حماس

مسلسل المفاوضات.. والسّبع لفات!!

لا ينبغي أن ننسى الهبة الأمريكية غير المسبوقة لنجدة الكيان الصهيوني حيث قاد المسؤولون الأمريكان زعماء أوربا للنزول في الميدان جنبا إلى جنب نتنياهو وقادة العصابات المجرمة

منذ أكثر من سبعة أشهر، وحبل المفاوضات ممدود والوسطاء المفترضون ينقلون الرسائل والمقترحات المتنافرة والتعديلات على بنودها.. ومتنوع عبارات الدبلوماسية الخبيثة يمرر الى وسائل الإعلام للتعمية عن الأهداف الحقيقية التي تضمرها الإدارة الأمريكية في الحين الذي تحاول تكريس عنوان للمعركة على اعتبار أنها قضية رهائن صهاينة لدى فصائل فلسطينية.. و لكن كما يبدو أن الوقت ينفد و أن إطالته ليست بالضرورة لصالح المخطط الأمريكوصهيوني.

ماذا تريد أمريكا

لقد كشفت المفاوضات التي أعقبت 7 أكتوبر دخول عنصر جوهري على العملية السياسية بخصوص القضية الفلسطينية بل على مجمل علاقات الصراع في المنطقة، ليس فقط بمحاولة الأمريكان ربط مصيرها بعملية التطبيع المحتملة بين الكيان الصهيوني والمنطقة العربية، إنما كذلك من خلال محاولة إعادة صياغة الشعب الفلسطيني بتهجير وإبادة وإنهاء الخطر الفلسطيني بما يحمل من مقاومة ومطالبة بحقوق تاريخية.. وهذا ما حاول البعض التحذير منه واستنتاج أثره مبكرا، بل لعل البعض ذهب الى الجزم بأن كل ما حصل إنما هو عملية مبرمجة لتصفية القضية الفلسطينية.

وهنا لابد من كشف الستار عن عملية الإلهاء والتزييف التي يمارسها كثيرون فيما هم يعدّون الجنازة للمقاومة الفلسطينية بل للقضية الفلسطينية برمتها، حيث يتم سحب القضية الى نتائجها وليس جوهرها فبدل الإجابة بحلول حقيقية على أسباب الاشتباك والمأساة التي تعود الى نكبة فلسطين وتهجير 80 بالمائة من الشعب الفلسطيني من بيوته ومدنه وقراه في سنة 1948، وحتى أسباب 7 أكتوبر ودوافعه لم يتم طرحها حتى الآن والأسوأ من ذلك كله أن ينصرف الحديث عن مساعدات إنسانية يتم الترويج لها والضخ الإعلامي حولها بالسعي لدى الكيان الصهيوني بفتح معبر هنا أو هناك وان تعذر إنزال طرود مواد غذائية من طائرات تتسبب في مقتل عشرات الفلسطينيين إما بسقوطها فوق الناس أو من خلال نصب الكمائن من قبل العصابات الصهيونية و إطلاق النار على الجموع الجائعة متسببا في قتل عشرات الشباب.. و إمعانا في الخديعة ذهبت حكومة الولايات المتحدة الى بناء ميناء عائم ورافقته بحملة دعائية واسعة قبل أن تجرّه مياه المتوسط الى مصيره البائس.. وفي الوقت نفسه تتواصل حركة الأسطول الجوي العسكري الأمريكي نحو الكيان الصهيوني كما السفن ناقلة أكثر الأسلحة خطورة و أكثر الذخائر فتكا.

هذا كله فيما الإعلام منشغل بنقل تصريحات أعضاء الحكومة الأمريكية من وزير الدفاع ووزير الخارجية والمسئولين الأمنيين الكبار الى الرئيس نفسه حيث عادت القضية شغلهم الشاغل وكأن ليس لهم سواها يتكلمون في تفاصيل التفاصيل وقد حولوا الحديث الى تعقيدات وجزئيات متناثرة، ولقد بدا واضحا للجميع أن أركان الدولة الأمريكية لا يتعاملون كدولة عظمى لها وزنها الواقعي الكبير حيث التناقض غير المسبوق في التصريحات بين المسئول وغيره بل لدى المسئول نفسه من فترة لأخرى ومن مكان لآخر..

لا ينبغي أن ننسى الهبة الأمريكية غير المسبوقة لنجدة الكيان الصهيوني حيث قاد المسؤولون الأمريكان زعماء أوربا للنزول في الميدان جنبا إلى جنب نتنياهو وقادة العصابات المجرمة، فلقد شهد مطار اللد الوفود تلو الوفود التي لم تتردد في عرض كل المساعدات النوعية للعصابات الصهيونية كانت فرنسا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا بالإضافة للأمريكان تقدم ليس فقط المدد العسكري بل كذلك المعلومات الاستخبارية الى درجة تحليق طائرات بريطانية متخصصة في سماء قطاع غزة لجمع المعلومات عن المقاومة الفلسطينية ولتسهم بفاعلية في بنك المعلومات الامنية لدى الكيان الصهيوني.

ولا ينبغي أن ننسى مطالبة الرئيس بايدن في بداية العدوان الصهيوني بضرورة فتح الدول العربية المجاورة ممرات إنسانية آمنة لكي يتم ترحيل أهل قطاع غزة.. ولقد سعت الإدارة الأمريكية بدأب من أجل هذا الهدف المنافي لكل القيم الإنسانية ولكل القوانين والأعراف الدولية التي تخص حقوق الإنسان.

الإدارة الأمريكية رهينة لكبار أصحاب رؤوس الأموال المتمركزين حول صناعة القرار الأمريكي في الكونجرس ومجلس الشيوخ وهي ليست أكثر من منفذ لسياسات كبرى، وحيث أن الكيان الصهيوني هو القاعدة النوعية والمتميزة لأولئك، فإن الإدارة الأمريكية اضطرت التخلي عن كل النظم الدولية وقوانين العدل وعن التوازن في السياسة الخارجية وفقا لقرارات أممية حتى أصبحت أمريكا في خانة منعزلة عن المجتمع الدولي منفردة بالفيتو ضد أي بادرة سلام او تسوية او وقف إطلاق نار.. و هي في ذلك كله تراهن أن تكمل العصابات الصهيونية مهمتها الجوهرية.

بانوراما المفاوضات

وفود تغادر وأخرى تحل، أسماء وألقاب وتصريحات ومؤتمرات صحفية ومواضيع متناثرة تقترب حينا وتمعن في التشويه أحيانا أخرى.. فيما عواصم العرب أصبحت محطّ الاستقبال والوساطة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، فلقد استقال النظام العربي من قضية فلسطين.. وموجة بعد موجة والسراب يشد اليه المخدوعين.. وورقة بعد ورقة وتعديل بعد تعديل تجلّى الهدف الصهيوأمريكي من عملية المفاوضات غير المباشرة.

ومن المعروف ان العدو يتقن اللعب بورقة المفاوضات فهي مفاوضات ليس للحل انما لأغراض أخرى، كما أرهق من قبل السلطة الفلسطينية خلال ثلاثين عاما من المفاوضات العلنية وفرغها من كل عناصر قوتها واستخدم ذلك في تغطية عمليته الإجرامية المتمثلة باستيطان سرطاني حول مدن الضفة وقراها ومخيماتها الا نظام أبارتياد.. إذن هي فرصة أخرى معطاة من قبل الإدارة الأمريكية لتنفيذ تهجير الفلسطينيين او إبادتهم في قطاع غزة..

لقد كانت صفقة التبادل التي تمت بعد أسابيع من العدوان الصهيوني معبرة بجلاء عن مرحلة في غاية التعقيد، فلقد كانت حكومة نتنياهو في حاجة حقيقية لكي تلتقط أنفاسها وتستعيد بعض مبادرتها بأن تؤكد مصداقيتها في موضوع الحرص على الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، وفي التبادل أستطاع العالم كله ان يدرك مدى التزام المقاومة الفلسطينية بالمعايير الأخلاقية والقيمية بخصوص الأسرى على العكس تماما ما يتم في السجون الصهيونية مع الأسرى الفلسطينيين الذين تضاعفت أعدادهم وحيث يواجهون الة بطش عنصرية موغلة في الجريمة والتنكيل ورغم أن هذا الملف لم يفتح بعد الا أنه يمثل أحد أبشع الجرائم التي يمارسها جنود وضباط العصابات المسلحة بتوجيه من وزير الامن الداخلي اليهودي الكردي بن غافير.

حلقة مفرغة من المفوضات تكشف عدم صدقية الإدارة الأمريكية فرغم ان كثير من الصيغ المقدمة للمقاومة الفلسطينية تكون قد تمت بإشراف امني أمريكي إلا أنها بعد تعاطي المقاومة معها يتم التنصل منها ويصدر بناء على ذلك مواقف من الإدارة الأمريكية غريبة تحمل الفلسطينيين المسئولية.

لا أقول ان المقاومة بلعت الطعم لكن مما لاشك فيه ان توقيف مسلسل الخديعة ضرورة وطنية وحكمة سياسية.. فليس من المنطق بعد كل الذي حصل لأهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية وبعد كل هذه الخديعة أن يستمر الفلسطينيون في إعطاء غطاء للجريمة وهنا يصبح من الصحيح والحكيم الموقف الفلسطيني بوقف المفاوضات الا على أرضية واضحة من الإقرار بوقف العدوان والانسحاب من قطاع غزة..

كيدهم في نحورهم:

انهم تخيلوا أن المعركة فقط بين قوتهم الرهيبة والفائقة التنوع وبين مقاومة فلسطينية في بقعة صغيرة وقد أطمأنوا لقوتهم وحشودهم العالمية واطمأنوا الى انسحاب النظام العربي من المعركة بل وتواطؤ البعض ضد المقاومة وضد الشعب الفلسطيني.. الا ان ما انكشف في الاشهر السبعة لا أقول ان الوقت ضاع وأن قادة العدوان حققوا ما أرادوا.. فلعل الوقت كان بكل قساوته وآلامه قد مكن للفلسطينيين في أصقاع الأرض وأثبت بمزيد من الوضوح طبيعة هذه العصابات المتوحشة كما كشف عميق ارتباطاها بصناع القرار الدولي .

إطالة زمن العدوان صحيح انها فرصة لهم لاستمرار المحرقة والمذبحة ظنا منهم أن ذلك هو السبيل للتفرغ من القضية الفلسطينية ولكنها حققت أهدافا لم تكن في المتوقع بالنسبة لهم فلقد كانت بمثابة عامل أساسي يحقق فرزا حقيقيا لقوى الشر والجريمة اعداء الإنسانية وفاتحة في العالم وكشفت مخابئهم وادوارهم وطبيعة تحكمهم في مصير البشرية فكان ان اندلعت ثورة عالمية للضمير الانساني .. ولم يتوقف الفعل الانساني عند جغرافية معينة ولا طبقة محددة بل شمل مساحات واسعة انخرط فيها قساوسة ورهبان واحبار وعلمانيون وطلبة وسياسيون وفنانون بل ودول بادرت بالاعتراف بدولة فلسطين اعترافا كاملا، هذا في الحين الذي تصاعدت فيه قوة المقاومة وتبخر الخوف من الموت لدى الفلسطينيين الذين توسعت دائرة فعلهم الى الضفة الغربية وبأساليب آخذة في التطور والمرونة.. انهم ارادوها محرقة للشعب الفلسطيني لتسهل لهم عملية الاستيلاء على المنطقة وتحويلها مرتع لمصالحهم بعد أن يكونوا قد استعبدوا نخبها السياسية والثقافية.. لقد كانت اطالة زمن العدوان مؤلمة لنا ولكنها أيضا سجلت انتصارات حقيقية للقضية الفلسطينية.. فليس كل ما فعلوه من خداع مجديا لهم.. انهم يكيدون كيدا واكيد كيدا فمهل الكافرين امهلهم رويدا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى