال المتحركة، فهناك الجغرافيا العربية نفسها لديها مسار قديم على هذه الرمال، وثمة أقاليم عربية مقتطعة لصالح قوى مجاورة، بعضها يعادل مئات المرات مساحة فلسطين، يتم نسيانها عمدا أو تواطؤا أو طمعا.
فهل حان وقت الفلسطينى لينجو من مصيدة الرمال المتحركة، ويرفع شعار ”ارفعوا أيديكم عن فلسطين”.