المغرب

هل يكون التكتل الثلاثي فاتحة عهد جزائري جديد

تعتبر منطقة شمال أفريقيا بحسب بيانات رسمية أضعف منطقة في القارة الأفريقية من حيث التبادل والاندماج، ولذلك بات من الضروري تحريكها بأي آلية، ما دامت الآلية التاريخية والطبيعية في حالة موت سريري

لا يزال المتابعون ينظرون بعين التساؤل إلى توجهات الجزائر الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة، عما إذا كانت مراجعة لتفريط السلطة السابقة في مصالح البلاد ومبادئها الأساسية، أم إعادة ترتيب للأولويات بشكل يحدد البوصلة نحو الشرق الإقليمي والدولي، على حساب المحيط القريب والبعيد.

والملاحظ أن الجزائر التي تربطها علاقات متذبذبة مع فرنسا، وأخرى مأزومة مع إسبانيا، وبعضها فاترة أو متوترة مع دول أخرى، بدأت ترسم معالم توجهات جديدة، بوضع قواعد تكتل ثلاثي في الشمال الشرقي الأفريقي، ويمتد إلى تركيا وقطر في القارة الآسيوية.

ولأن التنافر في المنطقة بلغ درجة متقدمة وتعاظمت الشكوك فيها بشكل غير مسبوق، تحاول الجزائر إثبات حسن نواياها عبر التأكيد من حين إلى آخر على أن التكتل الذي بادر به الرئيس عبدالمجيد تبون لن يكون ضد أحد ولا بديلا عن التكتل التاريخي “الاتحاد المغاربي”، في محاولة لطمأنة المغرب الممتعض من الخطوة.

كما لم تتأخر في حث الخطى لإدخال مخرجات القمة الثلاثية التي التأمت في تونس حيز التنفيذ، ففي أيام قليلة فقط تم الإعلان عن اتفاق حول آلية مشتركة لاستغلال وتسيير المياه الجوفية في الصحراء الشمالية، وينتظر أن تدخل أفكار وتصورات أخرى اتفق عليها الرؤساء الثلاثة حيز التنفيذ قريبا أيضا.

وجاء الإعلان عن الاستثمار القطري الضخم لتربية الأبقار وإنتاج الحليب في الصحراء الجزائرية، ليعزز معالم محور جزائري يبدأ من تونس وطرابلس ويمتد إلى الدوحة وأنقرة في آسيا، قبل أن يتفرع إلى روما وبون، لكن هل يكون ذلك على حساب العمق الطبيعي للبلاد؟ وهل أغلقت الباب أمام وجهات أخرى؟

لقد وصف البعض الدبلوماسية الجزائرية في وقت سابق بالمرتبكة والمتشنجة، لكن برقية سابقة لوكالة الأنباء الرسمية قطعت الشك باليقين حول مواقف القيادة السياسية للبلاد، وعبرت عن خيار التضحية من أجل مواقف ثابتة للدولة، وبذلك اتضح أن الارتباك والتشنج هما خيار ومبادئ مهما كانت النتائج.

في العرف الدبلوماسي كل بلد حر وسيد في اختيار مواقفه وكيفية الدفاع عن مصالحه. وكما للبشر طباع مختلفة ومتنوعة، فإن للدبلوماسية تصنيفات متنوعة أيضا، وقد بدا للقيادة السياسية أن السلطة السابقة فرطت في مصالح ومبادئ البلاد، ولذلك تجري إعادة ترتيب الأوراق بهذا الشكل المريح للبعض والمزعج للبعض الآخر.

لقد تم إعداد خارطة طريق واعدة ومغرية من طرف القادة الثلاثة في تونس لشعوب المنطقة، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والزمن هو الكفيل بنجاح أو فشل الخطوة، ولو أن الخطاب المتداول أظهر حرصا شديدا على العمل الجماعي وعدم جدوى المواقف الفردية المعزولة، خاصة فيما يتعلق بالمخاطر التي تهدد البلدان الثلاثة جراء تدهور الوضع الأمني والهجرة السرية والجريمة العابرة للحدود في منطقة الساحل.

ولتأكيد النوايا الإيجابية أكثر، فإن القمة الثلاثية يجب أن تفكر في استقطاب أو إدماج عمق الساحل، بدل الاكتفاء بآليات الحد من الأخطار القادمة من هناك، فمهما كانت مكاسب مالي والنيجر من تحالفات إقليمية أخرى، هما مجبرتان على الانفتاح والاندماج مع جيران الشمال لأن الجغرافيا السياسية هي التي تفرض ذلك وليس أمزجة النخب الحاكمة.

الأزمة الجزائرية – المغربية السائرة إلى المزيد من التعقيد، باتت تحتاج إلى جهود خرافية لاستعادة الثقة أولا ثم الحديث عن أي تسوية ثانيا، ألقت بظلالها على مشروع التكتل الجديد. ويبدو أن تجسيد أفكاره على الأرض هو المناص الوحيد الذي يثبت نوايا هؤلاء، والتأكيد على أن وضع العصا في العجلة لا يجنى منه إلا المزيد من التوتر والجمود.

ولأن الدبلوماسية هي بناء متراكم وشروط متناسقة فإن إفرازات المرحلة الحالية، خاصة في منطقة الساحل وليبيا، هي نتيجة طبيعية لعقود من الانكماش الجزائري وسوء ترتيب الأولويات؛ فإهمال العمق الإستراتيجي لحساب الاهتمام بالوجهة الشمالية طيلة عقود كاملة، تدفع البلاد نتائجه في الظرف الراهن، إلى أن صارت بالنسبة إلى نخب عسكرية سياسية وعسكرية في مالي والنيجر عبارة عن رياضة وطنية تصبح على مناهضة الجزائر وتمسي عليها.

وتعتبر منطقة شمال أفريقيا بحسب بيانات رسمية أضعف منطقة في القارة الأفريقية من حيث التبادل والاندماج، ولذلك بات من الضروري تحريكها بأي آلية، ما دامت الآلية التاريخية والطبيعية في حالة موت سريري، وذلك قد يكون خطوة في طريق صحوة ضمير لمراجعة الوضع، ولا ضير إذا حفز التكتل الثلاثي قادة المنطقة على إحياء الإطار الطبيعي لدول وشعوب المنطقة، بدل الانغماس في الشحن والتأليب.

ولعلّ تزامن جائحة كورونا وتسارع التطورات وتداخلها، مع التغيير السياسي المستجد في الجزائر، قد أفرز معطيات جديدة وحتى مفاجئة على الصعيد الدبلوماسي، لكن تعبير الرئيس تبون عن احترام بلاده لإرادة الماليين والنيجريين إذا أرادوا حلولا داخلية لأزماتهم، هو مؤشر على أن ما بدا مسار مشاحنات واحتكاكات، هو اندفاع نحو تدارك رصيد ضائع، وأن التكتل الثلاثي سيكون فاتحة عهد جديد.

صابر بليدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى