أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، عن تقديم طلبات إلى الدائرة التمهيدية بالمحكمة لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالانت، وذلك استناداً إلى أدلة وأسباب معقولة تجعلهما يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في حرب الإبادة على غزة، وتشمل تجويع المدنيين، وتعمد إحداث معاناة شديدة وإلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة والقتل العمد، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين.. واعتبارها جرائم حرب وإبادة جماعية وقتل متعمد، وذلك بموجب نظام روما الأساسي.
ومع أهمية هذه الخطوة ودلالاتها الرمزية والحقوقية، إلا أنه لن يكون هناك مذكرة اعتقال إلا بعد موافقة القضاة عليها، وعلى الأرجح أن ما فعله كريم خان جاء بعد ضوء أخضر من الإدارة الأميركية، ومن الواضح أن البيت الأبيض جاد في مسألة إزاحة نتنياهو وفريقه اليميني عن الحكم، ليس بسبب الخلافات بشأن الحرب، بل لأن أميركا تريد إنقاذ إسرائيل من نفسها، بعد أن هيمن عليها اليمين الديني والقومي بكل جنونه وتطرفه.
وشمل طلب المحكمة إصدار مذكرات اعتقال بحق إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف على خلفية هجمات السابع من أكتوبر، ومن غير المتوقع اعتقال السنوار أو الضيف، لأنهما في مكان غير معروف، وعلى الأرجح فإن قرار المحكمة لن يعنيهما كثيرا على المستوى الشخصي، لكنه قرار خطير وغير عادل، إذ إنه ساوى بين الضحية والجلاد، وقد يتضمن نوعاً من محاكمة المقاومة نفسها، خاصة إذا اشتغلت عليه البروبوغاندا الإسرائيلية.
أما طلب اعتقال إسماعيل هنية، فهي رسالة ضغط وتهديد لأعضاء المكتب السياسي لـ «حماس» بأن عملهم في الخارج لم يعد بتلك الأريحية (غض الطرف الأميركي عن تواجدهم في قطر)، وربما تكون تمهيداً لترحيل قيادات «حماس» من قطر وتركيا، أو الضغط عليهم لإبداء المزيد من التنازلات بشأن التهدئة والإفراج عن الرهائن.
وفي كل الأحوال فإن أي توجه للمحاكم الدولية لمقاضاة الإسرائيليين على جرائمهم لا بد أن يترافق معه توجه مضاد لمحاكمة قادة «حماس» و»الجهاد الإسلامي».
وكل الصيحات السابقة والمطالبات الجماهيرية والحزبية لمقاضاة قادة إسرائيل رغم مشروعيتها إلا أنها كانت بريئة إلى حد السذاجة، فمن كان يظن أن المحاكم الدولية يهمها العدالة فقط وأنها ليست مسيّسة، ولا تخضع لتأثيرات خارجية واهم ويفكر بالتمني، وحتى لو افترضنا أن المحكمة الدولية ستتوخى العدالة، فهي معنية بالأدلة والممارسات وما تعتبره جرائم حرب استناداً للقانون الدولي، وليست معنية بالنوايا والكلام الإنشائي.
الحدث الثاني، مصرع الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في حادث تحطم المروحية التي كانت تقلهما في مهمة عمل شمال شرق إيران.. ولحد الآن الرواية المرجحة أنها حادث مأساوي بسبب الظروف الجوية السيئة.. ولكن هذا لا يمنع من طرح تساؤلات محيّرة، مثلاً لماذا لم تتأثر المروحيتان اللتان كانتا برفقة الرئيس؟ علماً أنهما خضعتا لنفس الظروف الجوية! وهل يُعقل أن طائرة الرئيس لم تخضع لفحوصات الأمان والسلامة قبل الإقلاع؟ ولم يتخذ الأمن احتياطاته بشأن الظروف الجوية! هذه التساؤلات فتحت شهية البعض على احتمالية المؤامرة، أو الاستهداف، خاصة وأن منطقة تحطم المروحية على تخوم إذريبيجان، وهي دولة على علاقة جيدة مع إسرائيل، وبينهما تعاون أمني، ومن المحتمل أنها قدمت خدمات لوجستية واستخباراتية للموساد.
وفي واقع الأمر، لم توجه إيران اتهامات لإسرائيل ولا لغيرها، وتعاملت مع الحادث على أنه قضاء وقدر، كما أن إسرائيل لم تعلن عن مسؤوليتها عن الحادث، لا تصريحاً ولا تلميحاً.. وهي من المستحيل أن تعلن مسؤوليتها لأن هذا يعني إعلان حرب، وستكون إسرائيل هي التي بدأتها، وتتحمل تبعاتها، وستتلقى إدانات دولية شديدة.
وحتى لو افترضنا جدلاً أن إيران توصلت لاستنتاج مقرون بالأدلة على أن إسرائيل هي الفاعلة، فعلى الأرجح ستفكر مائة مرة قبل التصريح بذلك، لأنها بمجرد اتهامها لإسرائيل ستكون مطالَبة من شعبها بالانتقام والرد وبنفس المستوى، وهذا أيضاً إعلان حرب، وإذا حدث لن يكون بمستوى الرد الإيراني المحدود في نيسان الماضي.
يقول أصحاب نظرية الاستهداف المتعمد (من خلال اختراق سيبراني لأنظمة الطائرة، أو من خلال صاروخ) أن هدف إسرائيل من قتل «رئيسي» و»اللهيان» الانتقام من قصف إيران لها قبل شهر، ولأنها لا تتهاون بشأن أي انهيار لقوتها الردعية، وتريد دوماً إثبات تفوقها على الإقليم، وأنها قادرة على «تأديب» كل من «يتجرأ» على ضربها.. وأنها بذلك تبعث رسائل تهديد مبطنة لكافة قادة المنطقة.. وفي الحقيقة مثل هذه الرسائل والنظريات تخدم إسرائيل تماماً، وتخوف أعدائها.
ولكن طالما أن إيران لم تتهم إسرائيل، وإسرائيل لم تعلن مسؤوليتها فإن مفعول تلك الرسائل يبطل، وتتحول إلى مجرد إشاعات وشطحات لأصحاب نظرية المؤامرة.
ومع ذلك، قد تكشف لنا التحقيقات عن مفاجآت.. لننتظر ونرى.
الحدث الثالث: أكملت القوات الأميركية أعمال ميناء غزة العائم، والذي يلتقي بالطريق العرضي الذي شقته إسرائيل قبل ذلك ليصل بين السياج الشرقي والبحر بثلاثة مسارب تسمح للدبابات بقطع المسافة بحدود سبع دقائق، ما يعني فصل القطاع شماله عن جنوبه، وإطباق السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه، ومن السذاجة عدم الربط بينهما، وبين احتلال معبر رفح، ومخططات التهجير.
مشروع الميناء فكرة إسرائيلية في الأساس، وهو من أكثر المخططات خطورة واعتداءً على سيادة القطاع، وإعلان لبدء مرحلة إدخال قوات أجنبية لمساعدة إسرائيل وتمكينها من تحقيق مخططاتها بشأن مستقبل غزة.
وهو ليس لإيصال المساعدات، بقدر ما سيغدو قاعدة أميركية متقدمة على شاطئ غزة، وتحديداً قبالة حقول الغاز، بما يضمن مستقبلاً تقاسم موارد حقول الغاز بين أميركا وإسرائيل مع أي سلطة ستنصبها في غزة.
وقد استغرقت أعمال الطريق والميناء عدة أشهر، الغريب أن «حماس» لم تعترض خلالها على «الميناء الأميركي»، ولم تنتقده، بل إن القيادي محمد نزال رحب بالفكرة معتبراً أن أية خطوة من شأنها تخفيف حدة الجوع فهي إيجابية، كما أنه لا الميناء ولا الطريق تعرضا لأية هجمات، أو صواريخ، أو قذائف هاون! ولا حتى بالخطأ!