أمريكا

هل ينتظر أميركا “حمام دم” فعلاً؟

ما أن ضَمَن كل من الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب في 11 آذار (مارس) الجاري، العدد الكافي من المندوبين في الانتخابات التمهيدية، بما يؤهّلهما لنيل ترشيح حزبيهما الديموقراطي والجمهوري للانتخابات الرئاسية، حتى انطلقت أطول المعارك الانتخابية في تاريخ الولايات المتحدة.
وكما بات معلوماً، أنّ الغالبية الساحقة من الأميركيين، كانت تود أن ترى منافسة بين مرشحين آخرين، لكن بايدن أبى إلاّ الترشح لولاية ثانية، على رغم كبر سنه (81 عاماً). أما ترامب، فتغلّب بسهولة غير مسبوقة، بخطابه الشعبوي، على كل منافسيه الجمهوريين الذين كانت آخرهم نيكي هايلي بعد “الثلثاء الكبير” في 5 آذار (مارس) الجاري.
والحملات الانتخابية آخذة في التصاعد، متخذة من الاقتصاد والهجرة والإجهاض عناوين رئيسية، علاوة على الاستهدافات الشخصية. ومنذ الآن، يعد ترامب بـ”حمام دم” في حال لم يُنتخب، ويتعهّد بالعفو عن مقتحمي مبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني (يناير) 2020 في محاولة لقلب نتائج انتخابات عامذاك.
كان ترامب يتحدث في تجمّع انتخابي في مدينة دايتون بولاية أوهايو في 17 آذار (مارس) الجاري، متناولاً فيه المنافسة الصينية للولايات المتحدة في مجال السيارات الكهربائية. وتعهّد وضع رسوم جمركية مئة في المئة على كل سيارة صينية تدخل البلاد، محذّراً من “حمام دم على الأقل” في حال لم يُنتخب مجدداً. العبارة أثارت لغطاً وجدلاً عن المقصود بها، قبل أن تسارع الحملة الجمهورية إلى الإيضاح بأنّ المقصود بالعبارة هي الخسائر الاقتصادية التي سيُمنى بها الاقتصاد الأميركي في حال بقي بايدن لولاية ثانية في البيت الأبيض.
أما حملة بايدن، فرأت في تهديد ترامب دليلاً آخر على نهج 6 كانون الثاني (يناير) 2021 وعلى المخاطر التي يشكّلها انتخاب المرشح الجمهوري على الديموقراطية. ولذلك، يؤكّد بايدن يقينه بأنّه الشخص الوحيد في الحزب الديموقراطي الذي يستطيع هزيمة ترامب كما فعل في 2020، وأنّه ترشح لهذا السبب على رغم ما فيه من انتقاص لشخصيات أخرى في الحزب الديموقراطي.
يتخذ بايدن من الخطاب الشعبوي لترامب، حجة على المرشح الجمهوري وعلى “الخطر المحدق” بمستقبل أميركا كبلد ديموقراطي، في حال لم يمنحه الأميركيون تفويضاً لولاية ثانية.
السجال الممل بين بايدن وترامب يعيد الأميركيين إلى مناخات التشنج والانقسام التي تلت انتخابات 2020، والتي لا يزال الرئيس السابق يقول، من دون دليل مقنع، إنّ الفوز “سُرق” منه. وهي معضلة، مرشحة للتجدّد بعد انتخابات 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وربما هي المرّة الأولى التي يؤكّد فيها مرشح أنّه الفائز قبل أن تجري الانتخابات وبعد اجرائها.
وهذا ما يدفع كلا المرشحين إلى اعتبار الانتخابات المقبلة “نقطة تحول” في التاريخ الأميركي. ترامب يعتبرها كذلك أملاً في أنّها ستعيده إلى البيت الأبيض وينتقم من “سرقة” 2020. وبايدن ينظر إليها بوصفها خياراً بين الديموقراطية و”الديكتاتورية”.
لا توجد “أسلحة” محرّمة في الحملتين الانتخابيتين. ترامب يسخر من كبر سن بايدن ويقلّد مشيته وطريقته في الكلام. وبايدن يصف منافسه بأنّه متقدّم بالسن أيضاً و”غير مؤهل عقلياً” لقيادة الولايات المتحدة.
خطابان حادان يتصفان بالتهجمات الشخصية. ولم تجد حملة بايدن غضاضة في اخراج عبارة “حمام دم” من سياقها، وفق ما تقول حملة ترامب كي تنال من الرئيس السابق.
وترامب الذي يواجه 91 اتهاماً جنائياً، يصور نفسه ضحية لـ”الدولة العميقة” في الولايات المتحدة التي أسقطته في 2020، وهي تحاربه الآن، لأنّه من خارج “مؤسسة واشنطن”، ولأنّها تخشى حديثه كثيراً عن الشعب.
عندما أقسم ترامب اليمين في 20 كانون الثاني (يناير) 2017 بعد فوزه على هيلاري كلينتون، قال إنّ انتخابه “يعيد السلطة إلى الشعب”. ولا يخفي ترامب طموحه إلى أنّ يكون “ديكتاتوراً ليوم واحد” في حال عودته إلى البيت الأبيض.
هل تزيد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) من انقسام الأميركيين؟ هذا على الأقل ما يتبدّى منذ الآن في خطابي بايدن وترامب.

سميح صعب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى