فخامة البكالوريا في الجزائر
البكالوريا هي قطعة من المجتمع، ومن تاريخ أي عائلة جزائرية، والاهتمام بها يجب أن ينتقل من الإمكانات المادية، إلى روحها الممزوجة بالعلم والمعرفة والتحدي والاجتهاد
لم تؤثّر السنوات والأحداث المتعاقبة ولا الماديات التي طغت على حياة الناس، على “قدسية” شهادة البكالوريا، في بلادنا، والتي بلغت هذه السنة 860 ألف مرشّح، إضافة إلى الملايين من ذويهم.
وإذا كانت الدولة تهيِّئ لها ميزانية توازي ميزانية عامة لدول أخرى، وتعلن لأجلها حالة طوارئ في الأجهزة الأمنية والإدارية وحتى القضائية، حتى يتم السير عبر الجسر الرابط بين الثانوية والجامعة في أمان، فإن اهتمام المجتمع الجزائري بكل فئاته بهذه الشهادة المرتبطة بالتربية والتعليم، هو فرصة من ذهب لأجل الاستثمار فيها، لبناء مجتمع يقدّس العلم، ويسعى ليكون أفراده من المتعلمين الحاصلين على شهادة البكالوريا كأول قطرة من غيث العلوم والمعارف.
حافظت شهادة البكالوريا على مدار عقود على فخامتها، برغم بعض المحاولات لزلزلتها، بالغشّ وبإدخال المال الفاسد والعقل الكاسد فيها، وبتقزيم التعليم الجامعي، ومحاولة إفهام الناس بأن قيمتهم تكمن فقط في ما يوجد في جيوبهم وحساباتهم البنكية، وليس بما في عقولهم وما يمتلكون من شهادات جامعية، وبالالتفات إلى تطوير التعليم الجامعي، وتثمين مكانة هذه التأشيرة الذهبية التي يمرض لأجلها الأولياء، ويبذلون في سبيل فوز أبنائهم برضاها، النفس والنفيس.
أعجبنا مرة رجلُ أعمال معروف في الجزائر بثرواته وعقاراته داخل البلاد وفي الخارج، عندما تحدّث عن أحلى أيام عمره وأثقلها وأحزنها، ثم طأطأ رأسه وكان باديا عليه، بأنه يقاوم شلالا من الدموع يريد فضحه، وتحدّث عن فشله ذات صيف، في إحراز شهادة البكالوريا، التي كان ينتظرها والداه، فحرم نفسه وأغلى الناس بالنسبة إليه من “فرحة العمر” كما سمَّاها وختمها بتنهيدة رفعت من قيمة الرجل.
ولم يعجبنا عالمٌ جزائري آخر، من الذين أثقلت مكتبَه الشهادات العلمية التي حصل عليها، فراح يُنظّر لما سمّاه “تفاهة” الشهادات الجامعية، وعدم جدوى الحصول على بكالوريا، رآها معرقلة لمسار مادِّي كبير كان سيحقّقه من دون البكالوريا، على حدّ تعبيره.
البكالوريا هي قطعة من المجتمع، ومن تاريخ أي عائلة جزائرية، والاهتمام بها يجب أن ينتقل من الإمكانات المادية، إلى روحها الممزوجة بالعلم والمعرفة والتحدي والاجتهاد، وكما ضربت الدولة بيد من حديد كل غشاش، وجعلته ليس منّا، وحرصت على أن توفر لأيام البكالوريا المشهودة كل ظروف النجاح، عليها أن تؤسس لتعليم ابتدائي ومتوسط وثانوي قوي، وتعليم جامعي أقوى، حتى يكون جسر البكالوريا أكثر فخامة، ويصبح اجتيازها فخرا للفرد والنجاح فيها فخرا للفرد والمجتمع والبلاد بأسرها.
لقد كانت البكالوريا ومازالت آخر الامتحانات العلمية المحترمة من طرف الجميع.