وائل الدحدوح.. الثمن الأصعب للصحافة
“شكراً وائل الدحدوح لأنك أظهرت للعالم بلا هوادة ما يحدث في غزة.. قوة وإنسانية الشعب الفلسطيني، والجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضدهم”.. كانت تلك رسالة الفنانة الأيرلندية إيمالين بليك بعدما رسمت جدارية للدحدوح في العاصمة دبلن في 18 يناير الماضي لتؤكد أنه تحول لأيقونة عالمية تعبر عن محنة الصحفيين في عالمنا الحالي ومدى فداحة الثمن الذي يدفعونه في سبيل إظهار الحقيقة وليست أي حقيقة، ولكنها تلك التي تتلاقى مع الجرائم التي ترتكب في حق الإنسان في مناطق الصراعات والنزاعات.
لم تكن بليك وحدها التي قامت بهذا، فعلى نفس النهج رسم الفنان الإسباني “ناتشو ويلز” جدارية للدحدوح في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن، كجزء من مشروع أطلقته المنصة الفنية “كرييتيف ديبوتس” تحت عنوان “أبطال فلسطين”.
مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني وجد وائل الدحدوح نفسه وزملاءه في القطاع أمام تحدٍ جديد كان من الواضح أنه يختلف تماماً عن التحديات التي قطعوها في السابق، فالحرب الإسرائيلية هذه المرة كانت مختلفة في شراستها وعنفها على سكان القطاع، لكن وفي مقابل عنف القصف كانت عزيمة الدحدوح ورفاقه على أن ينقلوا للعالم لحظة بلحظة كل ما يجري على أرض الواقع وحجم الكارثة التي يعاني منها ما يزيد على مليوني إنسان في غزة.
دفع الدحدوح الثمن الأصعب لأي إنسان، فبعدما نزحت عائلة وائل الدحدوح من تل الهوى شمال غزة إلى مخيم النصيرات للاجئين، معتقدين أنه سيكون المكان لهم، استهدفتهم غارة جوية إسرائيلية أصابت المنزل الذي كانوا فيه، لتقتل زوجته وابنه محمود وابنته شام البالغة من العمر 8 سنوات.
“هذا هو قدرنا وهذا هو خيارنا وصبرنا ولن نحيد عن هذا الطريق.. ينتقمون منا بالأولاد؟ دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار”.. هكذا كان التصريح الأول لوائل الدحدوح بعد مراسم تشييع أسرته إلى مثواهم الأخير.. رسالة على قدر ما فيها من ألم إلا أنها كانت مشجعة لزملائه في القطاع على مواصلة تقديم رسالتهم من قلب الميدان.
لم يكن هذا فقط الثمن الذي دفعه الدحدوح، ففي منتصف ديسمبر الماضي وبينما كان يمارس مهامه لتغطية القصف الإسرائيلي على مدرسة فرحانة في خان يونس جنوب قطاع غزة استهدفته غارة إسرائيلية أدت إلى إصابته إصابة بالغة ومقتل زميله سامر أبو دقة الذي ظل نحو 6 ساعات محاصراً وملقى على الأرض في محيط المدرسة.
وصف الدحدوح ما جرى له ولزميله بعين الصحفي قائلاً “جرى استهدافنا بعد أن أدينا مهمة التصوير لمدة 3 ساعات بعد التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، وسقطنا على الأرض كأن عاصفة تخطَّفتنا، عندما وصلت السيارة وجدت سامر، متجرداً من شارة الصحافة، ولكن هناك طائرة إسرائيلية قصفته وحولت جسده لأشلاء، حتى إن بعض أجزاء الكاميرا دخلت بأحشائه ودفنت معه بقبره”.
وبعدها بأيام أدت غارة إسرائيلية لوفاة نجله حمزة، المصور الصحفي (27 عاماً) غرب خان يونس، إلى جانب الصحفي في قناة الجزيرة مصطفى ثريا، وكعادته ظل وائل صامداً ناعياً نجله بكلمات أثارت موجات من التعاطف “ليس هناك ما هو أكثر إيلاماً من فقدان دمك وخاصة ابنك الأكبر.. حمزة كان أنا، ورفيق روحي وكل شيء”.
ما حدث للدحدوح على حجم ما فيه من ألم وانكسار لأي إنسان إلا أنه كان نموذجاً لوحشية آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، وساهم في تشكيل رأي عام عالمي رافضاً لاستمرار الحرب على غزة.
وتعددت ردود الفعل على مأساة الدحدوح، فتحدث وزير خارجية الولايات المتحدة الحليف الأكبر لإسرائيل “أشعر بالأسف الشديد على الخسارة التي لا يمكن تخيلها، أنا أب وأتخيل الفظائع التي يواجهها وائل الدحدوح، ليست مرة واحدة ولكن مرتين الآن، هذه مأساة لا يمكن تخيلها”.
وفي 16 يناير غادر الدحدوح أخيراً قطاع غزة إلى مصر ومنها إلى قطر.. غادر كأيقونة ومثال لمحنة الصحفيين في عالم الحرب والصراعات.
ولد الدحدوح في 30 أبريل 1970، في حي الزيتون أقدم أحياء مدينة غزة، وتلقى وائل الدحدوح تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس عدة في مدينة غزة، وقضى 7 سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي بسبب مشاركته في الانتفاضة الأولى وبعد حصوله على شهادة الثانوية 1988 ليفشل في تحقيق حلمه بالسفر للخارج لدراسة الطب.
وبعد خروجه من سجون إسرائيل استكمل دراسته الجامعية بالجامعة الإسلامية في غزة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام لينطلق في عمله المهني مع زيادة اهتمام وسائل الإعلام بالأوضاع هناك، حيث عمل في صحيفة القدس الفلسطينية ثم لدى عدد من القنوات العربية حيث برز في تغطيته عدداً من الأحداث الفارقة منها الحرب الإسرائيلية الأولى على قطاع غزة.