تقارير

هل تهدد عودة ترامب للبيت الأبيض حرية الصحافة بأمريكا؟

بفوز دونالد ترامب في انتخابات 2024، تعود المخاوف بشأن مستقبل حرية الصحافة في الولايات المتحدة إلى الواجهة، خاصة في ضوء تاريخ علاقته المتوترة مع وسائل الإعلام خلال فترة رئاسته الأولى.

قد تؤثر عودة ترامب إلى السلطة بشكل كبير على مناخ حرية الصحافة في البلاد، لا سيما في ظل الخطاب العدائي الذي تبناه تجاه الصحفيين ووسائل الإعلام خلال فترته السابقة.

عند النظر في السنوات الأربع من حكمه بين 2017 و2021، يمكننا ملاحظة سلسلة من الأحداث التي أظهرت تصاعدًا في توتر العلاقة بين ترامب والإعلام، فقد وصف وسائل الإعلام المعادية له بأنها “أعداء الشعب الأمريكي”، واستخدم مرارًا وتكرارًا مصطلحات جارحة ضد الصحفيين، مما أدى إلى تدهور العلاقة بشكل كبير.

اقرأ أيضا.. حقوق الإنسان والاقتصاد والحروب تحسم الطريق للبيت الأبيض

واحدة من أبرز الحوادث كانت منع الصحفيين من دخول البيت الأبيض، حيث تم منع صحفيين من قنوات مثل CNN وAP من الحصول على التصريحات الرسمية أو دخول المؤتمرات الصحفية، وحالة الصحفي جيم أكوستا من CNN كانت واحدة من أشهر الحالات التي استدعت نزاعًا قضائيًا، بعد أن تم سحب تصريحه، وهو ما أسفر عن حكم قضائي لصالحه لإعادة التصريح له بالدخول.

الخطاب المعادي للإعلام

ومع مرور الوقت، تصاعدت حدة الخطاب المعادي للإعلام على لسان ترامب، في العديد من خطبه، وصف الصحفيين بالكاذبين والمروجين للأخبار المزيفة، وأعلن أن الصحافة هي أحد أعداء النظام الديمقراطي، وقد اتخذت تصريحاته شكل تهديدات ضد وسائل الإعلام، بل وهدد أحيانًا بسحب تراخيص البث من القنوات التي لم تكن تسانده، مثل CNN وNBC، وهو ما أثار قلقًا عالميًا بشأن الحريات الإعلامية في البلاد.

لكن الوضع لم يقتصر على الخطاب العنيف وحده، فقد تخلل فترة حكمه ملاحقات قضائية ضد الصحفيين، خلال حملة 2020، على سبيل المثال، عادت الاتهامات بالتهجم على الصحافة، وتزايدت عمليات ملاحقة الصحفيين، سواء عبر المقاضاة أو عبر الضغط القانوني لفرض قيود على عملهم كما أثار تقرير لجنة حماية الصحفيين في 2020، الذي انتقد استخدام ترامب للملاحقات القضائية كوسيلة لتخويف الصحفيين، قلقًا دوليًا بشأن استغلال السلطة لفرض رقابة على الإعلام.

الانتقادات التي وجهها ترامب للصحافة تجاوزت في بعض الأحيان حدود الكلمات لتشمل تهديدات مباشرة بفرض قيود قانونية على الإعلام، وفي أحد تصريحاته، أعلن أنه كان يسعى لإغلاق شبكة “سي بي إس” و”إيه بي سي” متهمًا إياهما بالتواطؤ مع الديمقراطيين في دعم كامالا هاريس، مما يعكس ميلًا نحو محاربة الإعلام الذي يعتبره معارضًا له.

مستقبل حرية الصحافة

اليوم، مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 2024، تزداد المخاوف بشأن مستقبل حرية الصحافة في الولايات المتحدة، تشير تقارير لجنة حماية الصحفيين إلى أن وضع الصحافة في الولايات المتحدة يمر بمرحلة من الضغط غير المسبوق في السنوات الأخيرة، ورغم أن الدستور الأمريكي يضمن حرية الصحافة بموجب التعديل الأول، فإن الخطاب العدائي من بعض المسؤولين، بمن في ذلك ترامب، قد يقوض هذه الحريات في المستقبل القريب.

أثناء رئاسته الأولى، كان هناك العديد من الحوادث التي أظهرت تنامي الاستقطاب بين الإعلام والجمهور الأمريكي، حيث أدى خطاب ترامب إلى تقويض الثقة العامة في الإعلام. في المقابل، كانت الصحافة تُظهر ترامب بصورة سلبية، خاصة في ظل التحقيقات التي تناولت صلاته بروسيا، فضلاً عن التحقيقات في دفع أموال للممثلة ستورمي دانييلز.

في هذا السياق، تؤكد تقارير اللجنة الأمريكية لحماية الصحفيين أن ترامب، في حال عودته إلى الرئاسة، قد يسعى لتوسيع دائرة الضغوط على الصحفيين، خاصة مع تنامي الدعوات لتعديل قوانين الإعلام وقد أشار تقرير صادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” إلى أن الولايات المتحدة قد تتعرض لتراجع كبير في تصنيفها في مؤشرات حرية الصحافة، ما يضع ضغطًا على الديمقراطية الأمريكية نفسها.

ويُتوقع أن تشهد السنوات القادمة زيادة في الاعتقالات واستهداف الصحفيين في سياق الاحتجاجات أو التغطيات الصحفية للأحداث الكبرى مثل الانتخابات أو قضايا الأمن القومي.

بالإضافة إلى ذلك، قد يعكس تصاعد توترات العلاقة بين ترامب ووسائل الإعلام في الفترة المقبلة تحولًا في الأجندات السياسية للرئاسة الأمريكية، حيث سيتم التركيز على تعزيز الأمن القومي ومحاربة ما يسمى “الأخبار المزيفة”، وهو ما قد يفضي إلى مزيد من القيود على وسائل الإعلام التي تنتقد الحكومة.

في المقابل، يرى بعض المراقبين أن العودة المتوقعة للصحفيين والمنافذ الإعلامية التي تم استهدافها في ظل فترة ترامب الأولى قد تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ضوء احتمالات الضغط المباشر من قبل الحكومة.

على الرغم من المخاوف التي تُثار حول حقوق الصحفيين في ظل فوز ترامب، فإن العديد من الخبراء يعتبرون أن الوقت قد حان لإعادة التفكير في كيفية حماية الصحافة من الضغوط السياسية، مع تأكيد على ضرورة سن تشريعات جديدة تضمن حماية الصحفيين من الملاحقات القضائية وتوفير بيئة أكثر أمانًا للصحافة في الولايات المتحدة.

عصر من الرقابة والانتقام

وقال الإعلامي البارز توفيق قويدر، منذ تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، لم تكن علاقته بالإعلام مجرد علاقة مشحونة بالتوتر، بل شهدت تطورات دراماتيكية تركت أثراً عميقاً على حرية الصحافة، فالرئيس السابق اتخذ من الصحفيين هدفًا ثابتًا لهجوماته المتواصلة، متهمًا إياهم بالكذب، ومُقللاً من مصداقية وسائل الإعلام الكبرى مثل “سي إن إن” و”نيويورك تايمز”، ويمكن القول إن تصريحاته العدائية ضد الصحافة لم تكن مجرد خلافات في الرأي، بل شكلت تهديدًا مباشرًا لحرية الإعلام في الولايات المتحدة، إذا فاز ترامب في انتخابات 2024 وعاد إلى سدة الرئاسة، فمن المحتمل أن يعمق هذه السياسة ويعيد طرح السؤال حول مدى قدرة الصحافة على العمل بحرية في ظل الضغوط المتزايدة من السلطة.

وتابع في تصريحاته لـ”جسور بوست”، مثل هذه التصريحات من قبل رئيس دولة تعد في صميمها تهديدًا للمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها الأمة، ولا يقتصر دور الصحافة في الديمقراطيات الحديثة على نقل الأخبار، بل تمتد إلى دور رقابي حيوي على السلطة التنفيذية، عندما يُحارب الإعلام بهذا الشكل من قبل السلطة، فإنه يتعرض لخطر كبير يتمثل في فقدان استقلاليته، وبالتالي قدرته على ممارسة الدور الذي يُفترض أن يقوم به في أي نظام ديمقراطي، كما أن أسلوب ترامب في الهجوم على وسائل الإعلام لا يقف عند حدود التصريحات الكلامية، بل يمتد إلى ممارسات فعلية مثل منع الصحفيين من دخول البيت الأبيض، ومثل هذه الإجراءات قد تكون نادرة في الأنظمة الديمقراطية، لكنها أصبحت شبه اعتيادية تحت حكم ترامب، وكلما زادت حدة الهجوم على الصحافة، أصبحت الأمور تتجه نحو مزيد من القمع والتضييق على وسائل الإعلام المستقلة.

وأوضح أن المخاوف ستزداد من أن مثل هذه السياسات سوف تُعاد إلى الساحة بشكل أقوى وأكثر تأثيرًا، فالضغط على وسائل الإعلام سيزداد بشكل كبير، مما يؤدي إلى تقليص المساحة المتاحة للصحافة الحرة في التقارير الاستقصائية والنقدية، وفي هذا المناخ، سيكون الصحفيون عرضة لمزيد من القمع والانتقام، مما يؤدي إلى زيادة الرقابة الذاتية وتقييد حرية التعبير، منوها أن النتيجة الحتمية لمثل هذا الوضع هي تآكل دور الصحافة كسلطة رابعة، مما يضر بجوهر الديمقراطية ذاتها، في حال استمرار هذه الهجمات على الإعلام، فإننا قد نشهد تحولًا خطيرًا في النظام الإعلامي الأمريكي، فيصبح الإعلام ليس مراقبًا للسلطة بل جزءًا من آلة الدعاية الحكومية.

خطر حقيقي

وقال الخبير الحقوقي علي بن زايد، إن تهديدات دونالد ترامب المستمرة ضد الصحافة والصحفيين تمثل خطرًا حقيقيًا على حقوق الإنسان الأساسية، وتحديدًا حرية التعبير التي تشكل جزءًا أساسيًا من حقوق الإنسان كما هو منصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهذا الهجوم المستمر على الصحافة لا يشكل فقط تهديدًا لاستقلال الإعلام، بل أيضًا للمجتمع الديمقراطي ككل، ويعكس إشكالًا حقيقيًا في التوازن بين حرية الصحافة وحقوق الأفراد في التعبير.

وتابع في تصريحاته لـ”جسور بوست”، اتخذ ترامب سياسة عدائية تجاه وسائل الإعلام، واعتبر العديد من الصحفيين ووسائل الإعلام الكبرى أعداء له، واعتاد على تسويق هذه العداءات علنًا، وأطلق عليها البعض “حرب ترامب على الصحافة”، حيث استخدم لغة حادة تجاه الصحفيين واتهمهم بالكذب وتشويه الحقائق بل إن بعض الصحفيين، تم منعهم من دخول البيت الأبيض لمجرد طرحهم أسئلة انتقادية، وهذا النوع من القمع الإعلامي يعد انتهاكًا واضحًا لحقوق الصحفيين في الحصول على المعلومات، التي هي جزء من حق الجمهور في المعرفة.

وأكد على أن هذا يمكن أن يشكل تهديدًا جديدًا وخطيرًا لحرية الصحافة في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الحماية الدستورية بموجب التعديل الأول، فإن تطبيق هذه الحماية قد يواجه تحديات جديدة في ظل سياسات ترامب التي قد تسعى إلى تقليص هذه الحريات، ويمكن لتهديدات ترامب اتخاذ أشكال مختلفة، مثل القوانين التي تهدف إلى تشديد الرقابة على وسائل الإعلام، أو استخدام سلطته في القضايا القضائية لتهديد الصحفيين أو محاكمة وسائل الإعلام الناقدة.

وأضاف: من هنا فإن الصحفيين في الولايات المتحدة، وفي أي بلد آخر يعاني من مثل هذه التهديدات، يحتاجون إلى آليات قوية لحماية أنفسهم من الملاحقات القانونية أو المضايقات السياسية، ومن الضروري أن يستند الصحفيون إلى الحقوق الأساسية التي تكفلها القوانين الدولية والمحلية، فعلى سبيل المثال، تضمن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حماية حرية الصحافة وحق الأفراد في الحصول على المعلومات، أيضًا، من المهم أن يظل الصحفيون على دراية كاملة بحقوقهم القانونية في إطار العمل الصحفي، بما في ذلك حقهم في عدم الكشف عن مصادرهم.

وشدد بن زايد على أنه إذا واجه الصحفيون ملاحقات قضائية أو تهديدات بالاعتقال أو التنمر، يجب عليهم أولاً السعي إلى توثيق جميع الانتهاكات التي قد تحدث ضدهم، وذلك لتكون هناك قاعدة قانونية للدفاع عن حقوقهم أيضًا، ومن المهم أن يعمل الصحفيون في إطار مؤسسات إعلامية تحترم وتدافع عن حرية التعبير، مع ضمان توفير الدعم القانوني المناسب في حال حدوث أي تهديدات.

وتابع: في حال تعرُّض الصحفيين للهجوم المباشر من قبل سلطات سياسية، مثلما حدث في حقبة ترامب، ينبغي لهم العمل بالتعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية التي تدافع عن الصحفيين وحرية الإعلام، مثل “لجنة حماية الصحفيين” و”المنظمة الدولية لتبادل الصحافة”، ويمكن أن تكون الأساليب القانونية مثل رفع الدعاوى ضد الجهات الحكومية أو الأفراد الذين يهددون الصحافة خيارًا مهمًا لحماية الصحفيين إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون هناك حملات توعية عامة تسلط الضوء على انتهاكات حرية الصحافة، ما يساعد في تعزيز الضغط الشعبي على الحكومة للامتثال لالتزاماتها الدولية في حماية الصحفيين وحرياتهم.

وأتم، من المهم أن يكون هناك دعم مستمر للصحفيين من قبل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية التي تركز على حماية حرية الصحافة، والتأكيد أن الصحافة الحرة هي إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى