يؤكد التحليل الدقيق للتصريحات الإيرانية أن رد طهران على هجوم إسرائيل في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لن يقتصر على الأراضي الإسرائيلية فقط؛ بل يمكن أن يشمل أهدافًا أمريكية، خاصة في العراق وسوريا، في ظل تأكيد إيران أن الولايات المتحدة شاركت في الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران من خلال تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود في الجو، وأيضًا تأمين المسارات الجوية لنحو 100 طائرة إسرائيلية في سوريا والعراق، فضلًا عن تأكيد الإيرانيين أن غالبية الذخيرة التي استخدمتها تل أبيب في 3 هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية.
وما يؤكد وجود “يقين أمريكي كامل” بأن طهران تستعد لرد “حازم ومعقد” على إسرائيل هو وصول مزيد من القاذفات الإستراتيجية الأمريكية من طراز “بي 52″، مع بعض المدمرات وحاملات الطائرات، بالإضافة إلى منظومة الدفاع الصاروخية “ثاد”، وهي الأغلى في العالم، وتصل تكلفتها إلى نحو مليار دولار، وتشغّلها أطقم من العسكريين الأمريكيين. وسوف يكون الهجوم الإيراني على إسرائيل هو ثالث هجوم إيراني مباشر على الأراضي الإسرائيلية بعد هجومي 13 أبريل (نيسان)، والأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، وهو ما يؤكد أن المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط في طريقهما إلى دائرة مفرغة من الرد، والرد المقابل، بعد أن اعتقد الكثيرون أن هجوم إسرائيل في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على المنشآت العسكرية الإيرانية فقط، دون الأهداف النووية والنفطية، يمكن أن يغلق دائرة الانتقام والانتقام المقابل.
وتشير الاستعدادات الإيرانية إلى أن إيران يمكنها أن تنفذ “هجومها الثالث”، ليس على إسرائيل فقط؛ بل على نحو 42 ألف جندي أمريكي ينتشرون في إقليم الشرق الأوسط، وقد يصل الأمر إلى استهداف الأمريكيين في منطقة الخليج، التي يوجد بها نحو 30 ألف جندي أمريكي، وسوف تسعى إيران من خلال الهجوم الجديد إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، وهي:
1- تثبيت “معادلة الردع”، بحيث تقول إيران إنها ردت على كل الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية ردًا على 3 هجمات إسرائيلية مباشرة على الأرضي الإيرانية؛ لأن هناك شعورًا عامًا في إيران، ولدى “بيئة المقاومة ومحورها” في المنطقة العربية بأنه لو لم ترد إيران على هجوم 25 أكتوبر الماضي، فهذا يعني هزيمتها أمام إسرائيل.
2- تأكيد “عدم تضرر الأهداف” التي استهدفتها إسرائيل، خاصة مصانع الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية؛ لأن إيران ليس لديها طائرات تهاجم بها إسرائيل، بل سوف تهاجمها بالصواريخ والطائرات المسيرة، وخلال هجوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي روّجت إسرائيل بأنها دمرت بالكامل خطوط إنتاج “خلاطات الوقود الصلب” للصواريخ البالستية الإيرانية الطويلة المدى، في حين قالت إيران حينذاك إن الخسائر محدودة جدًّا، ومن شأن رد إيران بعد هذه الضربة التأكيد لشعبها، وبيئة المقاومة، ودول الجوار الإقليمي والعربي، أن مصانع صواريخها لم تتضرر كما تدعي إسرائيل.
3- نفي ما تقوله إسرائيل عن تدميرها الكامل لصواريخ “أس 300” الروسية، وتأكيد أنه ليس صحيحًا ما تدعيه تل أبيب أن إسرائيل بات لها “حرية الحركة” في الأجواء الإيرانية. وتسعى إيران من خلال “الرد الثالث” على إسرائيل إلى تأكيد جهوزية دفاعاتها الجوية واستعدادها للرد الإسرائيلي الرابع، الذي حتمًا سوف يأتي بعد الهجوم الإيراني الثالث.
4- رفع الحرج عن شركائها الإقليميين في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، في مواصلة الحرب ضد إسرائيل؛ لأن انخراط إيران على نحو مباشر في الحرب على إسرائيل ينفي ما يقال عن “توظيف” إيران للمجموعات المقاومة في فلسطين ولبنان من أجل تحقيق أهداف إيرانية، وليس أهدافًا خاصة بالمقاومة.
إقرأ أيضا : تحالف كيم وبوتين “النووي”.. السيناريو الأكثر رعبا في أوكرانيا!
ويمكن للرد الإيراني الثالث أن يأخذ أحد السيناريوهات الستة التالية:
السيناريو الأول: سيناريو أبريل
وهو السيناريو الذي استخدمت فيه إيران مزيجًا من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز “البطيئة”، والصواريخ البالستية السريعة والثقيلة في شهر أبريل (نيسان) الماضي، ووصل منها بعض الصواريخ البالستية إلى الأراضي الإسرائيلية، في حين دُمِّرت الطائرات المسيرة وصواريخ “الكروز” قبل أن تصل إلى إسرائيل، وهذا السيناريو قد يحفظ ماء الوجه للإيرانيين، وفي الوقت نفسه يتناسب مع الهجوم الإسرائيلي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي لم يستهدف المنشآت النفطية أو النووية، لكن عيوب هذا السيناريو أن الطائرات المسيرة وصواريخ “الكروز” لا بد أن تعبر أجواء دول عربية تفصل بين إيران وإسرائيل، ومن شأن هذا أن يثير مزيدًا من الخلافات بين إيران وتلك الدول.
السيناريو الثاني: سيناريو الأول من أكتوبر
ويقوم على افتراض أن الهجوم الإسرائيلي على إيران في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أحدث “خسائر كبيرة” في إيران دون أن تعلن طهران ذلك، وهو ما يدفع إيران إلى استخدام صواريخ بالستية ثقيلة وسريعة تستغرق نحو 11 دقيقة فقط في طريقها إلى إسرائيل، ويمكن أن تستهدف -وفق هذا السيناريو- القواعد العسكرية الإسرائيلية. ووفق هذا السيناريو، سوف تسعى طهران إلى تحقيق إصابات وخسائر أكثر إيلامًا، سواء في القواعد الجوية الإسرائيلية، كما جرى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أو في منشآت الدفاع الجوية الإسرائيلية، وقد تستهدف منظومات الدفاع الجوي الأمريكية التي يشغلها أمريكيون، مثل منظومة “ثاد”.
السيناريو الثالث: هجوم من العراق
وهو سيناريو تحدثت عنه المخابرات الغربية والأمريكية، ويفترض أن تنفذ المجموعات المسلحة العراقية الموالية لإيران هجومًا على إسرائيل، خاصة على بعض القواعد العسكرية الإسرائيلية في الجولان، حيث نجحت هذه الجماعات في استهداف الجولان المحتلة قبل ذلك مرات كثيرة، وقد يعرض هذا السيناريو كلًا من العراق وسوريا لمزيد من الضربات الأمريكية ضد المجموعات الموالية لإيران في كل منهما.
السيناريو الرابع: هجوم لمحور المقاومة بالكامل
مع أن إيران لم تنفذ هذا السيناريو من قبل، فإن توازي المعلومات التي تقول إن هناك استعدادات للهجوم على إسرائيل من العراق، وإيران، واليمن، يمكن أن يشكل سابقة جديدة في التنسيق بين الساحات للرد على إسرائيل، خاصة أن الحوثيين لم يردوا على الهجمات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية الأخيرة التي استخدمت فيها الولايات المتحدة قاذفات إستراتيجية من طراز “بي 52″، لكن خلال العام الماضي تأكد لمحور المقاومة القدرة على الوصول إلى إسرائيل، وهو ما يقول إن إسرائيل يمكن أن تتعرض لهجوم ثلاثي الأبعاد؛ من الشرق ناحية إيران والعراق، ومن الشمال ناحية سوريا وحزب الله، ومن الجنوب ناحية الحوثيين.
السيناريو الخامس: سيناريو “السقوف المفتوحة”
وهو سيناريو مستبعد، لكنه قائم بالفعل في ظل التهديدات التي أرسلتها واشنطن لطهران تقول فيها إن الولايات المتحدة لن تتمكن بعد ذلك من التحكم في التصرفات والقرارات الإسرائيلية، وهو ما يعني أن إيران قد تستغل الرد القادم لاستهداف كل الأهداف الإسرائيلية، سواء العسكرية، أو النفطية، أو حتى مفاعل ديمونة النووي، بعد تأمين إيران منشآتها النفطية والنووية، ومقار إقامة المرشد والمسؤولين الكبار من الرد الإسرائيلي الرابع. ويمكن أن تستخدم إيران صواريخ جديدة يصل مداها إلى 4 آلاف كم، مثل صواريخ “خور مشهر”، أو طائرات مسيرة أقوى وأسرع من تلك التي استخدمتها في أبريل (نيسان) الماضي، مثل طائرة “شهد”.
السيناريو السادس: الهجوم الاستباقي
هناك دعوات في إسرائيل إلى ضرورة القيام بهجوم ثان على إيران قبل أن تقوم إيران بالهجوم على إسرائيل، ومن هذه الدعوات الدعوة التي أطلقها أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، الذي دعا إلى استهداف منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية قبل أن تنطلق باتجاه إسرائيل.