يا عرب.. غزة لا تريد مساعداتكم الإنسانية
إلقاء المساعدات العربية عن طريق الطائرات لا تغني من جوع، ولا تسمن من قحط، مساعدات إنسانية تغم على المشهد الكامل للعدوان الإسرائيلي، الذي ترك آلاف الجرحى بلا علاج، وترك آلاف الجثث عارية تحت ظل غيمة، وترك غزة بلا مقومات حياة.
قامت طائرات بعض الأنظمة العربية بجولة في سماء قطاع غزة يوم السبت، قبل أن تبدأ بإلقاء عدة مظلات تحمل مساعدات إنسانية، المشهد الخارجي لهذه الطائرات التي تلقي المساعدات، يشير إلى عمل الخير، ولكن باطن العمل شرٌ مطبق على أهل غزة، الذين تشخص أبصارهم إلى السماء، ويتابعون المظلات الهابطة عليهم بالمواد الغذائية، يطاردونها في مجموعات، قد تصل إلى عدة مئات، يلهثون خلف سلة غذائية لا تبل الريق، وفي مرات كثيرة تساقطت فوق رؤوس الجائعين، وقتلت عدداً من المدنيين.
إلقاء المساعدات من الطائرات على أهل غزة بهذه الطريقة المهينة، تعكس الاستخفاف بالناس، وعدم احترام إنسانيتهم، وعدم تقدير تضحياتهم، مساعدات من السماء فيها دونية للإنسان الذي هتكت طائرات الأنظمة العربية كرامته، واستغلت حاجته لتحقيق مكاسب سياسية، فراحت تلقي له فتات الطعام، وكان الأصل أن تلقي الطائرات العربية بعض المساعدات العسكرية، التي تساعد العربي الفلسطيني على مواجهة الصهاينة، وقتها، سيكتفي أهل غزة بالمساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية.
إلقاء المساعدات العربية عن طريق الطائرات لا تغني من جوع، ولا تسمن من قحط، مساعدات إنسانية تغم على المشهد الكامل للعدوان الإسرائيلي، الذي ترك آلاف الجرحى بلا علاج، وترك آلاف الجثث عارية تحت ظل غيمة، وترك غزة بلا مقومات حياة، لتأتي عباءة المساعدات العربية لتغطي على جرائم العدو، وتوحي بأن القضية الفلسطينية حفنه من تمور، أو بعض الدقيق، والقليل من المعلبات المنتهية الصلاحية، لذلك فعدم وصول المساعدات أحفظ للبعد السياسي للصراع مع العدو، وأكرم لشعب قدم عشرات آلاف الشهداء والجرحى، ولمّا يزل يقدم، شعب أجبر الرئيس الأمريكي بايدن على التدخل، والطلب من بعض الدول العربية أن تضغط على قيادة حركة حماس، بعد أن فشل السلاح الأمريكي والحقد الإسرائيلي في الضغط الميداني على قيادة المقاومة.
اقرأ أيضا| الأزمة الإنسانية تتفاقم في غزة.. ماذا بعد؟
فهل يعرف مرسلو الطرود الغذائية عن طريق الجو، أن طرودهم الغذائية قد فتحت بوابات الاشتباك بين المجموعات المتنافسة على التقاط المساعدات؟ وهل يعرف مرسلو طائرات المساعدات أن دماء الفلسطينيين قد سالت، وهم يتزاحمون حول الطرود الغذائية؟ وهل يعرف مرسلو طائرات الوهم أن ألاف المنفلتين يتلقفون الطرود الغذائية قبل أن تهبط إلى الأرض، وبعضهم يستعمل المواد الحادة، لتمزيقها، والاستيلاء عليها، بعد أن تختلط حبات السكر بالأتربة، وبعد أن يعجز الناس عن لملمه ذرات الدقيق المتناثر على شوك الطرقات.
المساعدات عن طريق الجو عمل استعراضي تقوم به بعض الأنظمة العربية، يهدف إلى رفع العتب عن العجز والخذلان الرسمي في دعم أهل غزة، ويهدف إلى خداع الشعوب العربية، من خلال تضخيم دور المساعدات التي تقدمها الأنظمة، وكأنها الحريصة على رفاهية أهل غزة، وكأن المحرك لهذا العمل الاستعراضي هو الإنسانية والتراحم فيما بين العرب، لتبدو الأنظمة العربية غير مقصرة بحق أهل غزة، وأنهم أسقطوا عن أنفسهم فريضة الجهاد من خلال بعض الطرود الغذائية التي تلقيها طائراتهم المجنحة.
يقول أهل غزة: الدول العربية التي تقوم بالتنسيق مع العدو الإسرائيلي لإدخال الطائرات في سماء غزة، لتقديم المساعدات، أيسر لهم أن ينسقوا مع العدو لإدخال المساعدات عن طريق البر، وطالما كانت إسرائيل تحترم هذه الأنظمة العربية، وتستجيب لندائها، وتفتح لهم سماء إسرائيل الأمني، لتمر من خلاله الطائرات، وتلقي المساعدات، فمن الأجدر أن تسمح إسرائيل لهؤلاء الراغبين بالمساعدة أن يقدموا مساعداتهم عن طريق المعابر البرية، التي يتحكم بمساراتها العدو الإسرائيلي، كما يتحكم بمسارات السماء، فلماذا يسمح العدو الإسرائيلي لبعض الأنظمة العربية بعمل استعراضي في سماء غزة، ولا يسمح لهم بتقديم مساعدات جدية.
أهل غزة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ولكنهم ينتظرون مساعدات أخلاقية تحترم إنسانيتهم أولاً، ولا يرقبون مساعدات تقلل من كرامتهم، وتثير العداء والبغضاء بينهم، هم لا يطلبون مساعدات يلهثون خلفها مثل الكلاب الضالة، التي تتقاتل على الفريسة، أهل غزة بحاجة إلى مساعدة الأخوة العرب في الدفاع عن فلسطين، وانهاء الاحتلال، ولجم العدوان، وفي التلويح بالقدرات العربية لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، والعرب قادرون على ذلك، بل قادرون على مسح دولة العدو عن الوجود لو امتلكوا الإرادة، وتحرروا من الطغاة.