مع إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” رسمياً الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، تنظيم المغرب كأس العالم 2030، إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال، تصاعدت الأصوات داخل المملكة مطالِبةً باستغلال الحدث الكوني من أجل وضع حد للملفات الحقوقية العالقة وإطلاق سراح ما تبقى من “المعتقلين السياسيين”.
إذ يفرض الاتحاد الدولي لكرة القدم على الدول المستضيفة لبطولة كأس العالم 2030 الالتزام بالمعاهدات الدولية في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، خاصةً حرية التعبير والمساواة بين الجنسين والحقوق البيئية، وهو ما وعدت الرباط بالالتزام به وفق ما جاء في ملف ترشحها المشترك مع إسبانيا والبرتغال لاحتضان كأس العالم 2030.
وحسب تقييم الفيفا لملف كأس العالم 2030، فإن الحكومة المغربية التزمت باحترام وحماية حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، بما في ذلك في مجالات السلامة والأمن وحقوق العمل وحقوق الأطفال والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز، فضلاً عن حرية التعبير، بما في ذلك حرية الصحافة.
ويشير التقييم المنشور على الموقع الرسمي لـ”الفيفا” إلى الحاجة إلى جعل القوانين المحلية في المغرب متوافقةً بشكل كامل مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقال التقييم: “في هذا الصدد، سلط المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب الضوء على تعديل أحكام القانون الجنائي الحالية المتعلقة بحرية التعبير”.
وللتخفيف من “المخاطر”، يخطط المغرب، ممثلاً في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للدعوة إلى إصلاح قانون الصحافة والنشر لجعله متوافقاً مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتوصيات الأخرى الصادرة عن الهيئات الدولية، وفق ما جاء في تقييم “الفيفا” لملف كأس العالم 2030.
لكن منظمة العفو الدولية “أمنستي” قالت في وقت سابق إن استراتيجيات حقوق الإنسان التي قدمتها اتحادات كرة القدم الثلاثة “لم تُقدم التزامات واضحة بالمعالجة الكافية لأغلبية المخاطر التي حددتها منظمة العفو الدولية وتحالف الرياضة والحقوق، واستندت إلى قدر محدود من التشاور”.
وضع حقوق الإنسان في المغرب
قبل يوم واحد من الإعلان رسمياً عن فوز المغرب باستضافة كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والمغرب، وبالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 ديسمبر/كانون الأول، انتقدت جمعيات ما وصفته بـ”التراجع” في ملف حقوق الإنسان في المغرب.
وقالت عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، خديجة الرباح، لموقع “الحرة“، إن “الجهود المبذولة على مستوى التشريعات والسياسات المتعلقة بحقوق الإنسان في المغرب لا تزال بعيدةً عن إحداث تأثير فعلي على الحياة، خاصةً النساء”.
كما قال رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إدريس السدراوي، إن “السنة الأخيرة شهدت تراجعاً حاداً على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، خاصة مع غياب رؤية حكومية واضحة للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان”.
في المقابل، أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، خلال لقاء نُظِّم بمدينة سلا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن المغرب “راكم مكتسبات حقوقية جعلت منه نموذجاً يحتذى به في إفريقيا والعالم العربي”.
وأوضح وهبي أن الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان يستمد أساسه من القناعات الحقوقية للمملكة، وأشار إلى “جملة من المكتسبات الحقوقية”، آخرها إعلان المغرب التصويت بالإيجاب على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام.
إذ أعلن وزير العدل في البرلمان المغربي يوم الإثنين 9 ديسمبر/كانون الأول أن المملكة تعتزم لأول مرة التصويت لصالح قرار الأمم المتحدة العاشر بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، المزمع التصويت عليه خلال الجمع العام المقبل للأمم المتحدة في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024.
بينما قال حزب العدالة والتنمية المعارض في بيان، إن اعتزام المغرب التفاعل مع مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، “لا يعدو أن يكون سوى تحصيل حاصل لوضع قائم اختاره المغرب منذ سنة 1993، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وقطعاً تفسيره أو اعتماده كخطوة نحو إلغاء عقوبة الإعدام”.
وأكد الحزب موقفه “المبدئي والثابت” من عقوبة الإعدام، في الجرائم الأشد خطورة والمتعلقة بالقتل العمد والاعتداء على الحق في الحياة، والتي تمكّن من القصاص المنصوص عليه في القرآن الكريم، لما يحققه من شعور بالإنصاف للمجتمع ولذوي حقوق ضحايا الجرائم الأشد خطورة، التي تهز الرأي العام وتصدم الشعور الجماعي.
دعوات لاستغلال كأس العالم 2030
وبمجرد الإعلان رسمياً عن تنظيم المغرب كأس العالم 2030، تصاعدت الأصوات المطالبة بإغلاق ملف “المعتقلين السياسيين” في المغرب، والذي من شأنه أن يحسّن صورة المغرب خارجياً، خاصةً وأن المملكة تريد تنظيم كأس عالم “غير مسبوق”.
إذ ناشد الصحفي المغربي توفيق بوعشرين العاهل المغربي الملك محمد السادس، إصدار عفو عن نقيب المحامين الأسبق محمد زيان، وقادة “حراك الريف”، بمناسبة نيل المغرب رسمياً شرف تنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة إسبانيا والبرتغال.
وكتب بوعشرين على حسابه في موقع “فيسبوك”، “ألتمس من الملك محمد السادس (عجّل الله شفاءه) بهذه المناسبة الجميلة، أن يسبغ سماحته وعفوه وكريم التفاتاته الإنسانية على من بقي وراء القضبان من معتقلين، وأخص بالذكر المحامي النقيب محمد زيان وشباب حراك الريف، يتقدمهم ناصر الزفزافي ومن معه”.
وأضاف بوعشرين، الذي أُفرج عنه قبل أشهر بعفو ملكي، أن “المناسبة شرط، ومن تقاليد المغاربة في الأفراح وعند تلقي الأخبار السارة أن يلتفتوا إلى من حولهم من ذوي الحاجات وأهل الغمّة وذوي العسر، فيفرجون عنهم ويشركونهم في الفرح والمسرات. والله لا يضيع أجر المحسنين”.
إقرأ أيضا : سوريا زهرة الربيع العربي ودروس المرحلة
وأوضح بوعشرين أنه يرفع طلبه باعتباره “معتقلاً سابقاً ذاق مرارة السجن، وأحس بالكرب والضيق عندما تعم الفرحة البلاد وتستثني من تغلق في وجوههم الأبواب الحديدية بمفاتيح اليأس والقنوط”، على حد تعبيره.
وأشار في التدوينة التي نشرها الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى أن ندائه هو “نداء الإنسانية والتعاطف والإحساس بالآخر، نداء مجرد من كل حساب، نداء صاعد من القلب الصغير ويقيني أنه سيصل إلى القلب الكبير”.
ودعا بوعشرين إلى اعتبار يوم 11 ديسمبر وإعلان تنظيم المغرب كأس العالم 2030، “مناسبة للفرح والأمل والحلم “في بلاد قلّ فيها الفرح والأمل والحلم في السنوات الأخيرة”، وقال: “لنجعل من تاريخ 11 ديسمبر نقطة تحول تاريخية فعلاً لا مجازاً، ولنجعل الفرح يدخل كل البيوت، وكل القلوب، وكل النفوس”.
الملف الحقوقي “سيُحرج المغرب”
بينما قال الناشط الحقوقي خالد البكاري إن احترام الحقوق والحريات من ناحية مبدئية لا يجب أن يرتهن بتنظيم بلد ما لتظاهرة دولية.
وأشار إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان يستغلون مثل هذه المناسبات من أجل الدفاع عن ملفات حقوقية كونية مرتبطة بقضايا بيئية أو وقف النزاعات المسلحة، أو حملات من أجل احترام حقوق النساء وأقليات ما.
وشدد البكاري، وفق ما صرّح به لموقع “صوت المغرب”، على أن المبدأ الأساسي هو أن تبادر كل دولة من تلقاء نفسها إلى احترام تعهداتها الدولية فيما يخص حقوق الإنسان، بغض النظر عن تنظيمها أو عدم تنظيمها لتظاهرة دولية كبرى.
واستشهد الحقوقي المغربي بتجارب سابقة في عدم نجاح أساليب الضغط على دول تنظم مثل هذه التظاهرات، من قبيل الألعاب الأولمبية في الصين وبطولة كأس العالم في قطر، لافتاً إلى أنه أحياناً “قد يختلط ما هو حقوقي بما يتعلق برهانات دولية ذات بُعد استراتيجي من أجل إحراج دول معينة”.
وذكر البكاري أن المغرب سبق أن نظم تظاهرات كبيرة، منها ما ارتبط بحقوق الإنسان، ومع ذلك قال “بقيت مجموعة من الإشكالات الحقوقية مطروحة سواء على مستوى ملفات مرتبطة بالاعتقال السياسي أو حرية الرأي والتعبير، أو قوانين مخالفة لروح العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
وحسب البكاري، فإن الملف الحقوقي “سيكون محرجاً للمغرب بالتزامن مع تنظيمه بطولة كأس العالم 2030″، خاصةً وأنه سيُجرى تنظيمه إلى جانب دولتين متقدمتين على المغرب في مجال احترام حقوق الإنسان.
ويعتبر البكاري أن الحكمة تقتضي من المغرب أن يعالج الملفات التي قد تسبب له إحراجاً، وهو مقبل على تنظيم تظاهرة عالمية من حجم بطولة كأس العالم لكرة القدم، مشيراً إلى أن المملكة ستكون تحت المراقبة الدولية “ليس خلال فترة تنظيم كأس العالم فقط، بل حتى خلال المدة التي تسبق ذلك”.