نتنياهو جلب لنفسه تهمة المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب
صحيح أن من الممكن لمثل هذه المذكرات أن تكون ملزمة قانونياً بالنسبة لدول مثل بريطانيا باعتقال أي من المتهمين الذين يصلون إلى شواطئها، باعتبارها من الدول الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، على عكس إسرائيل والولايات المتحدة
إن تنديد بنيامين نتنياهو بمذكرة الاعتقال التي أصدرها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كان تنديداً شرساً، حتى بمعاييره الخاصة الصارمة.
و[رأى أنه] من خلال ربط لائحة الاتهام ضده هو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتلك الخاصة باتهامات مسؤولي حماس، ارتكب هذا “المتعاون” مع أعداء إسرائيل “تهمة دم”، ورسم “معادلة أخلاقية ملتوية” هي أقرب إلى عقد مقارنة بين تصرفات فرانكلين روزفلت وأدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية.
وقبل أن يخيّم ضباب الخطابة من قبل الجانبين على المناقشة بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية، ما يجدر النظر فيه هو [ما أشيع عن القرار] من دون أن يكون جزءاً منه وكذلك محتواه.
صحيح أن من الممكن لمثل هذه المذكرات أن تكون ملزمة قانونياً بالنسبة لدول مثل بريطانيا باعتقال أي من المتهمين الذين يصلون إلى شواطئها، باعتبارها من الدول الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، على عكس إسرائيل والولايات المتحدة. بيد أن مذكرات الاعتقال هذه لم تصدر حتى الآن، وسوف يكون القرار حول وجوب إصدارها [من عدمه] من شأن ثلاثة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، سيتخذونه ربما خلال الشهرين المقبلين. وحتى لو صدرت مذكرات الاعتقال هذه، فإن القرار الحاسم بشأن ما إذا كانت جرائم الحرب قد ارتكبت أم لا عائد إلى المحكمة.
ومع ذلك، من الممكن بطبيعة الحال فهم أن الكثيرين (وإن لم يكن الجميع) في إسرائيل غاضبون من ربط بأي شكل من الأشكال بين جرائم الحرب التي ارتكبتها “حماس”، وبين تلك التي يُزعم أن [بلادهم] قامت بها بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) في أعقاب عمليات القتل والاختطاف المتعددة وغيرها من الفظائع التي نفذتها “حماس”. والواقع أن هذا هو السبب الذي دفع يائير لابيد زعيم المعارضة إلى الوقوف إلى جانب حكومة الحرب ومشاركتها الشعور بالغضب.
ولكن مثلما اتخذت “حماس” خياراً بقتل 1200 إسرائيلي معظمهم من المدنيين بشكل وحشي، واختطاف 240 رهينة، كذلك اتخذت إسرائيل خياراً حول الطريقة التي نفذت بها ما وصفه نتنياهو مساء ذلك السبت الأسود بأنه حرب “الانتقام العظيم”، وهو الانتقام الذي قُتل فيه 35 ألف فلسطيني (أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وفقاً للأرقام التي تمت مراجعتها من قبل الأمم المتحدة بشكل أدى إلى تخفيضها)، والذي تعاني بسببه الآن مجموعات كبيرة من سكان غزة اليائسين من الجوع، ناهيك عن الأمراض والإصابات التي لا تزال من دون علاج، والنقص في المساعدات والرعاية الطبية.
وبعد مرور سبعة أشهر على الحرب، لم يحقق هذا النهج حتى الآن “الانتصار الكامل” على “حماس” الذي تنبأ هو به مرة تلو مرة، كما أنه لن يحقق ذلك في نظر العديد من منتقدي نتنياهو في إسرائيل وخارجها. إلا أنه خرّب غزة ودمر حياة مئات الآلاف من السكان المدنيين الباقين على قيد الحياة. وقد رحل نحو مليون فلسطيني عن موطنهم ولجأوا إلى رفح مرة أخرى، في إطار بحث شاق عن مكان آمن هرباً من [تداعيات] توسيع نطاق العملية التي حذر العالم إسرائيل مرة بعد أخرى من القيام بها.
هذا هو السياق الذي تجادل فيه صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها ليوم الثلاثاء بأن خطوة المحكمة الجنائية الدولية “تؤكد الفشل الاستراتيجي التام لنتنياهو وحكومته”، وتشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “أظهر احتقاره” بشكل متكرر لكل التحذيرات من هذا النوع.
إن مهمة المحكمة الجنائية الدولية لا تشمل، بطبيعة الحال، الحكم على نجاح أو فشل استراتيجية نتنياهو الدبلوماسية أو العسكرية في حد ذاتها. غير أن تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي اللافت للنظر على أن المدعي العام كريم خان، المحامي البريطاني من أصل باكستاني، هو من بين “أكبر أعداء السامية في عصرنا”، ينطوي على العديد من المشكلات. وهو [وُصف كذلك] لأنه اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام التجويع كواحد من أسلحة الحرب، وبأنها قد تعمدت شن هجمات ضد السكان المدنيين في غزة، وذلك على رغم نفيها القيام بذلك.
أولاً، يحظى خان بدعم بالإجماع من لجنة استشارية قوية مؤلفة من ستة خبراء قانونيين بارزين، كان هناك بشكل حتمي تركيز على واحدة منهم هي أمل كلوني. إلا أن اثنين من أعضاء اللجنة يهوديان وهما البريطاني داني فريدمان، والإسرائيلي الأميركي تيودور ميرون.
لا شك في أن البعض في إسرائيل سيحاولون التقليل من شأن ميرون الذي يبلغ من العمر 94 سنة، وقد احتُجز عندما كان مراهقاً في معسكر نازي في الحرب العالمية الثانية. وفي وقت لاحق، كتب بصفته محامياً شاباً في وزارة الخارجية الإسرائيلية، الرأي المقبول دولياً بشأن حرب الأيام الستة عام 1967 والذي نصّ على أن توسيع المستوطنات اليهودية المدنية في الأراضي المحتلة قد مثل انتهاكاً للقانون الدولي. ارتقى ميرون سلم الشهرة ليصبح معترفاً به عالمياً كواحد من أعظم رجال القانون الدوليين في العالم، وترأس، على سبيل المثال، المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
ثانياً، لم يكن خان متسرعاً تماماً في تحميل إسرائيل المسؤولية عن أفعالها. وهو في الواقع، تعرض لانتقادات شديدة من قبل الفلسطينيين بسبب عدم إسراعه في متابعة تحقيق سابق مع إسرائيل (وحماس) بشأن جرائم حرب مشتبه بوقوعها خلال حرب غزة عام 2014.
وثالثاً، لم يكن هناك أي لبس لدى خان واللجنة في [طبيعة] التهم الخطيرة التي وجهوها أيضاً لقادة “حماس”، يحيى السنوار، ومحمد ضيف، وإسماعيل هنية بارتكاب جرائم حرب. ولم يقتنعوا ولو للحظة بالحجة القائلة بأن “حماس” لم تكن تنوي ارتكاب جرائم حرب متعددة في السابع من أكتوبر. في الواقع، وكما جاء في نص الرأي الرسمي للجنة، كانت هناك “خطة مشتركة [لدى حماس] اشتملت بالضرورة على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، وأن هذه الجرائم كانت “منهجية ومنسقة”.
ودان الرئيس الأميركي جو بايدن خطوة المحكمة الجنائية الدولية معتبراً أنها كانت “شائنة”. إلا أنه، يجب عليه أن يدرك بشكل أفضل من أي شخص آخر، أن الأمر لم يكن ليصل إلى هذه النتيجة لو أن نتنياهو استجاب لتحذيراته المتكررة [بوجوب] إدارة الحرب بطريقة تحترم حياة المدنيين، وذلك في الوقت الذي استمر فيه [بايدن] بتزويد إسرائيل الأسلحة التي تسببت في سقوط العديد من الضحايا. وفي أوروبا، انتقدت الحكومة البريطانية أيضاً هذا الطلب [لإصدار مذكرات التوقيف]، في حين أيدته فرنسا وبلجيكا وسلوفينيا على نطاق واسع.
ويستحق ديفيد لامي، وزير الخارجية في حكومة الظل البريطانية، الثناء لأنه خرج عن الصف [في قيادة حزب العمال] بدعمه دعوة المحكمة الجنائية الدولية إلى اعتقال نتنياهو. فحتى لو لم تصل القضية إلى المحكمة مطلقاً، وهي قد لا تصل بالفعل، فإن طلب مذكرة التوقيف في الأقل قد أدى خدمة حقيقية لتوضيح أن أي دولة، سواء كانت ديمقراطية أم لا، هي خاضعة للقانون الدولي، أو ينبغي لها أن تخضع له.
ومن الناحية العملية هناك احتمال أن يكون للتهديد باتخاذ إجراءات من قبل المحكمة الجنائية الدولية تأثير في كيفية سير الحرب فشلت التحذيرات المؤلمة من قبل الحكومات الغربية إلى حد كبير في إحداثه حتى الآن. وإذا نظر إليها على أنها وصمة عار للحكومة الإسرائيلية الحالية، فمن الصعب تفادي الاستنتاج بأن نتنياهو هو من جلبها لنفسه.