إيران

هل تلعب إيران دوراً داعشياً في المنطقة؟

هل يختلف الدور الذي تلعبه إيران يا ترى إذاً عن دور داعش، وكيف أن اللاعبين الكبار يبدأون بالتخلص من أدواتهم بعد أن تنفذ المهمات المطلوبة منها؟

بالرغم من كل المناوشات بين إسرائيل وإيران في المنطقة وآخرها الهجوم الإسرائيلي على سفارة طهران في دمشق، إلا أن المصالح المشتركة بين الطرفين لا يمكن أن تخفى على أحد، ويكفي أن إيران اليوم صارت أفضل أدوات إسرائيل في المنطقة. كيف؟ سؤال يبدو غريباً على ضوء الصراع المتصاعد بين الجانبين في الفترة الأخيرة، وهذا صحيح، لكن يكفي أن إسرائيل اليوم صارت تتقاسم مع إيران العداء للعرب. ولعبة تقاسم العداء هذه ليست جديدة، بل تحدث عنها كاتب المستقبليات الأمريكي الشهير جورج فريدمان، مسؤول الاستخبارات السابق، في اليوم الأول من هذا القرن أي قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، حين قال إن «أهم تحالف في بداية القرن الحادي والعشرين هو التحالف الإيراني الأمريكي الإسرائيلي». وقد تمثل ذلك كما بدا لاحقاً في توزيع الأدوار بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران في المنطقة.

وكلنا يتذكر الخدمات الجليلة التي قدمتها إيران لأمريكا في العراق وأفغانستان فيما بعد، وكيف كوفئت إيران بالتمدد داخل العراق وسوريا ولبنان واليمن بكل حرية، لا بل أفرجت لها أمريكا عن مليارات الدولارات مؤخرا. لكن كل شيء بحساب ومربوط بوقت محدد، فترك الحبل الأمريكي والإسرائيلي على الغارب لإيران كي تسرح وتمرح في المنطقة لفترة من الزمن ليس من دون مقابل وهذا يقودنا الآن إلى السؤال التالي: ما هي أوجه الشبه بين إيران وداعش في المنطقة؟ الجواب ليس صعباً أبداً، تعالوا فقط ننظر إلى الوظيفة التي لعبها تنظيم داعش منذ سنوات ونقارنه بالدور الإيراني.

هل تتذكرون قبل أعوام كيف اجتاح الدواعش العديد من بلدان المنطقة وسيطروا على أجزاء كبرى منها بسهولة فائقة؟ هل تتذكرون كيف سيطروا على الموصل في العراق بلمح البصر وكيف تمددوا في أنحاء متفرقة من العراق وسوريا، وكيف أزالوا الحدود بين البلدين في لحظة ما؟

هل كان ذلك نتيجة قوة التنظيم الخارقة، أم بتسهيل من القوى الكبرى التي تريد إعادة ترتيب وجه المنطقة وتقسيمها والسيطرة عليها بشكل جديد؟ فكما وجد العرب أن الغزاة الإيرانيون لا يقلون خطرا عن إسرائيل، أدرك الكثيرون في المنطقة أيضاً أنهم مستعدون للتحالف مع الشياطين ضد الدواعش بعدما رأوا ما فعلوه على أرض الواقع في أكثر من مكان.

هنا بدأ التدخل الدولي بقيادة أمريكا بالمنطقة بشكل مكثف وأكثر قوة، بدليل أن واشنطن شكلت تحالفاً دولياً كبيراً للتصدي للإرهاب الداعشي في سوريا والعراق وباقي المنطقة، وهو مازال قائماً حتى اليوم. اللعبة واضحة وبسيطة إذاً، أي أن القوى الكبرى تطلق علينا كلابها، ونحن بها من كلابها نستنجد كما قال أحمد مطر. وهذا ما حدث بالضبط مع داعش التي سلطوها على المنطقة، ثم جاءوا بحجة تخليص المنطقة من ويلاتها وخطرها.

ألا تنطبق لعبة الفزاعات الاستراتيجية نفسها اليوم على دور إيران ووظيفتها، على ضوء الحملة الإسرائيلية المتصاعدة ضد الوجود الإيراني في سوريا وغيرها؟ هل يا ترى كان لإيران أن تدخل إلى سوريا بهذه البساطة والسهولة مع عشرات الميليشيات الطائفية وتعيث دماراً وتخريباً وقتلاً وتهجيراً ونهباً وسلباً من دون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي؟ مستحيل، خاصة وأن من عادة إسرائيل أن تذهب إلى أقاصي الدنيا لتدمر هدفاً يمكن أن يشكل تهديداً لها بعد عشرات السنين من خلال ضربات استباقية شاهدناها في مناطق نائية جداً، وخاصة أفريقيا، فكيف تسمح لإيران وميليشياتها إذاً أن تصل إلى الجولان لتهدد إسرائيل مباشرة دون أن يكون هناك هدف إسرائيلي لاحق من وراء السماح لإيران بالتدخل في سوريا؟ هكذا يقول المنطق السياسي والاستراتيجي البسيط.

وهذا المنطق بدأ يتضح اليوم على ضوء الضربات القاصمة التي أخذت توجهها إسرائيل لإيران داخل إيران نفسها، ناهيك عن العراق وسوريا ولبنان، وكان آخرها استهداف السفارة الإيرانية بدمشق وإزالة مبنى القنصلية عن وجه الأرض. لهذا من حق السوريين اليوم أن يفرحوا بتقليم أظافر إيران في سوريا، لكن عليهم أن لا ينسوا أن الذين يقلمون أظافر إيران في سوريا اليوم هم أنفسهم الذين كانوا قد سمحوا لها بالدخول إلى سوريا في المقام الأول لأداء بعض المهمات كدق أسافين طائفية بين الشيعة والسنة وتفتيت البلاد وتهجير العباد، وهي إحدى الوظائف التي أداها تنظيم داعش أيضاً.

هل يختلف الدور الذي تلعبه إيران يا ترى إذاً عن دور داعش، وكيف أن اللاعبين الكبار يبدأون بالتخلص من أدواتهم بعد أن تنفذ المهمات المطلوبة منها؟ دلوني على فصيل أو جماعة أو تنظيم أو حتى نظام استخدمته أمريكا لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها إلا وقضت عليه فيما بعد بدءاً بمجاهدي أفغانستان وانتهاء بفصائل المعارضات العربية في مناطق عدة وخاصة في سوريا. كلنا شاهد الدعم الذي قدموه لتلك الفصائل السورية لفترة من الفترات وجعلوها ترابط على أبواب دمشق كجيش الإسلام وغيره، ثم في لحظة ما أعطوا الأوامر بسحق تلك الفصائل ومحوها عن الخارطة بعد أن أنهت المهام المنوطة بها. ألم تسمعوا بالمثل القائل إن المظلة تصبح عبئاً على حاملها بعد أن يتوقف المطر؟

فيصل القاسم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى