تتطلّع إفريقيا مُنذ عقودٍ مضت إلى تمثيلٍ دائمٍ في مجلس الأمن الدوليّ التابع للأمم المتحدة، يُمكِّنها من المشاركة بفاعلية في صُنع القرار العالمي، والانخراط في معالجة الأزمات التي تعاني منها القارة؛ حيث باتت المطالب الداعية لزيادة تمثيل إفريقيا في مجلس الأمن تكتسب مزيدًا من الاهتمام على نطاق أوسع بين الدول الأطراف في الأمم المتحدة، وقد تجلَّى ذلك بوضوح في ميثاق المستقبل الذي تبنّته الأمم المتحدة خلال أعمال الدورة الأخيرة للجمعية للعامة في سبتمبر 2024م، والذي ينطوي ضمن أولوياته على تحسين فعالية وتمثيل مجلس الأمن، بما في ذلك معالجة الظلم التاريخي الذي تعرَّضت له القارة الإفريقيَّة من خلال تمثيلها تمثيلاً كاملاً في أجهزة الأمم المتحدة كافة، وفي المقدّمة منها مجلس الأمن.
ويُعتبر مجلس الأمن الدوليّ أهمّ الأجهزة الرئيسيَّة للأمم المتحدة، وهو الجهة التي خوَّلها ميثاق الأمم المتحدة سُلطات وصلاحيات واسعة للاضطلاع بمسؤولية حفظ السِّلم والأمن الدوليين، فليس بمقدور الأمم المتحدة أن تُصدر قرارًا ملزمًا تجاه موقف أو نزاع على الصعيد الدولي إلا بموافقة مجلس الأمن، وبضوءٍ أخضر منه، فهو كما وصفه بعض فقهاء القانون الدولي “شرطي العالم”.
ويتعين على جميع أعضاء الأمم المتحدة، بموجب الميثاق، التعهُّد باحترام القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وتنفيذها، وفي حين أنَّ الأجهزة الأخرى للأمم المتحدة تقدّم توصيات للدول، فإنَّ مجلس الأمن يضطلع وحده بسلطة اتخاذ قرارات مُلزمة تتقيد الحكومات بتنفيذها.
تأسيسًا على ما تقدّم، تسعى هذه الورقة -من خلال أربعة محاور- إلى تسليط الضوء على المساعي الإفريقيَّة لنَيْل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي والتحديات المُعرقلة لذلك؛ حيث يستعرض المحور الأول التمثيل الراهن للدول الإفريقيَّة في مجلس الأمن، ويتناول المحور الثاني الجهود الإفريقيَّة المتواصلة لإصلاح نظام التمثيل “غير العادل” في هذا المجلس، فيما يرصد المحور الثالث أهم الدوافع التي ترتكز عليها المجموعة الإفريقية لتبرير أحقيتها بالحصول على أحد المقاعد الدائمة. وأخيرًا يُعالج المحور الرابع فرص حصول إفريقيا على تمثيل دائم في مجلس الأمن، وكذلك التحديات التي يفرزها الواقع الدولي، والتي من شأنها إعاقة تحقيق ذلك.
التمثيل الحالي للمجموعة الإفريقيَّة بالأمم المتحدة في مجلس الأمن:
يتألف مجلس الأمن، باعتباره الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة المعني بحفظ السلم والأمن الدوليين، من خمسة عشر عضوًا، من بينهم خمسة أعضاء دائمين، وهم: فرنسا، جمهورية الصين الشعبيَّة، والمملكة المتحدة، روسيا الاتحاديَّة، والولايات المتحدة الأمريكيَّة، وهي الدول التي خرجت منتصرةً من الحرب العالمية الثانية بعد هزيمتها لدول المحور، بالإضافة إلى عشرة أعضاء مُنتخَبين أو غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين بأغلبية أعضائها الحاضرين والمشتركين في التصويت، مع مراعاة التوزيع الجغرافي العادل وعدم انتخاب نفس العضو لمدتين متتاليتين.
إقرأ أيضا : كيف سيؤثر خروج روسيا من سوريا على السودان؟
وظل مجلس الأمن منذ نشأته حتى عام 1965م، يضمّ إلى جانب الدول الخمس الدائمة المذكورة، ستة أعضاء غير دائمين، أي بإجمالي أحد عشر عضوًا فقط، لكن مع انتشار حركات التحرر الوطني مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، وانتزاع الكثير من الدول، لا سيَّما في إفريقيا وآسيا، لاستقلالها، ومِن ثَم انضمامها إلى الأمم المتحدة؛ كان لا بد من توسيع عضوية مجلس الأمن ليلائم هذه التطورات الجديدة، مما دفَع الجمعية العامة، بحلول عام 1963م، إلى المُصادَقة على مشروع قرار يتضمّن زيادة عدد الدول غير الدائمة في المجلس من ستة إلى تسعة أعضاء، وبمقتضى هذا القرار أيضًا تم تخصيص ثلاثة مقاعد لإفريقيا، فيما تتوزع المقاعد الستة المتبقية على المجموعات الإقليميَّة الأخرى في آسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينيَّة والبحر الكاريبي.
الأعضاء الحاليون “الدائمون” و”غير الدائمين” في مجلس الأمن
وفيما يتمتع الأعضاء الدائمون الخمسة بحق الاعتراض “الفيتو”؛ الذي يُمكّنهم من إجهاض أو عرقلة أيّ مشروع قرار يناقشه مجلس الأمن؛ فإنَّ الأعضاء العشرة غير الدائمين لا يتمتعون بهذا الامتياز، وهو ما يُشكِّل تعارضًا وإخلالاً واضحًا بمبدأ المساواة في السيادة بين الدول كأحد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الأمم المتحدة منذ نشأتها عام 1945م. وكانت الانتخابات التي أجرتها الجمعية العامة بشأن الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن لعامي 2024، و2025م قد أسفرت عن انتخاب كُلٍّ من الجزائر، وموزمبيق، وسيراليون عن المجموعة الإفريقيَّة.
ويوضح الجدول التالي الدول الإفريقيَّة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى التي انتُخِبَت لعضوية مجلس الأمن في الفترة من 1945م إلى 2024م؛ من حيث عدد مرات انتخابها، وآخر انتخاب لها في مجلس الأمن.
يتضح من الجدول أعلاه أنَّ جمهورية نيجيريا هي أكثر الدول الإفريقيَّة جنوب الصحراء تمثيلاً في مجلس الأمن بإجمالي 5 مرات، تليها الغابون وغانا؛ حيث انتُخبت كلّ منهما 4 مرات.
دول إفريقيا جنوب الصحراء الأكثر انتخابًا في عضوية مجلس الأمن خلال الفترة من 1945-2024م
في المقابل، هناك تسع دول إفريقيَّة لم تُنْتَخَب قطّ لعضوية مجلس الأمن منذ نشأته عام 1945م حتى اليوم، وتشمل هذه الدول كلًّا من: جنوب السودان، وهي آخر دولة انضمَّت إلى عضوية الأمم المتحدة في أعقاب انفصالها عن شمال السودان عام 2011م، جزر القمر، إفريقيا الوسطى، ساوتومي وبرينسيب، إسواتيني (سوازيلاند سابقًا)، سيشل، ليسوتو، ملاوي، وجمهورية إريتريا.
الجهود الإفريقيَّة لإصلاح مجلس الأمن:
بانتهاء الحرب الباردة وزوال الصراع الأيديولوجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وتحوُّل النظام الدوليّ إلى الأحادية القطبيَّة، باتت الظروف الدوليَّة مُواتيةً لطرح مسألة إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عضويته ضمن جدول أعمال الأمم المتحدة؛ حيث دعت الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى إعداد مشروعات ومقترحات تتضمَّن سُبل تعزيز فعالية مجلس الأمن وإصلاحه، سواءٌ من ناحية توسيع عضويته أو معالجة أساليب عمله.
وكان من أهم هذه المشروعات التي قُدِّمَت مِن قِبَل الأمم المتحدة: تقرير بطرس غالي بشأن خطة السلام لعام 1992م، وتقارير الفريق العامل مفتوح العضوية الذي أوصت الجمعية العامة بإنشائه منذ عام 1993م للنظر في مسألة زيادة عضوية مجلس الأمن، والمسائل الأخرى المتعلقة بالمجلس، وهناك أيضًا تقارير الفريق رفيع المستوى المعنيّ بالتهديدات والتحديات والتغيير، يُضاف إلى ذلك المشروعات التي قُدِّمت إلى الجمعية العامة من جانب الدول والمجموعات الإقليميَّة بشأن توسيع عضوية مجلس الأمن.
إقرأ أيضا : كيف تنظر تركيا إلى مستقبل “قسد” في سوريا؟
ولم تكن الدول الإفريقيَّة بمعزل عن تلك الجهود الدوليَّة الرامية إلى إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عضويته، فالحكومات الإفريقيَّة ترى أنها معنية أكثر من غيرها بمسألة إصلاح نظام التمثيل في مجلس الأمن؛ نظرًا لأن المجلس بتركيبته الحالية قد أخفق مرارًا في معالجة الأزمات التي تعاني منها دول القارة، علاوةً على ذلك، فإنَّ القارة الإفريقيَّة هي الأكثر تمثيلاً في عضوية الأمم المتحدة بإجمالي 54 دولةً؛ أي ما نسبته 28% من مجموع الدول الأطراف في المنظمة الأممية، ومِن ثَم فإنَّ إفريقيا أحقّ من غيرها بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.
ونعرض فيما يلي لأهم الجهود الإفريقيَّة التي بُذِلَتْ خلال العقدين الماضيين بشأن إيجاد تمثيل عادل ومُنْصِف في الهيئة التنفيذيَّة للأمم المتحدة.
1- وفاق إيزولويني
في عام 2005م، اعتمد الاتحاد الإفريقي توافق إيزولويني Ezulwini Consensus الذي يمثل الموقف الإفريقي المشترك بشأن إصلاح مجلس الأمن، وينبع المبدأ الأساسي للموقف الإفريقي المشترك من أنَّ غالبية دول القارة لم تكن ممثلةً عندما تأسست الأمم المتحدة عام 1945م، كما أنَّ إفريقيا لم يكن لها تمثيل قوي حتى عام 1963م، ونتيجةً لذلك، يطالب إجماع إيزولويني بمنح إفريقيا مقعدين دائمين يتمتعان بجميع حقوق وامتيازات العضوية الدائمة، بما في ذلك حق النقض، فضلاً عن خمسة مقاعد غير دائمة.
ويُلاحَظ أنَّ وفاق إيزولويني قد تم التأكيد عليه في مُناسبات عدة كمرجع لموقف الاتحاد الإفريقي المشترك بشأن أيّ إصلاحات مُقتَرَحة في عضوية مجلس الأمن، مثلما حدث في قمة سيرت التي عُقدت في يوليو 2005م، وأيضًا قمة الاتحاد الإفريقي بمدينة شرم الشيخ المصريَّة عام 2008م؛ حيث تم التأكيد خلال هاتين القمتين على أنَّ أيّ مفاوضات يجب أن تتم في إطار وفاق إيزولوين، وليس بمعزل عنه.
2- مشروع المجموعة الإفريقيَّة إلى الجمعية العامة
قدمت المجموعة الإفريقيَّة، في يوليو 2005م، مشروعًا للجمعية العامة للأمم المتحدة لإصلاح مجلس الأمن، ولقد بلغ عدد الدول التي قدَّمت هذا المشروع 43 دولةً، وهي: الجزائر، أنغولا، بوتسوانا، بوركينا فاسو، الكاميرون، الرأس الأخضر، تشاد، الكونغو، كوت ديفوار، جيبوتي، مصر، غينيا الاستوائية، إثيوبيا، الجابون، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، كينيا، ليبيريا، ليبيا، مدغشقر، ملاوي، مالي، موريتانيا، موريشيوس، موزمبيق، ناميبيا، النيجر، نيجيريا، رواندا، ساوتومي وبرينسيب، السنغال، سيشيل، سيراليون، الصومال، جنوب إفريقيا، السودان، تونس، أوغندا، تنزانيا، زامبيا، وزيمبابوي.
دعا المشروع الإفريقي إلى أنَّ إصلاح مجلس الأمن يستدعي ضرورة النظر في الآراء والمقترحات المُقدَّمة من كافة الدول الأعضاء، وأشار المشروع -بصورة ضمنية- إلى الظلم التاريخي الذي تعرَّضت له إفريقيا؛ لحرمانها من أيّ مقعد دائم في المجلس، وهو الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة الذي يُعالج مسائل السلم والأمن الدوليين، ولذا، فإنَّ المجموعة الإفريقيَّة تدعو إلى ضمان تمثيل فعَّال لإفريقيا في مجلس الأمن أسوةً بمناطق العالم الأخرى، وإعمالاً لمبدأ التوزيع الجغرافي العادل، وتحقيقًا لهذه الغاية، تقترح المجموعة الإفريقيَّة في هذا المشروع ما يلي:
أ- توسيع مجلس الأمن بفئتيه الدائمة وغير الدائمة، وتحسين أساليب عمله.
ب- منح الأعضاء الدائمين الجدد نفس الصلاحيات والامتيازات التي يتمتع بها الأعضاء الدائمون الحاليون، بما في ذلك حق النقض.
ج- زيادة عدد مقاعد مجلس الأمن من 15 إلى 26 مقعدًا؛ بحيث توزع المقاعد الإضافية على النحو التالي: 4 مقاعد للمجموعة الإفريقية، و3 مقاعد لدول آسيا والمحيط الهادئ، ومقعد واحد لأوروبا الشرقية، ومثله لأوروبا الغربية، ودول أخرى، فيما يُخصَّص لأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مقعدان.
د- تعديل ميثاق الأمم المتحدة تبعًا لهذه المقترحات.
توزيع المقاعد الأحد عشر “الإضافية” المقترحة ضمن مشروع المجموعة الإفريقية لتوسيع مجلس الأمن الدولي عام 2005م (الشكل من إعداد الباحثين)
ولم تتوقف مطالب الحكومات الإفريقيَّة بشأن إصلاح مجلس الأمن عند هذا الحد؛ فقد جدَّدت الدول الإفريقيَّة دعواتها إلى هذه المسألة في كثير من المحافل والمؤتمرات الدوليَّة، سواءٌ على مستوى الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة. ومن أمثلة ذلك: دعوة إفريقيا لإصلاح مجلس الأمن في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر في 10 سبتمبر 2021م بعنوان «جدول أعمالنا المشترك»، الذي يدعو إلى تمثيل أكبر لإفريقيا في مجلس الأمن.
مبررات منح إفريقيا تمثيلاً دائمًا في مجلس الأمن:
ترتكز دعوات إفريقيا المُطالِبَة بضرورة إصلاح مجلس الأمن، ومنحها مقعدًا دائمًا فيه إلى مجموعةٍ من المبررات والدوافع التي يمكن أن نعرضها إجمالاً فيما يلي:
أولاً: إنَّ مجلس الأمن بهيكله وبنيته الحالية لا يعكس موازين القوى القائمة؛ حيث شهد النظام الدولي صعود قوى جديدة تعتريها الرغبة في أن يكون لها دور فاعل أُسوةً بالدول الكبرى دائمة العضوية. علاوةً على ذلك، فإنَّ مخرجات مجلس الأمن، متمثلةً في قرارته، لا تُعبِّر عن إرادة المجتمع الدولي، ولا تراعي مصالح الشعوب، فأداء المجلس في معالجته للأزمات الدوليَّة يطغى عليه الانتقائية والازدواجية في المعايير، ويرجع ذلك بالأساس إلى هيمنة القوى الكبرى وامتلاكها لحق الفيتو الذي تَستخدمه لتأمين مصالحها، وتوفير الحماية لنفسها وحلفائها في أيّ نزاع تكون طرفًا فيه.
إقرأ أيضا : وراء تفكيك حزب الله: عقود من الاستخبارات الإسرائيلية
ثانيًا: تمثل الدول الإفريقيَّة أكبر مجموعة إقليميَّة في الأمم المتحدة بـ54 دولةً من إجمالي الدول الأطراف البالغ عددهم 193 عضوًا، ومع ذلك فإنَّ إفريقيا غير ممثلة بعضو دائم في مجلس الأمن، في حين أنَّ قارة أخرى مثل أوروبا، والتي لا يتجاوز عدد سكانها نصف سكان إفريقيا، ممثلةً بعضوين دائمين (فرنسا والمملكة المتحدة).
من ناحيةٍ أخرى، تهيمن قضايا الصراع والأمن في القارة الإفريقيَّة على أجندة مجلس الأمن واجتماعاته، باعتبار أنَّ إفريقيا تمثل حزام الصراعات في العالم المعاصر، ومع ذلك فليس هناك عضو دائم يمثل إفريقيا في مجلس الأمن، ويأخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن مصالحها، فلا يُعقَل أن تُترَك مهمة معالجة الأزمات الإفريقيَّة والتصويت بشأنها لدول أخرى خارج القارة تهتم فقط بمصالحها القومية، ولا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الأقطاب الإفريقيَّة أو تطلعات شعوبها.
ثالثًا: إخفاق مجلس الأمن، بصورته وتركيبته الحالية، في تسوية الصراعات الإفريقيَّة، مما يؤكد الحاجة إلى مجلس أمن مُمثِّل للجميع، وسريع الاستجابة، وقادر على التصدي للتحديات العالمية المستجدّة؛ كالصراعات الأهليَّة والإرهاب وانتشار المجاعات والأوبئة، وقضايا تغيُّر المناخي، والتي تختلف في طبيعتها عن تلك التحديات التي كانت سائدةً عند تأسيس المجلس بعد الحرب العالميَّة الثانية، فضلاً عن ذلك، ينطوي نظام التمثيل الحالي في مجلس الأمن على تناقض جوهري فيما يتعلق بمستوى الاهتمام الدوليّ بالصراعات الإفريقيَّة مقارنةً بالصراعات الأخرى كالغزو الروسي لأوكرانيا، في حين تعجّ القارة الإفريقيَّة بصراعات وحروب أهلية مدمرة لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام.
رابعًا: هناك عامل آخر يمكن أن يُمثِّل مبررًا قويًّا لإعطاء إفريقيا مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن، وهو أنَّ مثل هذه الخطوة من شأنها توسيع المشاركة الإفريقيَّة في الترتيبات الإقليميَّة المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، والمساهمة في تعزيز التعاون والشراكة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في مجال السلم والأمن؛ من خلال إنفاذ بعثات للسلام وعمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا وخارجها بقيادة إفريقيَّة، وبتفويض من مجلس الأمن.
أخيرًا: فإنَّ منح إفريقيا مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن يُمكن أن يُشكِّل خطوةً مهمةً مِن قِبَل المجتمع الدوليّ على طريق تصحيح الظلم التاريخي الذي تعرَّضت له القارة الإفريقيَّة من جانب القوى الاستعمارية، والذي ما تزال دول القارة تعاني منه حتى اليوم ويُمثِّل سببًا رئيسًا في تخلفها اقتصاديًّا وسياسيًّا، وتأخُّرها عن رَكْب التطور الحضاري الذي سبقتها إليه الأمم والشعوب الأخرى.
الفرص والتحديات:
في سياق تحقيق المصالح الإفريقيَّة؛ تسعى دول القارة جاهدةً لتحقيق تمثيل دائم في مجلس الأمن، بوصفه أقوى هيئة داخل الأمم المتحدة، ويرى الكثيرون أنَّ هذا التمثيل الدائم يمكن أن يُعزِّز من آفاق الاستقرار والأمن في القارة، ويُسْهِم في تعزيز آليات التعاون وتعميق التفاهم بين أطراف المجتمع الدولي.
من ناحية أخرى؛ فإنَّ القارة الإفريقيَّة تكتسب أهميةً إستراتيجية متزايدة، بالنظر لما تكتنزه من موارد طبيعيَّة وبشريَّة ضخمة، وتحوُّلها إلى مسرح جيوسياسي للتنافس بين القوى الكبرى.
ويكفي هنا أن نشير إلى ثلاثة شواهد للتأكيد على تنامي المكانة الدوليَّة لإفريقيا في الآونة الأخيرة:
أولاً: تدافع القوى الكبرى على القارة الإفريقيَّة، فلم يَعُد النفوذ قاصرًا على القوى التاريخية والتقليدية المتمثلة في الولايات المتحدة والدول الأوروبيَّة، بل أصبحت القارة ساحةً لاجتذاب أقطابًا دوليَّةً أخرى، كالصين وروسيا، فضلاً عن بعض القوى المتوسطة مثل تركيا والهند واليابان.
ثانيًا: وجود ثلاث دول (مصر، وإثيوبيا، وجنوب إفريقيا) من أصل تسعة أعضاء في مجموعة البريكس BRICS، والتي يُنظَر إليها باعتبارها تكتلاً جيوسياسيًّا موازنًا للنفوذ والهيمنة الاقتصاديَّة الغربيَّة.
ثالثًا: دعوة قادة القوى الاقتصاديَّة والصناعيَّة الكبرى، خلال اجتماع القمة بالعاصمة الهندية نيودلهي عام 2023م، الاتحاد الإفريقي للانضمام بصفة عضو دائم إلى مجموعة العشرين G-20 التي تمتلك أكثر من 80% من الإنتاج العالمي، ونحو 75% من حجم التجارة العالميَّة، وما تَعنيه هذه الخطوة من تمتُّع الاتحاد الإفريقي بوضع مماثل للاتحاد الأوروبي، ومنحه دورًا مهمًّا في مناقشة القضايا العالميَّة التي تهمّ دول المجموعة.
ومن هنا، فإنَّ منح إفريقيا مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن بات مطلبًا مشروعًا، وله ما يبرره، لا سيَّما وأنَّ القوى الكبرى أظهرت تأييدها لهذه الخطوة، فالصين وروسيا ترغبان في تعزيز حضورهما في القارة، وتسعيان إلى استقطاب دول المجموعة الإفريقيَّة بوصفها كتلةً تصويتيةً لها ثقلها السياسي في أجهزة الأمم المتحدة، ولا سيَّما الجمعية العامة ومجلس الأمن، كما أنَّ بريطانيا العظمى وفرنسا تؤيدان فكرة أن يكون مجلس الأمن الدولي أكثر تمثيلاً.
أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة؛ فنجد أنَّ الرئيس جو بايدن Joseph Biden، قد عبَّر في سبتمبر 2022م عن دعمه للجهود المبذولة لمنح إفريقيا وأمريكا اللاتينيَّة مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن، وبعد نحو عامين، أي في سبتمبر 2024م، قُبيل انعقاد الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ جدَّدت الولايات المتحدة دعمها مقترحًا بتخصيص مقعدين دائمين لإفريقيا في مجلس الأمن، إلا أنَّ المندوبة الأمريكيَّة لدى الأمم المتحدة «ليندا جرينفيلد Linda Greenfield» قد أوضحت أنَّ بلادها لا تؤيد منح حق الفيتو للأعضاء الجدد في مجلس الأمن، ولا تنوي أيضًا إلغاءه أو إسقاطه بالنسبة للدول الخمس الدائمة الحالية.
ويُمكن تفسير ذلك بأنَّ الولايات المتحدة ليست على استعداد حتى الآن لطرح إصلاح هيكلي من شأنه أن يقلب النظام الجيوسياسي الذي تشكَّل بعد الحرب العالميَّة الثانية رأسًا على عقب؛ من خلال منح دول إضافية حقّ النقض، إلا أنها تظل من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الداعمين بشكل صريح لمنح العضوية الدائمة للدول الإفريقيَّة. وردًّا على ذلك، أكدت الحكومات الإفريقيَّة أهمية توسيع حق النقض ليشمل جميع الأعضاء الجدد أو إزالته نهائيًا.
وتصطدم تطلعات إفريقيا لانتزاع تمثيل دائم في مجلس الأمن، من الناحية العمليَّة، بمجموعة من العوائق والتحديات:
أولها: إنَّ اعتماد أيّ تغيير في تركيبة مجلس الأمن، يتطلب موافقة أغلبية ثلثي أعضاء الأمم المتحدة الحاضرين والمشتركين في التصويت؛ اتساقًا مع قاعدة أغلبية الثلثين التي أقرتها المادة (18/2) من ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق باتخاذ القرارات المهمة، والتزامًا بقرار الجمعية العامة رقم 53/30 الصادر في ديسمبر 1998م، والذي ينص على أنه لا يمكن اتخاذ أيّ قرار بشأن مسألة إصلاح مجلس الأمن دون موافقة ثلثي أعضائها على الأقل.
ثانيها: تخوُّف القوى الكبرى من أنَّ منح إفريقيا تمثيلاً دائمًا في مجلس الأمن يمكن أن يؤثر على نفوذها في القارة، ويَحُدّ من أطماعها فيها. ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ إيجاد مجلس أمن موَّسع مِن شأنه أن يُضْعف أو ينتقص من المركز المتميز للقوى الدائمة الحالية في الأمم المتحدة.
وثالثها: افتقار المجموعة الإفريقيَّة إلى توافق بشأن الدول المرشَّحة لتمثيلها الدائم في مجلس الأمن، على غرار ألمانيا في أوروبا الغربيَّة، والهند واليابان في آسيا، والبرازيل في أمريكا الجنوبيَّة، الأمر الذي قد يترتب عليه احتدام المنافسة بين عدد من القوى الإفريقيَّة التي ترى بأنها الأجدر والأحق بهذا المنصب، وتبرز في هذا السياق أربع دول، وهي: مصر، والجزائر، ونيجيريا، بالإضافة إلى جنوب إفريقيا.
خاتمة
الجهود الإفريقيَّة لإصلاح مجلس الأمن وتحقيق تمثيل عادل وشامل، بما في ذلك زيادة عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، لا تزال مستمرةً رغم التحديات القائمة.
وتعكس التطلعات الإفريقيَّة لانتزاع مقعد دائم في مجلس الأمن التحولات الجيوسياسيَّة التي يشهدها النظام الدولي والمطالب المشروعة للأفارقة، وغيرهم من شعوب الدول النامية في آسيا وأمريكا اللاتينيَّة؛ لضمان المشاركة المتساوية والمتوازنة في صُنْع القرار وتحقيق الاستقرار العالمي.
قراءات إفريقية