لئن کانت الممارسات القمعية ومصادرة الحريات من الاسباب الرئيسية في زيادة السخط الشعبي على النظام الإيراني، فإنَّ الاوضاع الاقتصادية والمعيشية کانت ولا تزال على رأس الأسباب الرئيسية لهذا السخط، لا سيما أن هذه الأوضاع التي تشهد تراجعاً غير عادي خلال الأعوام الأخيرة، لم تشهد أي تطور أو تحسن نحو الأفضل منذ عام 2021، أي مع مجيء إبراهيم رئيسي.
لذلك، فإن قيام المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي بالترکيز، وبصورة ملفتة للنظر، على الأوضاع الاقتصادية وطرحه وعوداً غريبة من نوعها، کونها تربط تحسين الأوضاع الاقتصادية بمشارکة شعبية کما جاء في خطابه في 21 من الشهر الجاري بمناسبة عيد النوروز، لا يمکن للشعب الايراني أن ينظر إليه بعين الراحة والاطمئنان، لا سيما أن له تجارب مريرة مع الوعود التي يطلقها النظام بصورة عامة، والمرشد الأعلى بصورة خاصة.
الحقيقة التي يبدو واضحاً أنَّ خامنئي انصاع لها مرغماً في خطابه، متحدثاً عن رداءة الأوضاع الاقتصادية وکونها تتطلب تدخلاً عاجلاً لتحسينها، هي أنَّ البلاد باتت خلال عهد رئيسي، الذي سبق أن بشر خامنئي بأن عهده سيشهد حل معظم مشاکل البلاد ومن ضمنها المشکلة الاقتصادية، تعاني انتشار الفقر بصورة واسعة، وسط تفاقم الأزمة الاوضاع الاقتصادية وبلوغها حداً ومستوى يکاد أن يتجاوز الخطوط العادية بکثير، وهذا ما أجبر بالضرورة السلطات والإعلام الحکومي على الإشارة إليه والاعتراف به.
صحيفة “مردم سالاري” الحکومية، أفادت في بداية العام أن خط الفقر يبلغ 15 مليون تومان، وفي نهاية العام نقلت وكالة أنباء “إيلنا” عن مسؤول حكومي قوله: “إذا تم حسابه بشكل صحيح، ومع مراعاة الاحتياجات الحقيقية للمواطنين مثل الإسكان والتعليم، فإنَّ الحد الحقيقي لتكلفة المعيشة يتجاوز بالتأكيد 30 مليون تومان وأكثر”. في حين أنه في بداية العام الماضي، أشارت صحيفة “شرق” إلى أن مؤشر البؤس يفوق 40 بالمئة، ونسبة التضخم تتجاوز 50 بالمئة، وفي نهاية العام، أكدت الصحيفة أن مؤشر البؤس في إيران احتل المركز 19 بين 157 دولة.
کما أن صحيفة “ستارە صبح” الرسمية نقلت تصريحات همتي، الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني، حيث قال: “وفقاً للتقديرات، خلال عامين من إدارة الحكومة الـ13 بقيادة إبراهيم رئيسي، زادت نسبة طباعة النقود بنسبة 83 بالمئة، والسيولة بنسبة 72 بالمئة، والدولار بنسبة 97 بالمئة، والمسكوكات الذهبية بنسبة 162 بالمئة، ومؤشر الأسعار بنسبة 114 بالمئة”.
أضافت الصحيفة: “ارتفع سعر الدولار إلى 60 ألف تومان، وسعر المسكوكات الذهبية إلى 37 مليون تومان، وتضاعف سعر اللحم والخضروات والفواكه والمواد الغذائية الأساسية بشكل كبير، وهو ما أثر بشدة على القدرة الشرائية للمواطنين العاديين”، في هذا الخضم، کيف يمکن للأوضاع المعيشية والاقتصادية أن يطرأ عليها أي تغيير نحو الأفضل، بمشارکة شعبية منتظرة کما قال خامنئي في خطابه؟ إذ أن الشعب هو بنفسه يعاني الأمرين من الأوضاع السلبية القائمة بفعل العزلة الدولية والعقوبات المختلفة المفروضة على النظام، والأوضاع الاقتصادية بحاجة إلى حالة من الانتعاش لا يمکن أن تحظى بها في ظل الظروف الحالية الحرجة، حيث يبدو الرئيس الأميرکي جو بايدن غير ميال لکي يجري أي تغيير في الأوضاع السائدة مع النظام.
کما أن احتمال هزيمة بايدن ومجيء الرئيس السابق دونالد ترامب المعروف بتشدده مع هذا النظام سيجعل من هذه الأوضاع أسوأ بکثير، ومن هنا، فإن وعود خامنئي لو نظرنا إليها ملياً لوجدنا أنها في النتيجة لن تفضي إلا إلى المزيد من الفقر، وبالتالي لجوء النظام قطعاً إلى المزيد من الممارسات القمعية.