السودان

هل يتحول السودان إلى مسرح جديد لنفوذ إيران؟

في حال ظفرت إيران بقاعدة بحرية فى السودان، فسوف تصبح القوات الإيرانية على بعد ٣٢٠ كيلو مترًا من السعودية

تكشف القراءة الأولية لعودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسودان أن هذا التطور يحمل أكثر من بُعد جيو- استراتيجى، خاصة لإيران التى تقوم رؤيتها الاستراتيجية فى المنطقة على توسيع نفوذها البحرى، وتعزيز وجودها العسكرى، سواء من خلال القواعد، أو من خلال الجماعات والميليشيات العسكرية المرتبطة بها، إذ تسعى طهران إلى استعادة توازن القوى العسكرية فى الداخل السودانى، والبحث عن ظهير إقليمى جديد، وطى صفحة أزمة توتر العلاقات عام ٢٠١٦، وتعزيز الحضور بمنطقة البحر الأحمر.

غير أن بحث إيران الدائم عن موطئ قدم فى البحر الأحمر، من خلال نيتها بناء قاعدة بحرية فى بورتسودان، والتغلغل فى القرن والساحل الإفريقى انطلاقًا من السودان، قد يسفر عن تصعيد حدة التوتر فى العلاقات بين الجيش السودانى وكثير من القوى الإقليمية والدولية، مثل مصر، والسعودية، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، كما يثير المخاوف من شكل المكاسب الاستراتيجية التى ستحصل عليها إيران إثر توسيع دائرة نفوذها فى القارة الإفريقية.

ملامح تحول العلاقات بين إيران والسودان

اتخذت العلاقات بين طهران والخرطوم منحى جديدًا منذ منتصف العام الماضى، من خلال سلسلة من اللقاءات الرسمية الرفيعة المستوى لمسؤولين سودانيين مع نظرائهم الإيرانيين، أبرزها لقاء وزير الخارجية السودانى على الصادق ونظيره الإيرانى آنذاك حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز والذى استضافته العاصمة الأذربيجانية باكو فى يوليو ٢٠٢٣، فى خطوة حملت مبادئ لعودة العلاقات، التى ترتب عليها إعلان السودان استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إيران رسميًّا فى ٩ أكتوبر ٢٠٢٣، وبعد مرور عام على استئناف العلاقات، تسلم رئيس مجلس السيادة الانتقالى، عبد الفتاح البرهان، أوراق اعتماد السفير الإيرانى، حسن شاه حسينى، سفيرًا ومفوضًا فوق العادة لبلاده لدى السودان فى ٢١ يوليو الماضى.

كان إعلان إيران والسودان، فى أكتوبر ٢٠٢٣، استئناف العلاقات الدبلوماسية التى قطعت من جانب الخرطوم، مثيرًا للتساؤلات عن دلالة التوقيت والهدف، إذ جاء فى خضم تصاعد حدة الصراع المسلح بين قوات الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، منذ منتصف إبريل ٢٠٢٣، على نحو يوحى بأن هذا القرار لا ينفصل عن محاولات الجيش تعزيز مواقعه فى مواجهة قوات الدعم السريع، من خلال البحث عن ظهير إقليمى جديد، كما جاء بالتزامن مع ارتفاع حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب تعثر المفاوضات التى أُجريت بشأن الاتفاق النووى، واستمرار العقوبات الأمريكية بسبب التدخل الإيرانى فى أزمات المنطقة، ولعل التساؤل الأبرز يتعلق بأن إعلان استئناف العلاقات بين إيران والسودان جاء بعد يومين من اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عقب عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من تصعيد إسرائيل ضد إيران وحلفائها فى لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن

وبهذا، أنهى الخرطوم قطيعة ما يقرب من ٨ سنوات مع إيران، إثر اقتحام السفارة السعودية بطهران فى يناير ٢٠١٦، وهو ما وجده السودان سببًا لقطع العلاقات مع إيران؛ تضامنًا مع الحليف الأهم، وهو السعودية، غير أن اتفاق السعودية وإيران، بوساطة صينية، رفع الحرج عن الخرطوم باستئناف علاقتها مع طهران، لا سيما فى ظل الحاجة الملحة للحكومة الموالية للجيش إلى إيجاد حلفاء فى حربها مع قوات الدعم السريع، لتتشكل بهذا ملامح مرحلة جديدة فى تاريخ البلدين.

أبعاد الدور الإيرانى فى حرب السودان

بعد ما يقرب من عام ونصف العام على بداية الحرب الأهلية فى السودان، تظهر تطورات جديدة فى المشهد العسكرى تفصح عن الدور الإيرانى الذى مثّل نقطة تحول رئيسة فى المعركة، لدعم الجيش السودانى فى استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية فى البلاد ضد قوات الدعم السريع؛ ما يهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدولة ذات الموقع الاستراتيجى.

ولتحقيق هذا الهدف، انتهجت طهران دبلوماسية المسيرات فى دعمها لقائد الجيش السودانى عبد الفتاح البرهان؛ فوفقًا للوكالات الدولية، قدمت طهران للجيش السودانى طائرات دون طيار تصنعها شركات تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الإيرانية، خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما أسهم فى تعزيز قدراته العسكرية، وتغيير مسار الصراع، وشملت استراتيجية التسليح الإيرانى الطائرات من دون طيار، من طراز «مهاجر ٦»، لاستخدامها فى إدارة العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع، حيث يمكن استخدامها فى عمليات الاستطلاع، والضربات الجوية.

وتكتسب هذه الطائرة تحديدًا أهمية خاصة؛ لأنها قادرة على تنفيذ هجمات جو- أرض، والحرب الإلكترونية، والاستهداف المباشر فى ساحة المعركة، كما تعد آلية أساسية تستخدمها إيران باستمرار فى تطوير علاقاتها مع بعض الدول والمؤسسات، على غرار روسيا، التى سبق أن استعانت بالطائرة نفسها فى إدارة عملياتها العسكرية فى أوكرانيا.

فضلًا عن هذا، كشفت الوكالات الدولية نقل طائرات مسيرة إيرانية من طراز «مهاجر» و«أبابيل»، عن طريق «قشم فارس إير» الجوية الإيرانية عدة مرات منذ نهاية العام الماضى، ونُقلت تلك الطائرات من إيران إلى بورتسودان، وهى قاعدة مهمة للجيش منذ أن استولت قوات الدعم السريع على مواقع استراتيجية فى الخرطوم، ودلل على هذا التعاون العسكرى بين إيران والسودان تصريحات قوات الدعم السريع بأن الجيش يتلقى شحنات مرتين أسبوعيًّا من طائرات إيرانية بدون طيار، وأسلحة أخرى من إيران، عززت قدرته العسكرية فى مواجهة قوات الدعم السريع فى البلاد.

إقرأ أيضا : لا هدنة في غزة إلا مقابل «تثبيت الاحتلال»!

مكاسب إيران من عودة علاقاتها بالسودان

تتعدد المصالح الإيرانية فى السودان لتشمل مصالح جيوسياسية، وأيديولوجية، واقتصادية؛ حيث تهدف إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمى من خلال تأسيس وجود استراتيجى فى السودان، لمواجهة منافسيها، ودعم حلفائها، وتأمين الوصول إلى الموارد والأسواق المحورية؛ لذا تنبع محورية السودان فى العقيدة الإيرانية من مجموعة من العوامل المهمة، أبرزها:

١- الموقع الاستراتيجى للسودان المطل على البحر الأحمر: يجعل من السودان دولة مركزية ومفتاحية مهمة للتأثير الإقليمى فى منطقة البحر الأحمر؛ ما يمثل فرصة ذهبية لإيران للتأثير والسيطرة على المنطقة بمداخلها ومخارجها الحاكمة، وتحديدًا مضيق باب المندب، وقناة السويس؛ ومن ثم فإن إنشاء ميناء إيرانى، أو قاعدة بحرية بمدينة بورتسودان، من شأنه أن يسمح لإيران بمراقبة حركة المرور البحرية فى البحر، ومراقبة البضائع القادمة إلى إيلات وقناة السويس.

٢- السيطرة على مضيق باب المندب: يعزز الوجود الإيرانى فى البحر الأحمر، من خلال جماعة الحوثى، السيطرة الإيرانية على هذا المضيق الاستراتيجى الذى يشكل أحد أهم شرايين التجارة البحرية العالمية؛ وهو ما يعطى إيران السبق فى المحيط الحيوى للمصالح والأمن الإسرائيلى، كما يعطيها أفضلية عسكرية وأمنية تسمح لها باستخدام السودان كورقة ضغط وأداة لمحاصرة الخصم الإسرائيلى فى إطار صراع النفوذ القائم بينهما، وكشفت عن هذا العمليات العسكرية البحرية التى تقوم بها جماعة الحوثى منذ نوفمبر) ٢٠٢٣، واستهدافها السفن الإسرائيلية والأمريكية فى المضيق ومياه البحرين العربى والأحمر؛ ومن ثم فإن النفوذ الإيرانى فى السودان يجعل طهران تضطلع بدور فاعل فى العمق الإفريقى، خاصة فى ظل الحرب الاستخباراتية التى تخوضها إيران وإسرائيل فى المجال الإفريقى.

٣- المصالح الدينية والثقافية الإيرانية فى السودان: يعد السودان منصة لتأسيس النفوذ الثقافى فى القرن الإفريقى من خلال نشر التشيع، لا سيما أن هذا النهج كان نشطًا فى السودان فى الفترة التى سبقت قطع العلاقات بين الدولتين عام ٢٠١٦، من خلال المركز الثقافى الإيرانى فى الخرطوم، ومكتبة الإمام جعفر الصادق، والمؤسسات التعليمية الشيعية، كمؤسسة الإمام على بن أبى طالب التعليمية، ومدرسة فاطمة الزهراء، وعدد كبير من الحسينيات والجمعيات الخيرية التى هدفت إلى استقطاب الفقراء، واستغلال حاجاتهم لتشييعهم.

٤- دعم الشبكات المتحالفة: يعمل السودان كمركز استراتيجى لإيران لتقديم الدعم اللوجستى لحلفائها ووكلائها فى المنطقة، ومنهم الحوثيون فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، والميليشيا الشيعية فى سوريا والعراق، من خلال توفير الأسلحة والتدريب والمساعدات المالية. فضلًا عن هذا، فإن قرب السودان من مناطق الصراع فى القرن الإفريقى ومنطقة الساحل يعزز قيمته كقاعدة لبسط النفوذ وتعزيز أجندة إيران الإرهابية فى البحر الأحمر.

٥- المكاسب الاقتصادية: يتمتع السودان بموارد ضخمة غير مستغلة، منها الأراضى الزراعية، والرواسب المعدنية، واحتياطيات النفط، وتدرك إيران إمكانية التعاون الاقتصادى المتبادل المنفعة مع السودان، سواء كمصدر للمواد الخام لصناعاتها المحلية، أو كسوق لسلعها المصنعة، ويمكن للخبرة الإيرانية فى قطاعات مثل الطاقة، والبناء، وتطوير البنية التحتية، أن تكون مصدر دخل مربحًا للاقتصاد الإيرانى.

الخاتمة

تعد استعادة العلاقات مع السودان جزءًا من حملة سياسة خارجية منسقة تقوم بها الإدارة الإيرانية لإصلاح علاقات إيران مع حلفائها السابقين، وخاصة الدول التى قطعت علاقاتها مع طهران عام ٢٠١٦، وفقًا لرؤية الخارجية الإيرانية «التوجه شرقًا»، التى تستند إلى تعزيز العلاقات مع الجنوب العالمى؛ لذا يعد السودان ذا أهمية استراتيجية لإيران، التى اعتادت توظيف التدخل فى مناطق الصراع لتعزيز أهدافها الجيوسياسية.

ومع أن عودة العلاقات الدبلوماسية تعد المدخل الرئيس لتعزيز العلاقات بين طهران والخرطوم، فإنه من الصعب أن تذهب الخرطوم بعيدًا فى تعزيز علاقاتها مع إيران، خشية عودة العقوبات والضغوط الدولية من الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة فى ظل الحديث عن بناء قاعدة إيرانية على البحر الأحمر، ما قد يجعل السودان فى مرمى هجمات القوى الغربية للانتقام من إيران، فعندما أرست طهران قطعًا بحرية فى الموانئ السودانية قبل عقد من الزمان، تعرض السودان لضربات جوية أجنبية تحت ذريعة استهداف الحرس الثورى الإيرانى.

فضلًا عن هذا، فلئن ظفرت إيران بقاعدة بحرية فى السودان، فسوف تصبح القوات الإيرانية على بعد ٣٢٠ كيلو مترًا من السعودية، المنافس الإقليمى لإيران على النفوذ فى العالم الإسلامى؛ ما يجعل من نية طهران بناء القاعدة البحرية المزعومة تحديًا مباشرًا للسعودية، وهدمًا للتوافقات الأخيرة بين الرياض وطهران؛ لذا يظل مستقبل العلاقات السودانية الإيرانية مرهونًا بالتطورات الإقليمية، وحسابات النظام الإيرانى الاستراتيجية فى منطقة البحر الأحمر.

خاص ب :  مركز الدراسات العربية الأوراسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى