وسط تحديات متزايدة.. هل تسحب الحروب البساط من قمة المناخ «كوب 29»؟
بتطلعات سنوية بعضها يتحطم على صخرة الدول الصناعية الكبرى، يعقد مؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ “COP29” هذا العام في العاصمة الأذربيجانية باكو، بمشاركة قادة ورؤساء حكومات نحو 200 دولة، وسط مظاهرات من نشطاء يدعون إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان.
وينتظم المؤتمر الأممي خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر الجاري في باكو، إذ تتصدر طاولة مناقشاته العديد من الملفات الحرجة أبرزها التمويل المناخي، واحتمال مغادرة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس للمناخ، خاصة بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولاية جديدة، والمعروف بإنكاره لقضايا تغير المناخ.
وتثار المخاوف هذا العام بشأن تفوق فاتورة الحروب على فاتورة الإنفاق على الإجراءات اللازمة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، لا سيما في ظل عدم وفاء الدول الكبرى بتعهداتها حيال تقليل استخدام الفحم والنفط والغاز، وتقديم المساعدات المالية للدول النامية للتكيف مع آثار تغير المناخ.
وبحسب إفادات الأمم المتحدة، فإن “مؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ يمثل فرصة محورية لتسريع العمل من أجل معالجة أزمة المناخ، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، وتأثير الظواهر الجوية المتطرفة على الناس في جميع أنحاء العالم، والتي تحتاج إلى تريليونات الدولارات لكي تتمكن البلدان من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير وحماية الأرواح وسبل العيش من الآثار المتفاقمة لتغير المناخ”.
وأوضحت الأمم المتحدة، أن “المؤتمر سيشهد تقديم الدول خطط عملها الوطنية المحدثة بشأن المناخ بموجب اتفاق باريس، والتي من المقرر أن تكون بحلول أوائل عام 2025 والتي إذا نُفذت هذه الخطط بشكل صحيح، فإنها ستمنع درجة الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة وستتضاعف كخطط استثمارية تعزز أهداف التنمية المستدامة”.
الهدف الجماعي لمؤتمر المناخ
وتتناول قمة المناخ عدة موضوعات أساسية، أبرزها الهدف الجديد للتمويل المناخي، والذي يعرف باسم “الهدف الجماعي الكمي الجديد”، والتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن المادة السادسة من اتفاقية باريس للمناخ، والشفافية بشأن سياسات المناخ، والخطط المناخية الوطنية الجديدة المقبلة، إضافة إلى تعزيز الحوكمة الشاملة والمساواة بين الجنسين في تناول القضايا المناخية لتحقيق عمل مناخي فعال.
وسيكون تمويل البدائل النظيفة للوقود الأحفوري، والذي يعد العامل الرئيسي لتغير المناخ، على رأس جدول أعمال (كوب 29) الذي ينعقد في “سياق حرج، ولكن ليس ميؤوسا منه”، بحسب تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية يقترب من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، ما سيضع العالم على مسار ارتفاع كارثي يتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية هذا القرن.
وتدعو الأمم المتحدة إلى خفض فوري في انبعاثات غازات الدفيئة، من خلال اتخاذ إجراءات جماعية عاجلة، بقيادة مجموعة العشرين للاقتصادات المتقدمة، وهي أكبر الدول المسببة للانبعاثات، لخفض انبعاثات غازات الدفيئة اللازمة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وإلا سيؤدي الفشل في التصرف إلى أحداث مناخية متطرفة متكررة وخطيرة بشكل متزايد.
تحديات متزايدة
وقال دونالد ترامب، الذي وصف تغير المناخ بـ”الخدعة”، إنه يعتزم سحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس التاريخية للمناخ لعام 2015 مع بداية ولايته الثانية (2025-2029)، وكان مجلس الشيوخ الأمريكي وافق على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992.
وقبل أيام، أعلنت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي المنتخب يعد أوامر تنفيذية وبيانات حول الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وتقليص حجم بعض المعالم الوطنية للسماح بمزيد من أعمال التنقيب والتعدين.
ويعد تنفيذ المادة السادية من اتفاقية باريس عام 2015، أحد أهم التحديات في مكافحة تغير المناخ وإحدى القضايا المعلقة التي شهدت تأجيلات خلال القمم السابقة، وتنص هذه المادة على تعاون الدول مع بعضها لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات المنصوص عليها في مساهمتها المحددة وطنيًا عبر آليات تداول أرصدة الكربون.
اقرأ أيضا.. كيف يؤثر تعليق قطر وساطتها بين إسرائيل وحماس على الحرب في غزة؟
وتشير التقديرات إلى أن الاستفادة الفعالة من أسواق الكربون من شأنه أن يوفر قرابة 250 مليار دولار بحلول عام 2030، ويسمح ذلك للدول بتحقيق خفض أكبر بنسبة 50 بالمئة في انبعاثات الكربون مقارنة بأهدافها الأصلية دون تكبُّد أيّ تكاليف إضافية.
ويسعى مؤتمر الأطراف هذا العام إلى الاتفاق على الهدف الكمي الجماعي الجديد، والذي يشير إلى هدف التمويل السنوي الجديد المرتبط بالمناخ، والذي من المفترض أن يبدأ العمل به عندما ينتهي سريان التعهد الحالي الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
ويستلزم تنفيذ هذا الهدف انخراط القطاع الخاص باستثمارات كبيرة، وتبني مصادر جديدة ومبتكرة للتمويل، من أجل سد فجوة التمويل المناخي العالمية، والمساهمة في تحقيق هدف الحفاظ على حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة مئوية.
تمويل المناخ ليس عملاً خيرياً
وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، إن تمويل المناخ ليس عملاً خيرياً بل مصلحة لجميع الدول، بما في ذلك الدول الكبرى، ومجرد الاتفاق على هذا الهدف لا يكفي، بل علينا أن نعمل بجد لإصلاح النظام المالي العالمي، ومنح الدول المساحة المالية التي تحتاج إليها.
وأكد ستيل أن التحديات المناخية تستدعي مرونة وصموداً عالميين، داعيا إلى أهمية إطلاق أسواق الكربون الدولية، بهدف تسريع التحول إلى الاقتصاد النظيف، وضمان تحقيق هدف تقليص الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، لا سيما أن ضمان الإسراع في هذه التحولات سيؤمن الاستفادة للجميع.
ومن جانبه، أشار رئيس المؤتمر مختار باباييف، إلى الوضع الحرج الذي يواجه العالم نتيجة الاحترار العالمي، محذراً من أن السياسات الحالية قد تقود إلى زيادة تتجاوز ثلاث درجات مئوية، ما سيشكل خطراً كارثياً على البشرية، الأمر الذي يستدعي تعزيز الطموح المناخي من خلال خطط واضحة وتمويل فعال للدول النامية، وتطوير أسواق الكربون لدعم التحول نحو اقتصاد نظيف.
وشدد باباييف على أهمية الاتفاق على هدف جديد ومحدد لتمويل المناخ، بحيث يكون طموحاً وعادلاً يلبي احتياجات الدول النامية، بما فيها الدول الجزرية الصغيرة والبلدان الأقل نمواً، مشيرا إلى أن هناك حاجة مُلحة لتحقيق تقدم ملموس في هذا الشأن، خلال الأيام المقبلة من المؤتمر.
فاتورة الحروب
قال استشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي في اليمن، الدكتور عبدالقادر الخراز، إن قمة المناخ (كوب 29) تعد محط متابعة عالمية، أملا في النجاح بإصدار خطوات عملية تواجه المخاطر الحقيقية للتغيرات المناخية، لافتا إلى أن التمويل هو العمود الفقري السنوي لكل مؤتمر، حيث تتجه إليه الأنظار باعتباره الحل الوحيد لتحرك جاد وفعال لمواجهة سياسات الدول الصناعية الكبرى.
وأبدى الخراز في تصريح لـ”جسور بوست”، مخاوف من أن تراوح قضايا القمة مكانها خاصة التمويل ولا تخرج بنتائج إيجابية، لافتا إلى أن معظم قمم المناخ السابقة يغمر فعالياتها التفاؤل لكنها لا تخرج بحلول واقعية أو خطط تنفيذية بل تستمر في إعادة صياغة التوصيات ذاتها دون الوصول لنتائج.
وبخلاف انتخاب ترامب الرافض لاتفاق باريس وتهديده بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، قال الخبير اليمني إن عدم حضور الدول الصناعية الكبرى بشكل مؤثر وفعال يمثل تحديا آخر، حيث يحمل دلالات سلبية على مسار القمة المناخية المنعقدة في أذربيجان.
قضية كل عام
وبرأي غير متفائل، أوضح الدكتور ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ في مصر، أن التمويل المناخي قضية كل عام بمؤتمرات المناخ، حيث يتصدر جدول أعمال (كوب 29)، معربا عن مخاوفه من ابتعاد هذا الهدف عن التنفيذ عاما بعد عام.
وأضاف عزيز في تصريح لـ”جسور بوست”: “ننادي من كوب 1 إلى كوب 29 بأن تلتزم الدول الكبرى بما عليها من تمويل إجراءات التكيف المناخي للدول النامية، وحتى الآن لم ينجز من هذه الوعود إلا 5 بالمئة على الأكثر، موضحا أن نتائج المؤتمر ترتكز في نجاح تفعيل بند التمويل وإلا ستعتبر توصيات هذه المؤتمرات بمثابة “جري في المكان”.
وبخلاف تحدي تهديد ترامب من الانسحاب من اتفاقيات مناخية، فإن التحدي الأكبر بحسب استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، هو أن المبالغ الضخمة التي يحتاج لها التمويل المناخي، تذهب للسلاح والحروب، موضحا أن التقديرات الأولية تشير إلى أنه خلال 3 أعوام تم ضخ 400 مليار دولار في حربي أوكرانيا وغزة ولبنان.
ومضى الخبير المصري، قائلا: “تستنزف الحروب 400 مليار دولار، ولم يتم اقتطاع 10 مليارات منها للتمويل المناخي، وهذه محنة كبرى يعيشها العمل المناخي بوضع أولويات أخرى دون أن يجد التمويل حظاً على طاولة الدول الكبرى وأصحاب القرار في العالم”.