روسيا

هل تسرّع بوتين في قرار المواجهة مع الناتو؟

ليس من باب الصدفة أن تختار كييف كورسك، فهذه المنطقة لها دلالة في التاريخ السوفييتي، بأنها حسمت الحرب العالمية الثانية وشهدت على هزيمة الزعيم الألماني أودولف هتلر

يعتقد المؤرخ الروسي ألكسندر إتكيند أنه «كان بإمكان روسيا أن تستمر لسنوات أو عقود إذا لم تبدأ الحرب في أوكرانيا، لكنّ هذا الصراع سيوقع فرمان تفككها بطريقة سلمية أو عنيفة».

فهل تسرّع بوتين في أخذ قرار المواجهة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودخوله أراضي أوكرانيا وبات عليه اليوم التوقف عن استخدام القوى العسكرية المفرطة، وإطلاق التهديدات باستخدام القوة الردعية النووية لروسيا، والتوقف قليلالوضع قراءة هادئة رصينة ميدانية لمسار المعركة بعيدًا عن هدير المجنزرات وأصوات الطائرات والصواريخ؟

إلى مطلع شهر آب الجاري كانت الرياح تجري كما تتمناه سفن بوتين الجيوبوليتيكة، إلى أن بدأت التقارير الأمنية تتوالى من وزارة الدفاع الروسية عن إحباط جيشها تقدم للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك الحدودية بين البلدين، داخل الأراضي الروسية، لافته إلى أن قواتها واصلت قصف الجيش الأوكراني في المنطقة الواقعة بجنوب روسيا.

اعتبر الرئيس بوتين ما يحصل أنه «استفزاز كبير» وقال عقب اجتماع مع أعضاء الحكومة بشأن الوضع في كورسك إنه استمع إلى تقارير من الهيئات الأمنية الروسية لافتًا إلى أن «نظام كييف قام باستفزاز كبير جديد، ويطلق النار عشوائيًا» حسبما نقلت وكالات أنباء روسية. مهما كانت رد فعل روسيا سياسيا أو في الميدان إلا أنّ الواقعة هذه أخذت الحرب التي كانت تسير لصالح موسكو، بعدما حصل تقدم لجيشها في مناطق شرق أوكرانيا واحتلاله لأراضي أوكرانيا جديدة، منحنى مختلفا.

هناك من اعتبر أنها قد تشكل منعطف نحو إنهاء الحرب الدائرة على قاعدة «أرض مقابل أرض» لاسيما وإن كييف لاقت تأييدًا غربيًا واضحًا في عملياتها هذه.

إذ قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في بروكسل الخميس 8 آب أن التكتل يعتقد أن التوغل الأوكراني الأخير في منطقة كورسك الحدودية هو جزء من «الحرب الدفاعية المشروعة» للبلاد».

ليس من باب الصدفة أن تختار كييف كورسك، فهذه المنطقة لها دلالة في التاريخ السوفييتي، بأنها حسمت الحرب العالمية الثانية وشهدت على هزيمة الزعيم الألماني أودولف هتلر. فمعركة كورسك عام 1943 صنفت من قبل عدد كبير من المؤرخين أنها أكبر معركة دبابات عرفها التاريخ، عندما نجح الجيش الأحمر في وقف التقدم الألماني السريع محو موسكو، قبل أن يباشر بشن هجمات مضادة لاستعادة أراضيه.

إقرأ أيضا : ضربات الرد والرد المقابل والضحية تبقى غزة

ينتظر العالم ما ستؤول إليه المعركة في منطقة كروسك الروسية، وعلى أي أساس ستنتهي، وما إذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أبلغ حلفاءه في العملية، أم أنه أرادها تعويضًا عن هجومها المضاد الفاشل الذي شنّه الجيش الأوكراني في تموز عام 2023 ودفع بارتفاع حالات التذمر في صفوف داعميه الغربيين، وصلت إلى البعض منهم للمطالبة بوقف التمويل وتقديم الدعم.

ليست العملية الأمنية الروسية من يجب أن تعيد في صياغة الاستراتيجية الهجومية لموسكو بما يحاكي التطورات الميدانية بعيدًا عن «العناد» و«التصلب» في المواقف. فهناك أزمة قديمة مستجدة طرحت في الإعلام الروسي وهي داخلية وتتحدث عن أزمة حقيقية في العامل الديمغرافي.

عادت الجهات المختصة في روسيا مجددًا لتدق ناقوس الخطر حول استمرار الأزمة الديمغرافية رغم الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمعالجة هذه القضية التي تعد واحدة من أبرز التحديات الرئيسية التي تواجهها في الوقت الحاضر. وجاءت هذه التحذيرات من أكثر من مؤسسة حكومية ومدنية أكدت عدم فعالية هذه الإجراءات وضرورة إعادة النظر فيها ومن بينها تقرير مركز «التحليل والتنبؤ بعمليات الاقتصاد الكلي» الذي يرأسه ديمتري بيلوسوف (شقيق وزير الدفاع أندريه بيلوسوف، والذي أشار إلى أرقام سلبية، معتبرة أنه ولد عام 2023 1.264 طفل، وهو رقم قياسي سلبي نسبة إلى عام 1999 والذي من المرجح أن يواصل الانخفاض ليصل إلى 1.14 مليون عام 2027.

التمهل النصيحة الأقوى التي ممكن أن تقدم إلى الحليف الروسي من قبل محور الممانعة، لاسيما وإن هناك غيابا شبه تام لأي تحركات عسكرية من قبل الجانب الصيني. فبكين ورغم «الاستفزاز الأمريكي الكبير» في بحرها الجنوبي أو في جزيرة تايوان لم تزل تتروى في الرد دون أن تنجر إلى استفزازت مزعجة لها قد يجرها إلى ما تريده اشنطن من توريطها في حرب كبرى في المنطقة يصبّ لصالح واشنطن دون سواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى