إيران

في إيران.. عاش الملك مات الملك

لا توجد أية مؤامرة خارجية خفية خلف حادث المروحية الذي أودى بحياة إبراهيم رئيسي. أعداء إيران “المتربصون بها” لن يستفيدوا من رحيل رئيسي، ببساطة لأن أي مرشح آخر لخلافته سيكون نسخة طبق الأصل عن رئيسي.

الذين ينتظرون حدوث تغيير في إيران سيصابون بخيبة الأمل. مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لم ولن يحدث في إيران أي تغيير. وإذا كانت المقولة الشهيرة “مات الملك عاش الملك” تنطبق على حالة واحدة فقط فإنها تنطبق على الحالة الإيرانية.

إيران اليوم “جمهورية إسلامية” تحكمها نصوص عمرها ألف عام وأكثر، كل ما فيها يدل على أنها بلد لا يكترث لدنياه، بل يعمل لآخرته فقط.

في عام 1979 عاد آية الله الخميني من منفاه القسري (دام 15 عاما) إلى إيران، وتوفي بعد 10 سنوات من عودته. السنوات العشر كانت كافية لتعيد إيران مئات السنين إلى الوراء.

الحرب الإيرانية – العراقية، التي يشار إليها بحرب الخليج الأولى، كانت أول مشروع للخميني، وواحدة من أطول النزاعات العسكرية في القرن العشرين وأكثرها دموية (استمرت من سبتمبر 1980 إلى أغسطس 1988) وبحصيلة كبيرة من الخسائر البشرية والمادية.

خسائر إيران لوحدها بلغت حوالي 730 ألف قتيل، مليونًا و200 ألف جريح ومعاق، مليونا لاجئ و45 ألف أسير.. إضافة إلى أكثر من 100 ألف قتيل بين المدنيين من كلا الجانبين. أما الخسائر المادية للحرب فبلغت أكثر من 400 مليار دولار أميركي.

“حرب مجنونة” لم تنقص من القيمة المعنوية والاعتبارية لآية الله الخميني الذي تردد طويلا قبل أن يقبل القرار الأممي 598 القاضي بوقف إطلاق النار ووصفه بـ“تجرع كأس السم”.

مات الخميني، وأدمنت إيران من بعده تجرع مختلف أنواع السموم، وأكدت الجمهورية الإسلامية أنها بلد يعمل لآخرته. ولكن ماذا عن النهضة العلمية التي تشهدها إيران؟

إيران اليوم قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي, وهي تصنع الصواريخ والمسيرات وتصدرها إلى روسيا وتزود بها ميليشياتها التي تنشط في أكثر من بلد.

إيران بلد لا تعوزه العلوم ولا يعاني من نقص في العلماء. طالما كانت إيران مهدا للعلوم، ومساهماتها في مجال الطب والرياضيات وعلم الفلك والفلسفة لا ينكرها إلا الجاحد.

الاختلاف، أن العلوم في إيران في الماضي كانت توظف لخدمة الإنسان، اليوم توظف العلوم لخدمة أهداف عسكرية.

حجم الأموال التي أنفقها حكام طهران خلال 45 عاما على حروب لم تكن هناك حاجة بهم لخوضها بالتأكيد ضخم جدا، وهي أموال لو وظفت لأهداف مدنية كانت تكفي للارتقاء بإيران إلى واحدة من أعلى دول العالم دخلا للفرد وللدولة.

الحروب التي شنتها الجمهورية الإسلامية، على عكس الحروب التي شنتها إمبراطوريات سبقتها وحروب حديثة شنت حتى وقت قريب، لم تشن لمآرب دنيوية بل لمآرب دينية.

لا توجد أية مؤامرة خارجية خفية خلف حادث المروحية الذي أودى بحياة إبراهيم رئيسي. أعداء إيران “المتربصون بها” لن يستفيدوا من رحيل رئيسي، ببساطة لأن أي مرشح آخر لخلافته سيكون نسخة طبق الأصل عن رئيسي، حتى بالشكل.. نفس اللحية ونفس العمامة، وبالتأكيد نفس طريقة التفكير.

إيران نفسها لا تحتاج أن تتآمر على نفسها، فهي قد تآمرت على نفسها منذ اليوم الأول الذي عاد فيه خميني إلى طهران واستقبلته مرحبة.. ولا زالت المؤامرة مستمرة إلى يومنا هذا.

ماذا يمكن أن نسمي ما يجري في إيران التي ضيع حكامها ثروات البلاد على التسليح ودعم الميليشيات والتآمر على دول المنطقة، سوى مؤامرة مستمرة لإفقار الإيرانيين واضطهادهم.

هناك من يعتقد ويروج لنظرية تقول إن حكام طهران يريدون إحياء الإمبراطورية الفارسية. ولكن هذا كلام لا تؤيده الوقائع، الإمبراطوريات ومن بينها الفارسية، كانت تقام وتتوسع لأسباب اقتصادية.. ما هي العوائد الاقتصادية التي ستجنيها الجمهورية الإسلامية من دعمها لحزب الله ودعمها للحوثيين ودعمها لحركة حماس؟ حتى سوريا التي يعاني أهلها من الفاقة ليس فيها ما يمكن أن يطمع به.

مؤخرا ركزت إيران على تنويع علاقاتها وتوسيعها متجهة إلى القارة الأفريقية لتخفيف عزلتها الاقتصادية والسياسية خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها، مستهدفة بشكل خاص شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وكان رئيسي قد قام بزيارة إلى ثلاث دول أفريقية لهذا الغرض. ومع ذلك يصعب الاقتناع بأن الدافع من وراء ذلك اقتصادي بحت.

لو كان حكام إيران يفكرون بدنياهم لحرصوا على بناء علاقات حسن جوار مع دول المنطقة، ووظفوا ثروات بلادهم، وهي ليست بالقليلة، في تطوير اقتصاد إيران ونموها، خاصة أنها بلد لا تعوزه الإمكانيات البشرية والطبيعية.

منذ اليوم الأول الذي أصدر فيه الخميني فتوى ضد سلمان رشدي لنشره روايته “آيات شيطانية”، حددت الجمهورية الإسلامية الطريق الذي اختارت المضي فيه.

قبل ذلك شكل حادث احتلال السفارة الأميركية من قبل طلاب موالين للثورة الإسلامية واحتجازهم 52 دبلوماسيا وموظفا أميركيا لمدة 444 يوما مطالبين بتسليم الشاه محمد رضا بهلوي أزمة في العلاقات الأميركية – الإيرانية، ارتداداتها لا تزال محسوسة إلى يومنا هذا.

“لقد كان لساني، ولكنه كلام الله”، هذا ما قاله آية الله علي خامنئي واصفا الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري، معزيا أهله بوفاته.

لا شيء تغير أو سيتغير في إيران. مات رئيسي.. هناك ألف رئيسي يمكن أن يحل محله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى