الإعلام والمخابرات هما الجناحان الأكثر أهمية لحفظ توازن البلدان ، وبهما يستطيع أي بلد الطيران والتحليق عالياً في سماء العز والكبرياء ، وبهما قوة الدولة وهيبتها . الدولة التي لا تمتلك إعلاماً قوياً وجهازاً مخابراتياً نشطاً تتعرض لهزات عنيفة قد تدمر اقتصادها وصناعتها وزراعتها وأمنها الداخلي من قبل الأعداء.
وبالمناسبة لا توجد دولتان متجاورتان من دول العالم التي ازداد عددها عن المئتين دولة إلا وتجد عداءاً خفياً بينهما ، لذلك أي ضعف يصيب دولة من دول العالم فأن أول المستفيدين هي أقرب دول الجوار التي تنشط اجهزتها المخابراتية والإعلامية في التوغل ومحاولة الحصول على أقصى فائدة ممكنة من الضعف الذي يصيب الدولة الجارة ، وهذه الحالة لا تحتاج إلى اثبات فالواقع هو الإثبات ، بعض الدول المستقرة عملت على بناء أجهزة مخابراتية كبيرة عالية المستوى وقامت بتأسيس مؤسسات إعلامية ضخمة لحفظ أمن البلد وجعل يدها الطولى مع جيرانها . فلا نستغرب أن تصبح الأجهزة الإعلامية والأمنية وبالأخص المخابراتية خاضعة لمناهج علمية متطورة جداً.
بل أن بعض الدول ذهبت أبعد من ذلك عندما قامت بعقد اتفاقيات مخابراتية مع دول أخرى تفوق في أهميتها الاتفاقات التجارية والسياسية والعسكرية ، القوة الإعلامية والمخابراتية هي واحدة من اسرار تفوق العالم الغربي على بقية دول العالم ، فأية دولة متفوقة على جاراتها تجد السر الاول هو الإعلام والمخابرات . أنا لست متخصصاً في الإعلام ولا في المخابرات ولكن عندما أسمع قائداً عسكرياً كبيراً يعلن بعد إنتصار جيشه في معركة كبيرة ومصيرية بأن 95% من اسرار الإنتصار هو الجهد المخابراتي والاستخباراتي عندها أدرك حجم وأهمية المخابرات في تغيير النتائج.
وعندما أسمع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب يقول بأن الديمقراطين لم يفوزوا بصناديق الاقتراع ولكنهم فازوا بالإعلام حينها أدرك أهمية وقوة الإعلام التي لها القدرة على التلاعب بمصير الأمم ، لذلك فأن صرفيات الإعلام والمخابرات في بعض الدول تعادل اقتصاديات دول كبيرة من دول العالم الثالث . فمن الغباء أن تتحدى وتحارب دولة ذات قوة مخابراتية كبيرة وقوة إعلامية مؤثرة تفوق في قدراتها قدراتك بعشرات الأضعاف .
ولكنك تستطيع التحدي ودخول الحرب وأنت ضعيف مخابراتياً وإعلامياً في حالة واحدة فقط وهي عندما تكون قيمة الإنسان عندك بلا قيمة تذكر ويمكنك أن تضحي بالإنسان لمغامرة تافه ، وهذا ما فعلته حماس عندما تركت الشعب الفلسطيني يذبح لمدة تزيد على السبعة أشهر وفي النهاية ستتنازل وتغادر غزة بشكل مخزي بعد أن هلك عشرات الالاف من الأبرياء ودمرت البنى التحتية ..
هذا الغباء يجب أن ينتهي ويجب أن يغادر هؤلاء القادة الذين يضحون بشعوبهم مقابل لا شيء ، يجب أن يغادروا بغير رجعة ، وللأسف ليست حماس لوحدها فيها قادة أغبياء بل هي ظاهرة شائعة في بلداننا الشرق أوسطية ، يغادرون كراسيهم فقط عندما تصبح ديارهم تراب وشعوبهم أشلاء . أكثر من سبعة أشهر إسرائيل تقصف وتقتل بحجة إطلاق سراح الرهائن ، وكأن حماس قد تعمدت الإحتفاظ بالرهائن لتعطي المبرر لتدمير غزة ، فلو تم إطلاق سراح الرهائن منذ اليوم الاول ما كانت الأمور تصل إلى هذا المستوى من الدمار ، ولكان العالم كله وقف صفاً واحداً ضد إسرائيل ومنعتها من التمادي في سلوكها.
ولكن أين العاقل الذي يفهم الأمور، دول وانظمة مكشوفة العورة بدل أن تسعى لتطوير مجتمعاتها والأهتمام بالعلم والمعرفة وبناء الإنسان وتوسيع الخدمات لتصبح مجتمعاتها ذات تأثير وقوة ووزن بين شعوب الأرض تذهب لتجييش الجيوش والدخول في معارك فاشلة وهي لا تمتلك من القوة العسكرية ومن القوة الإعلامية ومن القوة المخابراتية معشار ما تمتلكه الدولة المعادية . عندما أقول الإعلام ، لا أقصد بالإعلام الضحل الكاذب الذي يقلب الحقائق ويكذب على الناس ويمجد ويمتدح بالقائد على مدار الساعة ، فهذا ليس إعلام بل هذا غضب فوق وجود غضب التخلف .
وعندما أقول الأجهزة الأمنية المخابراتية لا أقصد المخابرات التي تطارد المواطنين الأبرياء وتحبس أنفاسهم ، فهذه لعنة على رؤوس المواطنين فوق اللعنات التي يعيشونها من فساد وتمزق مجتمعي وتحزب . فالإعلام هو الصدق والمهنية ، والمخابرات هي سور لحفظ الوطن والمواطن . هذه مجرد جوانب بسيطة من عديد الجوانب التي كسرت ظهورنا وتركتنا في العراء خلف الأمم نتحسر ونندب حظنا مع هذه الابتلاءات التي ابتلينا بها .