تثير فكرة تسليم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد إلى المحاكمة الدولية بشأن جرائم الحرب العديد من التساؤلات المتعلقة بالقانون الدولي، والمصالح السياسية، والتوازنات الجيوسياسية. على الرغم من أن روسيا ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، فإن تسليم الأسد قد يصبح جزءًا من حسابات سياسية معقدة بعد سقوط النظام السوري وظهور حكام جدد.
حليف أم رئيس بدرجة “موظف ” ؟
قدمت روسيا دعمًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا لنظام بشار الأسد منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، وذلك لأسباب استراتيجية، أبرزها إيجاد موطأ قدم دائم ضفاف البحر الأبيض المتوسط من خلال قاعدتي طرطوس وحميميم.
تتجلى هذه النظرة في الطريقة التي تعامل بها بوتين مع الأسد في العديد من اللقاءات التي جمعتهما. مشاهد متعددة وثقتها عدسات الكاميرات أظهرت جانبًا من الإهانة المتعمدة. أحد أبرز الأمثلة كان عندما استدعى بوتين الأسد إلى قاعدة حميميم في عام 2017، حيث بدا الأسد وكأنه مجرد ضيف ثانوي في مشهد سيطرت عليه القوة الروسية. بل أكثر من ذلك، ظهر وكأن بوتين يمنحه التعليمات لا الشراكة، فيما كان الجنود الروس يتجاهلون وجود الأسد تمامًا.
كشفت تلك المعاملة الاحتقار الذي يكنّه بوتين لشخص بشار. فالرئيس الروسي لم يرى في الأسد زعيمًا يحمي سيادة وطنه، بل رجلاً قدم بلده على طبق من ذهب مقابل البقاء في الحكم وكذلك هذا النوع من التبعية المطلقة جعل من الأسد شخصية ضعيفة في نظر بوتين، شخصية لا تملك هامش المناورة، بل تلتزم فقط بتنفيذ ما يُطلب منها.
أيضا هذا السلوك الروسي يُظهر أن موسكو لا تهتم بشخص الأسد بقدر ما تهتم بالهيمنة على سوريا. سوريا بالنسبة لبوتين ليست دولة حليفة بقدر ما هي قاعدة نفوذ استراتيجي. فعندما قدّم الأسد بلاده لقوى أجنبية لضمان بقائه، فقد حقه في أن يُعامل كندٍ سياسي.
بوتين، الذي يُعرف بدهائه السياسي، لم يرى في شخص بشار الأسد سوى أداة في تحقيق أجندة موسكو في الشرق الأوسط. وعندما بدا النظام السوري على وشك السقوط، لم يكن بوتين مستعدًا للمراهنة بكل شيء على شخص الأسد. فبالنسبة لبوتين، الأسد هو مجرد واجهة لنظام يخدم المصالح الروسية، وليس زعيمًا لا بديل له. لذا، فإن فكرة “اللجوء الإنساني” كانت طريقة ذكية لإبقاء ورقة الأسد على الطاولة، واستعمالها في صفقة ربما قد تحمي المصالح الروسية في روسيا وتقدم للحكام الجدد الفرصة للإستثمار الإعلامي ولكسب التأييد الشعبي في حال تمكنوا من إستعادة الأسد من موسكو ومحاكمته : سيكون لصورة بشار الأسد على شاشات التلفزيون وهو مكبل بالأصفاد و محصور في قفص تأثير قوي جدا لدى السوريين .
الوضع القانوني لروسيا والمحكمة الجنائية الدولية
- روسيا ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ما يعني أنها غير ملزمة قانونيًا بالتعاون مع المحكمة.
- سبق لروسيا أن أعربت عن تحفظاتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية، ووصفتها بأنها أداة مسيسة تخدم مصالح الغرب.
- مع ذلك، يمكن لروسيا أن تختار التعاون مع المحكمة بشكل استثنائي إذا رأت أن ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية.
- تسليم الأسد قد يُعتبر تهديدًا مباشرًا لمصداقية روسيا كحليف استراتيجي، خاصة بالنسبة لدول أخرى تعتمد على دعمها.
إقرأ أيضا : مشروبات لـ” إنقاص الوزن” في الشتاء.. ابدأ بها يومك
المصالح الروسية في سوريا بعد سقوط الأسد
- التكيف مع الحكام الجدد: قد تضطر روسيا إلى اتخاذ خطوات لإرضاء الحكومة الجديدة، مثل تقديم تنازلات أو دعم المحاسبة القانونية للأسد.
- استخدام الأسد كورقة تفاوض: قد ترى روسيا في تسليم الأسد وسيلة للتفاوض على شروط تضمن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في سوريا.
- إذا تعرضت روسيا لضغوط دولية كبيرة، فقد تضطر إلى تقديم تنازلات، بما في ذلك تسليم الأسد.
محاكمة محلية بإشراف دولي
- بدلاً من تسليم الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية، قد تدعم روسيا محاكمة محلية داخل سوريا بإشراف دولي، ما يسمح لها بالحفاظ على صورتها كحليف قوي مع ضمان استمرارية نفوذها.
حسابات روسية
التخلي عن الأسد قد يضعف الثقة بحلفاء موسكو المستقبليين، الذين سيرون في هذه الخطوة إشارة على أن روسيا لا تتردد في التضحية بحلفائها إذا اقتضت مصلحتها ذلك. ومن جهة أخرى، قد تكسب موسكو تأييدًا دوليًا واسعًا إذا تبنت هذه الخطوة، خاصة من الدول الغربية التي طالما طالبت بمحاسبة النظام السوري على انتهاكاته.
في نهاية المطاف، يظل مصير بشار الأسد رهينًا بحسابات موسكو ومصالحها. بوتين، الذي يبرع في توظيف كل الأوراق لتحقيق أهدافه، لن يتردد في قلب الطاولة إذا رأى أن ذلك يخدم موقع روسيا الاستراتيجي. أما الأسد، فسيبقى رمزًا لتلك الأنظمة التي استنزفت سيادة أوطانها، وحوّلت نفسها إلى أدوات في خدمة القوى الكبرى، ليجد نفسه في نهاية المطاف مجرد ورقة تُلعب على رقعة شطرنج السياسة الدولية.