«لا مستقبل بفلسطين»، الشعار الذي حملته جميع اليافطات التي قامت إحدى المجموعات الاستيطانية المتطرفة بنشرها بكثافة على الشوارع الرئيسية من أقصى شمال الضفة الغربية حتى جنوبها، مستكملة الشعار بصورة مأخوذة من قطاع غزة لإحدى عمليات طرد الفلسطينيين من مناطق سكنهم إلى أماكن أخرى، من أجل تأكد المنظمة الاستيطانية «مقاتلون من أجل الحياة»، التي تقف خلف ابتداع اليافطات ونشرها، من فهم وظيفة الشعار ومقاصده دون التباس، وبالنتيجة حققت الشعارات أهدافها وأثارت مخاوف الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم في الضفة.
من جانب آخر، طفا مؤخراً على سطح الأحداث مقطع الشريط المصور للخبير الاقتصادي الأميركي اليهودي، جيفري ساكس، من ندوة حاضر فيها بجامعة كامبريدج البريطانية، تعرض خلالها بانتقاد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، مشيراً إليه بأصابع الاتهام والألفاظ النابية على توريطه أميركا في حروب الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا.. قراءة في أحداث مخيم جنين
الخبر يتدحرج نحو مشاركة الرئيس المنتخب دونالد ترامب على صفحته الاجتماعية مقطع الفيديو، الأمر الذي اعتبره المراقبون بمثابة تأييد وتبنٍّ لمضمون المقطع، الذي ساهم في خلق مناخات وتفسيرات قد تولد بعض الأوهام لحدود الانتقاد وانعكاساته على العلاقة السياسية الوثيقة بين الرجلين، قد تصل إلى عدم حضور نتنياهو حفل تنصيب الرئيس السابع والأربعين، الذي لم يُوجّه له دعوة رسمية بعد.
الحدث لا يمكن التقليل من شأنه، لكن أيضاً لا يمكن مدّه على استقامته والبناء عليه على نحو مبالغ به، رغم أن الثابت في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية ذات الطبيعة الإستراتيجية يتخطى الصدمات التي تبرز بين حين وآخر بين الدولتين.
لن ينفرط العقد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الثابت سيبقى أصيلاً بسبب شبكة المصالح الإستراتيجية بين أميركا وإسرائيل، بينما المتغير ينحصر في الطبائع الشخصية المختلفة بين الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الموصوفة بالعنف والجموح، وتوخيه قبل وصوله للبيت الأبيض إرساء العلاقة وتصحيح الخلل الذي ظهر واضحاً للعيان خلال عهد بايدن، ومشاركة الفيديو كانت الوسيلة المناسبة لإيصال الرسالة بوضوح حول الضوابط والحدود التي ينبغي عدم تجاوزها انطلاقاً من تجربة سلفه في مفاوضات الصفقة، بل وخضوعه لابتزاز نتنياهو وضغوطه، متسبباً في إضعاف إدارته وإلحاقها باعتباراته وليس العكس.
مقدمات سياسة ترامب يمكن قراءتها من خلال تصريحاته خلال حملته الانتخابية حين أشفق على إسرائيل ضيق مساحة رقعتها الجغرافية وحاجتها إلى التوسيع، ولم يتوقف كرمه عند ذلك التصريح، بل قام بتعيين طاقم عمل من المعروفين بولائهم الشخصي له وكذلك بتأييدهم المطلق لإسرائيل.
دعم ترامب لإسرائيل مرسوم على طريقته الخاصة دون بناء أوهام حول أكثر مما يحتمله نشره الفيديو الانتقادي، لقد بدأ ترامب بدعم إسرائيل قبل أن يتم تنصيبه رسمياً في العشرين من الشهر الحالي، مُبتعثاً المحامي ستيف ويتكوف إلى الشرق الأوسط، إلى الدوحة على مقربة من مفاوضات الصفقة للرقابة على تتويجها بنتائج إيجابية، بالتوازي مع وعيده بفتح أبواب جهنم إن لم يتم الاتفاق على تحرير الأسرى الاسرائيليين قبل حفل التنصيب، وكأن أبواب جهنم في قطاع غزة قد أغلقت يوماً واحداً منذ أكثر من 463 يوماً من حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة.
ولتوسيع دائرة الفرجار: المرحلة القادمة لجهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ستنطبع بالطريقة الترامبية ومنطلقاته المعروفة، سيستكمل ما بدأ به في حقبته الأولى ما بين عامَي 2016 و2019، بعد توقيعه صك ضم ما يعادل نسبة 30% من الأراضي المصنفة (ج) إلى إسرائيل، واعتباره أن المستوطنات ليست غير شرعية.
والدعم السياسي للحزب الجمهوري للاحتلال لم يقتصر على دعمه حرب الإبادة بجميع الوسائل، بل تجلى مؤخراً في تصويت مجلس النواب الأميركي على قانون يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية؛ رداً على إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه، لقد فتح الجمهوريون مزاداً علنياً على الحزب الديمقراطي على حساب الفلسطينيين، رغم أن الأخير لم يوفر جهداً إلا وبذله في دعم الاحتلال سياسياً وقانونياً، وبمده بالسلاح حتى قبل أيام من تسليمهم مفاتيح البيت الأبيض!
لن يخيب الرئيس السابع والأربعون، المثير للجدل، توقعات الحكومة الإسرائيلية التي ارتفعت من الحقبة الترامبية، خاصة أن السياسات الإستراتيجية للاحتلال تبدو أوضح منها في أوقات سابقة، وقد استفزتها عملية الفندق في محافظة قلقيلية وأخرجت ما في جُعبهم من مخططات وسيناريوهات مضمرة لم يخفها أركان الحكومة اليمينية المتطرفة، مسح نابلس وجنين والفندق عن الخارطة، وجعل المناطق التي يخرج منها المقاومون شبيهة بحال جباليا في شمال غزة، وغير ذلك من إجراءات لتشديد الإغلاق والحصار والقيود المفروضة على الحركة بإقامة المزيد من البوابات والحواجز التي بلغ عددها أكثر سبعمائة حاجز.
الحكومة الإسرائيلية تسابق الزمن لحسم الصراع، استكمال خرائط المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بانتظار مجيء ترامب لمنحهم صفقة جديدة بضم الضفة الغربية للاحتلال، رغم أنهم بادروا إلى تغيير مرجعيات المستوطنات وإعادتها إلى الحكومة، عوضاً عن مرجعية الإدارة المدنية وتغيير الوضع القانوني للأراضي المصنفة (أ) و(ب)، بمعنى أن الحلول المعروضة لن تتعدى الحلول الدموية، دون تجاهل ما يُخَطّط لغزة من خطط حول الإعداد لإحداث تغيير جذري في طريقة إدارة الحرب في غزة كما يعلنون، على الرغم من تشبيهها من قبل قيادات الجيش الإسرائيلي بمناطق اللامكان واللانهاية، كناية عن تدميرها وتغيير معالمها وعن استكمالهم أغراض الحرب، بينما يعيش الفلسطينيون في حالة من اللايقين مع استمرار الانقسام وانعكاساته.. فماذا نحن فاعلون؟