كشف مُؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 عن الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة التي تمارسها التنظيمات الإرهابية للتمويل الذاتي كالتالي: “تتورط الجماعات الإرهابية المتمركزة في المنطقة في مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة كالاتجار بالبشر وغيرها، تبقى أربعة مجالات رئيسة تلعب فيها تلك الجماعات الدور الأكبر في منطقة الساحل الوسطى التي تضم بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهي: سرقة الماشية، وتعدين الذهب، وتهريب المخدرات، والاختطاف وطلب الفدية”.
ــ سرقة البترول والمعادن والأخشاب. ففي الكونغو الديمقراطية مثلا، تمكن تنظيم داعش من بسط نفوذه على إقليم “كيفو” الغني بالذهب وألماس والكولتان. أما حركة الشباب فتفرض الضرائب على ميناء مقديشيو لزيادة دخلها، بحيث تلزم الشركات بدفع الرسوم عن الحاويات (100 دولار أمريكي لكل حاوية 20 قدمًا، و160 دولارًا أمريكيًّا للحاويات 40 قدمًا). ومن الدول التي تكاد تفقد سيطرتها على مواردها: موزمبيق التي يستغل الإرهابيون حداثة استقلالها (1975) والحرب الأهلية التي أنهكتها (15 سنة) وضعف جيشها عتادا وعددا (لا يتجاوز تعداده 11 ألفا و200 عنصر، والمصنف في المرتبة 117 عالميا، بحسب موقع “غلوبل فاير باور” الأمريكي). أما في بوركينافاسو فإن الإرهابيين يسيطرون على الأقل على 40 % من مساحة الدولة الغنية بالمعادن (بلغ استخراج الذهب خلال عام 2018 نحو 80 طناً)، بالإضافة إلى النحاس والحديد والرخام ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المخصصة للقطن والذرة. إلا أن ضعف القدرات الدفاعية للجيش (يحتل المرتبة 129 من بين أقوى 140 جيش في العالم، وبلغت ميزانية الدفاع 434 مليونًا و250 ألف دولار، وفقًا لموقع “جلوبال فاير بور” الأمريكي لعام 2022، شجع الإرهابيين على بسط نفوذهم على المناطق الغنية بالثروات. ومما يزيد من إضعاف القدرات العسكرية لبوركينافاسو، أن السلطات الأميركية فعّلت المادة 7008 من قانون المساعدات الخارجية، الذي يحظر تقديم الدعم العسكري للأنظمة التي تصل إلى السلطة من خلال الانقلابات.
وتطبق واشنطن حاليا عقوبات المادة 7008 التي تم اعتمادها لأول مرة في الثمانينيات، على دول مالي وغينيا والسودان وميانمار وبوركينا فاسو.
سرقة الماشية: تُعد سرقة الماشية من الأنشطة غير القانونية الشائعة في منطقة الساحل كما هو الحال في أجزاء كثيرة من أفريقيا جنوب الصحراء. فخلال الفترة بين عامي 2018 و2020، سُرق ما يقدر بنحو 126 ألف رأس من الماشية في منطقة موبتي في مالي. وبحلول عام 2022، ارتفع هذا العدد بنحو 130 ألفًا خلال عام واحد. كما جاءت الحملة التي شنها تنظيم داعش في الساحل في أواخر عام 2022 لتوسيع الأراضي الخاضعة لسيطرته في منطقتي غاو وميناكا في شمال مالي، مع ارتفاع حاد في سرقة الماشية.
تهريب المخدرات:
يُعد الاتجار بالمخدرات أحد أكثر الأنشطة غير المشروعة المُربحة ماليًا التي تمارسها الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل. إذ تواجه بلدان ساحلية في غرب إفريقيا تدفقا متزايدا للمخدرات من أمريكا اللاتينية، حيث بلغت مضبوطات الكوكايين هناك 57 طنا بين عامي 2019 و2022، توزعت بين الرأس الأخضر 16.6 أطنان، والسنغال 4.7 أطنان، بنين 3.9 أطنان، كوت ديفوار 3.5 طن، غامبيا 3 أطنان، غينيا بيساو 2.7 أطنان، وفقا لتقديرات (UNODC). وسبق أن تحدثت لجنة غرب إفريقيا لمكافحة تهريب المخدرات، عن تقاطع بين مصالح مهربي المخدرات والجماعات الإرهابية والمتمردة في نقل الكوكايين عبر منطقة الساحل إلى أوروبا، لتمويل عملياتها. كما كشفت “مجموعة الأزمات الدولية” عن وجود أعضاء بجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة والمتمركزة في مالي، ضمن شبكات تهريب المخدرات. ووفق دراسة بعنوان “تحالف غير مقدس الإرهاب والتجارة غير المشروعة في شرق إفريقيا” نشرتها مجلة التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، أن حركة الشباب تعمل كوسيط أو قناة لنقل المخدرات بين عدة دول، فمثلا تعالج كميات الكوكايين المهربة من أميركا اللاتينية وآسيا، والمنقولة عبر شبكات في مينائي كيسمايو وبوساسو، ثم تهربها إلى كينيا. وبحسب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، لا يقف صرف عائدات هذه التجارة المحرمة على نشر الإرهاب في الصومال، ولكن حركة الشباب تموّل جماعات إرهابية في موزمبيق ونيجيريا. وتقدّر الأمم المتحدة، عائدات حركة الشباب من الجريمة المنظمة بحوالي 70 إلى 100 مليون دولار أميركي سنويا. وبحسابات معهد التراث لدراسات السياسات، ومقره مقديشو، فإن ميزانية حركة الشباب تصل لنحو 100 مليون دولار سنويا، خصصت أكثر من 24 مليون دولار منها لشراء الأسلحة. وكشفت قضية اتهم فيها 10 أفراد ينتمون لبوكو حرام نظرت فيها محاكم العاصمة التشادية نجمينا سنة 2015،عن تورط الجماعة في الاتجار بالهيروين والكوكايين.
الاختطاف والفدية:
جاء في تقرير مرصد الأزهر 2021، أن عمليات الاختطاف تحتل أولوية لدى الجماعات المتطرفة، وهي متأصلة في أيدولوجيتها، من أجل الوصول إلى مآربها وتحقيق أهدافها، وأن الظاهرة أصبحت استراتيجية خطيرة لجأت إليها معظم الجماعات والتنظيمات الإرهابية في إفريقيا.
وقُدِّرت عائدات اختطاف الرهائن بـ 50 مليون دولار عام 2020. وحسب شركة الاستخبارات الأمريكية الخاصة “ستراتفور”، يتم دفع حوالي 100 مليون دولار لجماعات مثل “بوكو حرام” في نيجيريا، و”تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” في مالي، و”الشباب” في الصومال، وهو ما يسمح لهم بشراء الأسلحة. كما تُقَدِّر وزارة الخزانة الأمريكيّة إيرادات جماعة “بوكو حرام” بـ 10 ملايين دولار سنويًّا.
ومن جهته، قال مدير المركز الأفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب بالجزائر فرانسيسكو خوسي ماديرا: إن 35% من حالات الخطف مقابل فدية وقعت في القارة الأفريقية سنة 2014. وحقّقت الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل إيرادات كبيرة من عمليات الاختطاف والفدية على مدار العقدين الماضيين. وتُشير التقديرات إلى أن عمليات الاختطاف والفدية شكلت 40% من إيرادات التنظيمات الإرهابية عام 2017.
فشل الجهود الدولية في محاربة الإرهاب بإفريقيا.
بالنظر إلى الإحصائيات المتعلقة بالأنشطة الإرهابية في إفريقيا ومناطق نفوذها وأعداد ضحاياها، يتبين المنحى التصاعدي للعمليات الإرهابية ونسب القتلى. لمواجهة خطر الإرهاب وتمدد جماعاته، تشكلت تحالفات دولية وإقليمية بأمل الحد من تبعاته. ومن أبرز ثمار تلك الجهود:
1 ـ إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد (مينوسما) لتحقيق الاستقرار في مالي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2100 في أبريل 2013بدعم من الشركاء الدوليين والأمم المتحدة. انتهت مهمة البعثة نهاية 2023.
2 ـ عملية برخان لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي في 2014، وتم تشكيلها من طرف فرنسا مع خمسة بلدان إفريقية: بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا والنيجر، وانضمت إليها بريطانيا فيما بعد. العملية خلفت عملية “سرفال” المهمة العسكرية الفرنسية في مالي، وعملية “الباشق” المهمة العسكرية في تشاد. انتهت العملية في 2022.
3 ـ G5 التي شكلتها خمس دول في الساحل الأفريقي، سنة 2017، برعاية فرنسية لتضم قوات متعددة الجنسيات قوامها 5 آلاف جندي من موريتانيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينافاسو لمواجهة التنظيمات الإرهابية وتهريب المخدرات وتدعيم العمليات الإنسانية وعودة النازحين واللاجئين واستعادة سلطة الدولة وتنفيذ استراتيجيات التنمية. في غشت 2021، أعلنت تشاد سحب 600 جندي، يمثلون تقريباً نصف عدد قواتها في المجموعة، ثم قررت الدول الثلاث: موريتانيا، والنيجر وبوركينافاسو الانسحاب من المجموع وتشكيل تحالف جديد بعد نجاح عمليات الانقلاب العسكري بها.
4 ـ القيادة العسكرية “أفريكوم” AFRICOM : التي أعلن روبيرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي ، حينها ، أمام مجلس الشيوخ ، في 6 أبريل 2007 ، عن قرار الرئيس بوش إنشاء قيادة عسكرية جديدة للقارة الإفريقية بدلا من الوضع حينها الذي كان يقسم القارة بين ثلاث قيادات عسكرية . وقد أُطلقت على القيادة الجديدة “أفريكوم” ووقع الاختيار على مدينة شتوتغارت الألمانية مقرا مؤقتا لها. ويشمل نطاق عملها كل القارة الإفريقية باستثناء مصر التي ستظل ضمن نطاق القيادة المركزية الأمريكية. ومن أهداف “أفريكوم” بناء الشراكة مع دول القارة وتطويرها، وإدارة أنشطة الأمن والتعاون، وإدارة العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب وانتشار الشبكات الإرهابية في شمال وغرب القارة بالإضافة إلى محاصرة النفوذ الأوربي والتغلغل الصيني .
5 ـ “مبادرة عموم الساحل” الأمريكية التي تم إنشاؤها في نوفمبر 2002، قبل مكتب مكافحة الإرهاب لمساعدة مالي، النيجر وموريتانيا على مراقبة حركة الأشخاص المشبوهين والبضائع عبر الحدود وتقديم التداريب والمعدات الضرورية. وحددت أهداف المبادرة في شن الحرب على الإرهاب وتعزيز السلام والأمن الإقليميين.
6 ــ “مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء” التي حلت محل “مبادرة عموم الساحل” في 2005.
7 ــ برنامج شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء: أطلقته وزارة الخارجية الأمريكية بهدف زيادة أمن الحدود ومكافحة الإرهاب لأربع دول في غرب إفريقيا: مالي، موريتانيا، تشاد والنيجر. وأنشأت وزارة الدفاع عملية “الحرية الدائمة عبر الصحراء” للقيام بالمهام العسكرية حيث تولت التدريب والمناورات المشتركة.
8 ـ مشروع I-EAC الذي يرمي إلى تعزيز القدرات الشرطية للبلدان الأعضاء في جماعة شرق أفريقيا – أوغندا، وبوروندي، وتنزانيا، وجنوب السودان، ورواندا، وكينيا – من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية. بدأ المشروع في دجنبر 2019 واستمر حتى نهاية شتنبر 2023. إلا أن الحصيلة كانت مخيبة لما كان منتظر منه، بحيث تمدد الإرهاب في المنطقة وباتت حركة الشباب تسيطر على مساحات أوسع مما كانت عليه قبل انطلاق المشروع. في نهاية 2022، أقر تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الأميركي بـ”تنامي أنشطة حركة الشباب”، مشيرا إلى أنها “تشكل أكبر تهديد لرعايا ومصالح الولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقي”.
القوى التي شكلها الاتحاد الإفريقي.
1 ـ قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات لمواجهة بوكو حرام بناء على قرار صادر عن القمة الاستثنائية لرؤساء الدول والحكومات لمفوضية حوض بحيرة تشاد المنعقدة في نيامي بالنيجر في 7 أكتوبر 2014. وقد فُوض أمر تشكيل هذه القوة إلى مجلس السلم والأمن الإفريقي ونشرها لمدة 12 شهرا. وتم فعلا نشر القوة بتعداد 7500 عنصرا، في يناير 2015، ليرتفع العدد إلى 10 آلاف عنصر، ثم 11150. ويظل المشكل الحقيقي الذي تواجهه هذه القوة المشتركة هو التمويل (بلغت قيمة الدعم الأوربي من 2016 إلى 2020 : 44.7 مليون يورو شملت المساعدات الإنسانية وصندوق ائتمان المخاطر وتمويل الاستقرار وبرامج وطنية وإقليمية ) وسرعة تنفيذه (تسلم الاتحاد الإفريقي الدعم المقدم من الاتحاد الأوربي سنة 2015 ، إلا أن مفوضية حوض بحيرة تشاد لم تتسلمه إلا في 2017 ، مما اضطر نيجيريا إلى تحمل النفقات وحدها) .
2 ــ منظمة “الإيجاد” تشكلت في 1996 لمتابعة الصراع في الصومال حيث أشرفت على عقد مؤتمر “عرتا” ARTA لتحقيق المصالحة الصومالية. وأمام تعقد الأوضاع في الصومال، قرر قادة دول “الإيجاد”، في يناير 2005، نشر بعثة لدعم السلام في الصومال “IGASOM”. إلا أن معارضة “المحاكم الإسلامية” لنشر البعثة أفشل جهود منظمة الإيجاد، فقرر مجلس الأمن تشكيل بعثة أخرى تابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال AMISOM.
3 ــ بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم” التي تأسست بقرار من مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في 19 يناير 2007 مع تفويض أولي لمدة ستة أشهر لمواجهة حركة الشباب الإرهابية. وقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تفويض البعثة في 21 فبراير 2007. وظلت البعثة تستفيد من التمديد إلى أن أعاد مجلس الأمن تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لمدة ثلاثة أشهر في 21 ديسمبر 2021، واعتمد القرار 2614 (2021) بالإجماع، واستمر التفويض الجديد حتى 31 مارس 2022، قبل التسليم المرحلي للمسؤوليات إلى قوات الأمن الصومالية في أوائل 2023.
4 ـ “أكرا” لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي التي تم إطلاقها في سبتمبر 2017 من قبل بنين، بوركينافاسو، ساحل العاج، غانا وتوغو .وترتكز على ثلاثة أركان: تبادل المعلومات، تدريب أفراد الأمن والمخابرات، والقيام بعمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود للحفاظ على أمنها. إلا أن المبادرة تواجهها مشاكل التمويل والتسليح وضعف أو غياب الثقة بين مكوناتها، إذ تشكك الكوت ديفوار وتوغو في كون غانا تؤوي معارضين سياسيين.
كل هذه التحالفات والمبادرات الدولية فشلت في حربها ضد الإرهاب في إفريقيا؛ بل لم تزد التنظيمات الإرهابية إلا انتشارا وسطوة ووحشية تعكسها أعداد القتلى والنازحين واللاجئين التي هي في تصاعد. فوفقاً لبيانات المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، زادت الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل بشكل كبير في السنوات الأخيرة. فخلال عامي 2002 و2003، تسبب الإرهابيون في سقوط 23 ضحية فقط في كل أفريقيا، ليصل عدد القتلى في الأعمال الإرهابية (22074) شخصًا خلال الفترة من 2007 حتى 2022. ولم يكن للتنظيمات الإرهابية أن تكتسب كل هذه القوة والسطوة لولا ما تحصل عليه من تمويل وتسليح جعلها تتوفر على أنواع من الأسلحة المتطورة لم تتوفر عليها جيوش دول الساحل. ومن الأسباب الرئيسية لهذا الفشل:
ـ إن المقاربات التي اعتمدتها الدول الغربية في مكافحة الإرهاب لم تتصد إلى العوامل المسؤولة عن توفير البيئة الخصبة للتنظيمات المتطرفة ومنها الفقر، المجاعة، نهب الثروات، تغذية الصراعات الإثنية، ضعف تسليح جيوش المنطقة وتدريبها وتأهيلها لتكون مستعدة للمواجهة، عدم استثمار عائدات تلك الثروات في تنمية مجتمعات الساحل وخلق فرص الاستقرار والأمن (نموذج النيجر غنية باحتياطيات اليورانيوم والذهب لكنها واحدة من أفقر بلدان العالم، حيث يعيش قسم كبير من سكانها في فقر مدقع. وأن 40 في المائة من الميزانية تأتي من المساعدات الخارجية).
ـ استمرار النموذج الاستعماري للتنمية الذي يقوم على الاستغلال والنهب والمديونية حيث وصل الدين الخارجي لأفريقيا إلى 1,8 تريليون دولار عام 2022، ، وأن البلدان الإفريقية تخصص 65٪ من ناتجها المحلي الإجمالي لتسديد الديون وفوائدها التي ستكلف إفريقيا 74 مليار دولار سنة 2024. هذا المبلغ كاف لخلق تنمية مستدامة تقضي على الفقر والجوع والمجاعة.
ـ حماية النخب الفاسدة ودعم الأنظمة الديكتاتورية خدمة للمصالح الغربية، والتآمر ضد الأنظمة الوطنية التي تريد الاستقلال في قرارها السيادي.
ـ تغذية النزعات الانفصالية ودعم حركات التمرد لضرب استقرار الدول وإفشال جهود التنمية.
إن الدول الغربية ظلت تتجاهل دعوات المغرب وتحذيراته من مخاطر الإرهاب والفقر والجفاف والمجاعة وتدمير البيئة في إفريقيا. وقدم المغرب نموذج مقاربته التنموية والأمنية والعسكرية لمساعدة دول الساحل والصحراء على مواجهة مخاطر الإرهاب وظروف الفقر. ذلك أن المقاربة المغربية تقوم على مبدأ رابح/رابح، وتقدم للدول الإفريقية التجربة الغنية التي راكمها المغرب في مجال الفلاحة والبنيات التحتية والتعمير والأبناك والسدود والاتصالات وغيرها من المجالات التي تروم خلق تنمية مستدامة. ولعل مبادرة جلالة الملك منح دول الساحل منفذا إلى الأطلسي ليضمن لها تصدير ثرواتها المعدنية والنفطية ويرفع عنها الحصار (نموذج حصار بينين للنيجر)، دليل قاطع على تكريس رؤية جلالته التي طرحها على القادة الأفارقة بأن تكون إفريقيا للأفارقة وأن يبتكروا “آليات التنسيق والتعاون لدفع التكامل الإقليمي” إسوة بمشروع خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا الذي سيمكن “جميع البلدان الواقعة على طول مسار خط الأنابيب من الوصول إلى إمدادات الطاقة الموثوقة وأن تكون أكثر مرونة في مواجهة صدمات أسعار الطاقة الخارجية”. نموذج يحرص على العمل من أجل التكامل الاقتصادي والتنمية بالقارة، وكذا على جعل الفضاء الأطلسي منطقة للتقدم والإشعاع القاري والدولي. فالمغرب يقدم رؤية ونموذجا للعمل بشكل مشترك لرفع التحديات الجيوسياسية والجيو استراتيجية التي تواجهها القارة.كما يقدم المغرب نموذجا للدول الإفريقية لتنويع شراكاتهم الاستراتيجية مع القوى الكبرى في النظام الدولي متعدد الأقطاب حتى تستفيد ولا تكون رهينة لجهة أو قوة دولية.
لا شك أن السياسة التي تنهجها الدول الغربية في التعامل مع إفريقيا ومشاكلها، ليس فقط تهدد مصالح تلك الدول ( قرار مالي والنيجر وبوركينافاسو طرد القوات الفرنسية)، بل تفتح المجال للدول المنافسة، خاصة روسيا والصين، للاستحواذ على ثروات الدول الإفريقية التي قررت فك الارتباط مع فرنسا وأمريكا. وإذا لم تغير الدول الغربية سياستها نحو إفريقيا عبر دعم الاستثمار ومحاربة الإرهاب وتأهيل الجيوش وتسليحها، ومحاربة آثار الجفاف، رفع الحماية عن الأنظمة والنخب الفاسدة، فإن خطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية سيقضان مضجع كل الدول الأوربية.