لم يفرح نتنياهو بإنجازه الذي انتظره أكثر من ثمانية أشهر وأتى على حساب نحو 1000 شهيد وجريح في مخيم النصيرات وكان بينه وبين الفشل شعرة، كما أكد مسؤولون إسرائيليون، وكشف بشكل كامل التورط الأميركي في الحرب على الأرض بغزة لمصلحة الاحتلال، فالوصول إلى 4 أسرى وإعادتهم إلى كيان الاحتلال أُفرغ من مضمونه تماماً حتى قبل أن تطأ أقدامهم الأرض، ولم يردع نشر صورهم وهُم سعداء بالعودة عشرات الآلاف الذين تجمعوا في شوارع تل أبيب بعد ساعات قليلة فقط للمطالبة بصفقة تبادل مع المقاومة وإسقاط حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة.
وعلى ما يبدو فإن الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس انتظر ليرى ردة فعل الشارع على نبأ تحرير الأسرى الأربعة، ليتخذ قرار الاستقالة من حكومة الطوارئ ويقف إلى الجانب الأقوى، فهو يعلم أن الشارع سيتمكن من قلب الطاولة على نتنياهو ووزرائه المتطرفين الذين لن يتمكنوا من حسم الحرب لمصلحتهم ولن يتمكنوا من تحقيق أي هدف فيها، والواضح أن الإسرائيليين فقدوا الثقة بحكومة نتنياهو بشكل كامل وبات أمر سقوطها مسألة وقت، وعلى هذا الأساس فإن تمسك الأخير بالسلطة وترميم الفراغ الذي خلفته استقالة كل من غانتس وعادي آيزكنوت من مجلس الحرب بمنح المزيد من الصلاحيات لرؤساء الأحزاب الصهيونية المتطرفة الوزراء في حكومته كإيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، بات أمراً واقعياً جداً وهؤلاء سيقع على عاتقهم سوق إسرائيل بأكملها للهاوية بالاندفاع إلى رفض أي صفقة تبادل واستكمال الحرب في غزة، وربما أيضاً فتح جبهة جنونية في الشمال ضد حزب الله.
غير أن هذه الاستقالة التي أربكت نتنياهو بلورت الانشقاقات داخل الكيان، فرئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان الذي رفض قبل نحو شهر دعوة نتنياهو للانضمام إليه، أعلن نيته اليوم التواصل مع غانتس مباشرة للاتحاد بغية التوجه لإقامة انتخابات وإسقاط الحكومة واصفاً إياها بغير المؤهلة، بينما سيقف وزير الحرب يوآف غالانت في الكنيست اليوم ليصوت ضد مشروع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال مشكلاً بذلك مزيداً من الضغط على نتنياهو لكونه يتبع له حزبياً، فغالانت عضو في حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو لكنه في الوقت ذاته وزير الحرب ورأيه في مشروع القرار غاية في الأهمية.
ووسط هذه الدوامة يصل الأراضي المحتلة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في محاولة لتحريك مفاوضات صفقة التبادل وإقناع نتنياهو بالشكل المعدل لها على الرغم من تصريحه للعلن بأن حماس هي العقبة الوحيدة في طريق تنفيذ الصفقة، وذلك بالتزامن مع تقديم الولايات المتحدة مشروع قانون معدلاً في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة عليه العبور من المطبات التي تضمنتها نسخته الأولى ليكون مرحباً به وغير منحاز للجانب الإسرائيلي، إلا أن نتنياهو استبق أي حديث عن الصفقة بالقول إن «حماس تشترط وقف الحرب ضمن صفقة التبادل وأنا لا أوافق على ذلك ولن أوافق»، أي لا أمل بتوقف الحرب، وبالطبع فإن أي توقف للحرب من شأنه تسريع عزل نتنياهو من منصبه ومحاكمته ربما بتهم الفشل في إدارة الحرب وتهم الفساد التي تهرب منها طويلاً، إضافة لخوفه من فقدان قوته التي تمكنه من تجنب قرار الجنائية الدولية لتوقيفه باعتباره مجرم حرب.
وعلى الجانب الآخر ظهرت بوادر ضغط جديدة على نتنياهو وهذه المرة من الولايات المتحدة نفسها التي تسعى لإبرام اتفاق خاص مع حماس، حيث كشف مسؤولون مطلعون لقناة «NBC» أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ناقشت إمكانية التفاوض مع حركة حماس بوساطة قطرية لإطلاق سراح 5 محتجزين أميركيين، وهذا يعني أن إدارة بايدن فقدت الأمل من قدرة سلطات الاحتلال على استعادة الأسرى تحت النار وضيق الوقت لاستعادتهم بالوسائل السلمية عبر إبرام صفقة التبادل، وعلى اعتبار أن الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت على الأبواب فإن تمكن إدارة بايدن من إنجاز صفقة تبادل خاصة لإخراج الأميركيين الخمسة من الأسر سيدعم حملته الانتخابية ويقوي موقفه في الشارع الأميركي الغاضب جراء الحرب والدعم الأميركي لحكومة نتنياهو، لكن السؤال هنا، هل ستوافق حماس على هذه الصفقة؟ وماذا ستطلب بالمقابل من الولايات المتحدة؟ وهل يمكن للولايات المتحدة تنفيذ أي من طلبات حماس مهما كانت بمعزل عن موافقة الجانب الإسرائيلي؟
تحت وقع هذه الضغوط السياسية كلها وهول المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في النصيرات وصداها عالمياً، إضافة إلى الضربات الموجعة التي تلقتها القوات الإسرائيلية في رفح وشمال فلسطين المحتلة في الساعات الأخيرة، يُرجح ألا تصمد حكومة نتنياهو فترة أطول وتقبل على الانهيار الحتمي، الأمر الذي سيؤدي لأحد طريقين، إما الذهاب لانتخابات تسفر عن حكومة جديدة تقبل بالهزيمة بأدنى ما يمكن من الخسائر، وإما اتجاه نتنياهو ووزرائه اليمينيين للتمرد على قرار الشارع والتشبث بالسلطة وربما إشعال حرب داخلية لأول مرة في تاريخ الكيان!