لا يزال يشكل تنظيم داعش الإرهابي تهديداً في العراق من حيث المشاغلة والتعرض للقطعات الأمنية بعد أن تحولت عناصر التنظيم إلى مفارز صغيرة تختفي في المناطق الوعرة والصحاري والأودية التي يصعب على القوات الأمنية إجراء عمليات تفتيش فيها، ما يؤكد الحاجة إلى تفعيل الجهد الاستخباري واستخدام التكنولوجيا المتطورة مثل الطائرات المسيّرة والكاميرات الحرارية وتوسيع انتشار القطعات على المناطق لتأمين الخطوط الخلفية للقوات الأمنية، بحسب مختصين في الشأن الأمني.
وتعرضت القطعات الأمنية العراقية إلى هجومين من قبل عناصر داعش خلال ثلاثة أيام فقط، الأول كان في يوم الاثنين الماضي في منطقة “العيث”، بين صلاح الدين وديالى، وتسبب بمقتل 6 عناصر في الجيش العراقي بينهم آمر فوج، و4 مصابين آخرين، والأخير حدث أمس الأربعاء في أطراف قضاء دوميز ضمن محافظة كركوك، وأدى إلى إصابة 3 جنود بالجيش العراقي، وعلى إثر ذلك، شرعت القوات الأمنية بعملية “كبرى” من ثلاثة محاور في منطقة “العيث”، رداً على الهجوم.
العدو يستغل الغفلة
وفي هذا السياق، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد المحمدي، ان “داعش تحولت إلى مفارز صغيرة يمكن أن تختفي في مناطق صحراوية وأودية في صلاح الدين وكركوك، على سبيل المثال في جبال حمرين ووادي الشاي، حيث إن الأخير عبارة عن أحراش يمكن أن تختفي داخلها أعداداً كبيرة من عناصر داعش”.
ويشير المحمدي خلال حديثه، إلى أن “هذه المناطق يُضعف فيها الجهد الاستخباري لأنه لم يبقَ رعاة أغنام بسبب الجفاف لذلك بدأوا بمغادرة تلك المناطق، كما لا توجد قطاعات عسكرية في الصحراء، ما يتطلب توسع خطوط الصد للمدن، ففي محافظة الأنبار ينبغي ضم جزء كبير من الصحراء إلى داخل سيطرة القوات الأمنية، والعمل نفسه يكرر في صلاح الدين، وأن انفتاح القطاعات على هذه المناطق سوف يؤمن الخطوط الخلفية للقوات الأمنية”.
ويؤكد النائب، أن “القوات الأمنية بحاجة إلى استخدام آليات متطورة مثل الكاميرات الحرارية والطائرات المسيّرة في المناطق الصحراوية إلى جانب الجهد الاستخباري”.
وفي ظل المساعي لإنهاء التحالف الدولي، يقول المحمدي، إن “إيقاف التعامل مع التحالف الدولي يكون إما عند الانتهاء من الإرهاب نهائياً أو تكون البلاد قادرة بشكل كامل في الجانب الأمني، لكن المعركة الحالية هي معركة تكنولوجيا، حيث إن العدو مخفي ويستغل الغلفة بتنفيذ هجماته، لذلك العراق بحاجة حالياً إلى التحالف إلى أن يتم إكمال التكنولوجيا المطلوبة في مراقبة المناطق البعيدة عن السكان”.
يذكر أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اعتبر في 19 نيسان 2024، مبررات وجود التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة في العراق “قد انتهت”، لافتاً إلى أن “العمل جارٍ على الانتقال بالعلاقة مع دول التحالف إلى محطات متعددة أوسع من التعاون الأمني”.
التهديد قائم
وكان السفير البريطاني في العراق ستيفن هيتشن، اعتبر أن هجوم تنظيم داعش الإرهابي على صلاح الدين، الاثنين الماضي، لايوقف تقدم العراق لكنه يذكر أن التهديد لايزال قائماً.
وقال هيتشن في تغريدة، الثلاثاء الماضي، إنه “كل يوم تتعزز أسس الاستقرار في العراق، أن الهجوم الذي شنه تنظيم داعش في صلاح الدين بالأمس لن يوقف هذا التقدم”، مستدركاً: “لكنه بمثابة تذكير بأن التهديد لايزال قائماً”.
وهذا ما يؤكد عليه الخبير الأمني والاستراتيجي د. أحمد الشريفي أيضاً، بأن “تهديد داعش لايزال قائماً وأن قدرة التنظيم على المشاغلة والتعرض لا تزال ممكنة، بل أبعد من ذلك، حيث إن التنظيم اعتمد في البداية على فلسفة كسر الحدود، ولا يزال قادراً على كسر الحدود عبر عمليات التسلل واستثمار الأراضي التي تصنف أنها رخوة وتحديداً السلسلة الجبلية التي تمتد من خط التماس الحدودي السوري التركي وصولاً إلى ديالى وحدود مشارف بغداد”.
أما مسألة الحاجة إلى التحالف الدولي والولايات المتحدة، يوضح الشريفي ، أن “استراتيجيات الردع الأمني تختلف عن الردع العسكري في كونها تعتمد على الجهد التقني أصالة في المواجهة والاشتباك”.
وينوّه إلى أهمية التمييز بين الجهد الاستخباري البشري والتقني، “حيث إن الجهد الاستخباري البشري يُضعف في الحزام الأخضر الذي تظهر فيه داعش وتشاغل، نظراً لعدم وجود تأمين رؤية ولا الرصد البشري المجرد يستطيع أن يؤمن إنذاراً مبكراً للقطاعات الأمنية، لذلك لا بد من استخدام الجهد التقني من الحرب الإلكترونية والكاميرات الحرارية وما إلى ذلك”.
وفيما يتعلق بالوضع الإقليمي، يتوقع الخبير الاستراتيجي “تفاقم الأزمات إقليمياً، بدخول جبهات مضطربة جديدة، وهي كل من الكويت والأردن، فالأخيرة في قضية الأمن الداخلي والتصعيد وارتدادات حرب غزة على الداخل الأردني، والكويت في قضية حل مجلس الأمة والذي من متوقع أن يؤدي إلى اضطراب أيضاً، لذلك ازدادت الجبهات الضاغطة على العراق، حيث إن هذه الاضطرابات الإقليمية لها قدرة التنافذ على الداخل العراقي سواء كانت أبعاد سياسية أو أمنية أو عسكرية”.
الحاجة إلى التحالف
ويقف الخبير الأمني، سرمد البياتي، على مسافة قريبة مما ذهب إليه المتحدثين السابقين حول مسألة الحاجة إلى التحالف الدولي “في فرض السيادة الجوية على العراق وفي مراقبة داعش من الجو وفي الاستخبارات الجوية، لكن لا حاجة منه على الأرض، فلدى العراق أعداد كافية من المقاتلين ويتمتعون بتدريبات عالية”.
ويؤكد البياتي، أن “هناك حاجة إلى وجود استخبارات على الأرض وكاميرات حرارية ومسيّرات، وإجراء عمليات تفتيش راجلاً في المناطق المقيدة، أي التي لا يمكن وصول عجلات القوات الأمنية إليها، ولهذا يستغلها داعش بالاختباء فيها”.