هل ستضرب إسرائيل منشآت إيران النفطية؟
المتوقع هو عدم قيام إسرائيل بضرب جزيرة خرج الإيرانية لأن الأميركيين لا يريدون ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات الرئاسية، وإذا قامت إسرائيل بضربها وارتفعت أسعار النفط بشكل كبير فإن هذا قد يقلب الديمقراطيين ضد نتنياهو
لم يكن هناك أي ضربات إسرائيلية لإيران عند كتابة هذا المقال، ولكن الأمر قد لا يكون كذلك عند النشر، إلا أن إيران اتخذت احتياطات عدة منها تفريغ موانئ جزيرة خرج من السفن تحسباً لضربة إسرائيلية رداً على هجوم الصواريخ الإيراني من جهة، وبمناسبة مرور سنة على هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي قامت بها “حماس” في غزة.
في الأيام الأخيرة تركزت أسئلة تجار النفط والمستثمرين في محورين: هل ستقوم إسرائيل بضرب المنشآت النفطية الإيرانية؟ وما أثر ذلك في أسواق النفط العالمية؟ وطبعاً كل سؤال يتفرع عنه العديد من الأسئلة.
وفقاً لـ”أوبك” في آخر تقرير لها، فإن شركات مراقبة الإنتاج والشحن تقدر متوسط إنتاج إيران في الشهر الماضي بنحو 3.28 مليون برميل يومياً، وبحسب شركة “كبلر” المتخصصة في مراقبة حركة الشحن البحري فإن صادرات إيران من النفط الخام بحراً بلغت نحو 1.6 مليون برميل يومياً، أغلبها من جزيرة خرج الواقعة في شمال شرقي الخليج (قريبة نوعاً ما من ميناء البصرة العراقي)، ولكن علينا أن نتذكر أن هناك صادرات برية إلى باكستان وأفغانستان، وهناك صادرات المنتجات النفطية أيضاً.
هل ستقوم إسرائيل بضرب المنشآت النفطية الإيرانية؟
بدأت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن الموضوع في الأسبوع الماضي الأمر الذي نتج منه ارتفاع أسعار النفط بنحو خمسة دولارات للبرميل، والفكرة أن ضرب المنشآت النفطية سيحرم الحكومة الإيرانية من الإيرادات، فيضعفها ويضعف أذرعها في لبنان وسوريا واليمن والعراق.
اقرأ أيضا.. المنظور الإيراني.. كيف تخرج طهران من الحرب مع تل أبيب منتصرة
جاء ارتفاع الأسعار بعد أن سأل صحافي الرئيس الأميركي جو بايدن عن ضرب إسرائيل للمنشآت النفطية الإيرانية فقال بايدن “نناقش ذلك”، وفسّرت وسائل الإعلام وعدد كبير من المحللين ذلك بأن هناك تفاهماً أميركياً- إسرائيلياً على ضرب المنشآت النفطية الإسرائيلية، فارتفعت الأسعار بشكل كبير.
إلا أن بايدن عاد لاحقاً وقال إنه لو كان محل الإسرائيليين فإنه لن يضرب المنشآت النفطية الإيرانية، وهي رسالة مؤدبة ولكن واضحة لنتنياهو بأن لا يضرب المنشآت النفطية الإيرانية.
مشكلة بايدن ليست خسارة النفط الإيراني وارتفاع الأسعار بسببها، ولكن خسارة نفط دول أخرى بسبب رد فعل إيران أو أذرعها، وهذا لا ينطبق على دول الخليج فقط، ولكن على أذربيجان أيضاً حيث أن أذربيجان المجاورة لإيران هي أكبر مصدر للنفط الخام إلى إسرائيل.
وكنت تفاجأت بتفسير السوق لتصريح بايدن عندما قال إنهم يناقشون الأمر مع الإسرائيليين، لأن هذا التفسير يتناقض مع موقف إدارته الصريح، حيث تمت مطالبة زيلينسكي في أوكرانيا بعدم ضرب موانئ تصدير النفط الروسية ومطالبة نتنياهو بعدم ضرب أي منشآت نفطية في المنطقة، بما فيها إيران، كما يتنافى مع كل جهود إدارة بايدن لزيادة إنتاج وصادرات إيران في السنوات الثلاث الأخيرة، على رغم العقوبات المفروضة على طهران.
موقف إدارة بايدن واضح تماماً؛ يجب أن تكون أسعار النفط ومعدلات التضخم منخفضة قبل الانتخابات، وضرب المنشآت الروسية أو الإيرانية يعني ارتفاعاً كبيراً في الأسعار ومعدلات التضخم.
ويذكر هنا أن إنتاج النفط الأميركي بدأ بالانخفاض وليس هناك أي زيادة في أنشطة الحفر، وهذا يعني عدم قدرة الولايات المتحدة على التجاوب مع عجز إمدادات النفط كما حصل خلال الـ12 سنة الماضية.
وكنت وضّحت سياسة بايدن النفطية المتعلقة بإيران في مقال سابق. فالعقوبات التي أعاد فرضها ترمب في الربع الرابع من 2018 ما زالت موجودة، ولكن إدارة بايدن تجاهلتها في السنة الأولى لإبقاء الإيرانيين على طاولة المفاوضات في فيينا بشأن برنامج إيران النووي.
وكان من أهم وعود المرشح بايدن وقتها هو إلغاء قرار دونالد ترمب والعودة إلى اتفاقية النووي التي وقعها الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران في 2014، إلا أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود كما كان متوقعاً من الخبراء، وذلك لأن الحكومة الإيرانية تريد أن توقع اتفاقاً دائماً مع الحكومة الأميركية وليس مع رئيس تنتهي ولايته بعد أربع سنوات.
وعندما أدركت إدارة بايدن أنه ليس هناك حل، بدأ التفكير جدياً في تشديد العقوبات على إيران لإجبارها على التخلي عن بعض شروطها، ولكن الحظ كان حليف إيران في السنة الثانية من حكم بايدن حيث بدأت إرهاصات الحرب الروسية في أوكرانيا تظهر، هنا قررت إدارة بايدن التغاضي تماماً عن العقوبات على إيران مقابل أن تقوم طهران ببيع بعض من نفطها في أوروبا.
في السنة الثالثة انخفضت أسعار النفط وبدا واضحاً عدم تأثير العقوبات على روسيا، ومن ثم لم يعد هناك حاجة للنفط الإيراني، ولكن الحظ كان حليف إيران مرة أخرى، حيث بدأت حملة بايدن الانتخابية لولاية ثانية، وهذا يتطلب انخفاض أسعار النفط ومعدلات التضخم، والنتيجة كانت ارتفاع إنتاج النفط الخام الإيراني خلال عهد بايدن بنحو مليون برميل يومياً.
وعلى رغم أن الصادرات ارتفعت بأكثر من مليون برميل يومياً في تلك الفترة فإنه يجب أن نكون حذرين هنا حيث أن جزءاً مما يظهر على أنه زيادة هو ناقلات بدأت تنقل النفط علناً بعد أن كانت تنقله سراً.
وعند الحديث عن ضرب إسرائيل للمنشآت النفطية الإيرانية، علينا أن نكون حذرين أيضاً: ما هو المقصود بالمنشآت النفطية؟ فهناك عدد كبير من الحقول الإيرانية للغاز تمتد على مسافة تتجاوز 1500 كيلومتر وبعرض مئات الكيلومترات، ومن ثم لا يمكن ضرب هذه المنشآت، وهذا يبقي خيارين فقط: الأول هو ضرب بعض مصافي النفط، وهذا ممكن بخاصة أن بعض الصواريخ الإيرانية استهدف مصفاة ومستودعات النفط في عسقلان، ولكن ضرب بعض المصافي لا يؤثر مباشرة في أسواق النفط العالمية، إلا أن ضرب مصافٍ كبيرة قد يؤدي في النهاية إلى تخفيض أسعار النفط إذا تم تحويل النفط الخام المستخدم في المصفاة للصادرات.
الثاني هو ضرب جزيرة خرج التي يتم منها تصدير غالبية النفط الإيراني، وضرب الموانئ في هذه الجزيرة يعني توقف صادرات النفط بكميات تتجاوز المليون برميل يومياً، وأسعار النفط ارتفعت منذ الأسبوع الماضي بحدود ستة دولارات للبرميل توقعاً لضرب الجزيرة، ولكن إذا ضربت وتوقفت الصادرات بالكامل فإن هذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنحو خمسة دولارات أخرى، وهذا يعني وصول أسعار النفط إلى 85 دولاراً للبرميل. ولكن هذه الأسعار لن تستمر إلا بضعة أيام ثم تبدأ الأسعار بعدها بالانخفاض لعدة أسباب أهمها:
– أغلب صادرات إيران تذهب إلى الصين، فإذا توقفت فإن بكين ستلجأ إلى المخزونات، وهذا رد سريع وكبير، حيث تستطيع التعويض عن توقف الإمدادات الإيرانية مباشرة، وطبعاً الخاسر الأول من وقف صادرات النفط الإيراني هو الصين، لكن ارتفاع أسعار النفط سيكون عالمياً.
– في حال ارتفاع شديد في أسعار النفط فإن إدارة بايدن ستلجأ للسحب من المخزون الاستراتيجي، وهذا رد سريع أيضاً لأن الأمر يستغرق بضعة أيام فقط.
– ستقوم إيران بتحويل جزء من الصادرات إلى موانئ أخرى وعبر أنبوب النفط إلى ميناء جاسك في الجنوب والذي يقع بالقرب من باكستان، خارج الخليج ومضيق هرمز.
– إذا استمر الانخفاض لفترة طويلة فإن الدول الثماني في “أوبك+” ستقوم بإعادة بعض مما خفضته إلى السوق كما هو مقرر حالياً.
ولكن أزعم أن إسرائيل لن تضرب منشآت تصدير النفط الإيرانية، لأن إدارة بايدن لا تريد ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات، ولأن إسرائيل لا تريد أن تتأثر علاقاتها سلباً مع الصين والهند، ولكن قد تضرب بعض المصافي.
ضرب بعض المصافي قد يؤدي إلى أزمة وقود في إيران والعراق، ومتى ما قامت إسرائيل بضرب بعض الأهداف غير النفطية في إيران، فإن أسعار النفط ستنخفض، علماً بأن حالة الترقب الحالية ستبقي الأسعار في مستوياتها الحالية.
وبشكل عام فإن أي ضربة لأي هدف ستكون محدودة لأن الدول العربية لن تسمح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي، وإذا اقتحمته على كل الحالات، فإن هذا الاقتحام سيكون محدوداً لتجنب أزمة دولية.
وهنا لا بد من ذكر نقطة مهمة وهي أنه ليس من مصلحة الدول الخليجية قيام إسرائيل بضرب أي هدف نفطي في إيران.
خلاصة القول إن المتوقع هو عدم قيام إسرائيل بضرب جزيرة خرج لأن الأميركيين لا يريدون ارتفاع أسعار النفط قبل الانتخابات، وإذا قام نتنياهو بضربها وارتفعت أسعار النفط بشكل كبير فإن هذا تدخل واضح في الانتخابات الأميركية وقد يقلب الديمقراطيين ضد نتنياهو، ولكن أي ارتفاع في الأسعار سيكون قصير الأمد للأسباب التي ذكرت أعلاه، والسؤال هو: ماذا سيحدث بعد الانتخابات؟