بعد أيام قليلة من تنفس الفلسطينيين في قطاع غزة الصعداء، لينفضوا عنهم رماد الحرب والموت والحزن، يواجه القطاع خطر عودة القصف مجدداً بعد التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اتفاق وقف إطلاق النار سينهار حال عدم إعادة المحتجزين ظهر السبت المقبل، وبمباركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي هدد بفتح أبواب الجحيم، ما لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في ذات الموعد، كما هو مقرر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبين التهديدين، يقف سكان غزة في مفترق طرق مهددين إما بالتهجير أو الموت قصفاً، وهم بالأساس لم يلملموا شتاتهم بعد أو يضمدوا جراحهم الغائرة.
ورغم قوة هذه التهديدات إلا أن حماس قابلتها بالعناد والتعنت فأرجأت إطلاق سراح الأسرى، واتهمت إسرائيل بانتهاك بنود الاتفاق. كما كشفت حركة حماس عن خروقات عديدة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة على مدى الـ 23 يوماً الماضية، منها منع إدخال 50 شاحنة وقود يومياً، وأن ما دخل خلال 23 يوماً يقل معدله عن 50% من المتفق عليه. كما أكدت أنه لم يتم أيضاً إدخال الخيام بكمياتها المتفق عليها، حيث لم يدخل إلى القطاع سوى 53 ألفاً و47 خيمة من أصل 200 ألف، في حين لم يدخل أي كرفان من أصل 60 ألفاً على الأقل، وتأخير عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة واستهدافهم بالقصف وإطلاق النار في مختلف مناطق القطاع.
لكن التطور الأهم في الأزمة، هو إصرار ترامب على الاستمرار في تأكيد أن غزة باتت «قطعة عقارية»، ويريد تملكها، وتهجير أهلها، ولن يسمح لهم بالعودة، وأنها ستتبع الولايات المتحدة، وأنه ينوي شخصياً الإشراف على تحويلها إلى ما يُسميه «ريفييرا» الشرق الأوسط، وأيضاً قطع المعونات عن مصر والأردن في حال رفض استقبال الغزيين، في تلويح بضرب أسس أهم عملية سلام عقدت في المنطقة، وهي اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
ربما بعد هذه التصريحات، شعر الزعماء العرب بالقلق من أن قرار حركة حماس بتعليق صفقة تبادل الأسرى، قد يؤدي إلى تعطيل المفاوضات واستئناف الحرب في غزة التي يدفع فيها سكان القطاع الفاتورة، وتعطيل قدرتهم على إعادة بناء حياتهم والتعافي من الدمار الذي خلفته الحرب، وستعمق مأساتهم الممتدة لحوالي سنة وأربعة أشهر.
وعلى صعيد حماس، فهي ليس أمامها شيئاً لتخسره بعدما خسرت وجودها السياسي في غزة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة التي أبادت القطاع، ولم تترك مكاناً فيه إلا وحولته إلى خراب، كما أن الاحتلال الإسرائيلي نفسه يريد اللعب على جميع الأوتار الحساسة بل ويرغب في إحراق حماس بورقة الأسرى واستفزاز الدول العربية المجاورة وإشعال نيران الحرب في المنطقة، خاصة بعد لقاء نتنياهو مع ترامب والذي أسفر عن مطالبة الرئيس الأمريكي لمصر والأردن باستقبال الغزيين في تأييد واضح وصريح لإسرائيل.
ومازال الشعور بالقلق من قرار حماس، واستئناف الحرب في غزة يشغل المنطقة خاصة وأن هناك نية إسرائيلية مبيتة لإعاقة عملية تعافي قطاع غزة وإبقاء الأوضاع الكارثية على حالها، وإعاقة عملية إعادة الإعمار لتحقيق مكاسب سياسية إسرائيلية على حساب مليوني إنسان في قطاع غزة مازالوا يعانون من آثار الكارثة والإبادة الجماعية.
لذلك فإن أول خطوة في تصحيح المسار، هي ما دعا إليه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن تتنحى «حماس» عن المشهد، لأن المصلحة الفلسطينية، والعربية، تقتضي ذلك، وتنحي الحركة أقل ضرراً من القضاء على غزة بالكامل والمساس بأمن الدول المجاورة، وإعادة التطرف والإرهاب إلى المنطقة.
لذا فإن على الدول الإقليمية الكبرى، بما فيها الوسطاء، مسؤولية كبيرة في ذلك، فمع تقديم المساعدات الإنسانية لابد من إقناع حماس باستئناف الصفقة والتنحي جانباً من أجل وقف إطلاق النار في غزة، كما من المهم ممارسة السياسية الناعمة مع إسرائيل التي تحتمي بترامب دائماً، وإقناعها بأن مصلحتها من مصلحة إطلاق سراح أسراها من قبضة حماس خاصة وأن الشارع الإسرائيلي يشتعل غيظاً وغضباً من حكومته التي تضحي بالأسرى مقابل مستقبلها السياسي وإظهار بأنها فازت في الحرب على حماس.
إقرأ أيضا: وقف صفقة الأسرى سيعرقل اليوم الثالي لما بعد الحرب
فمن يُقنع الطرفين بأن الفائز في هذه الحرب خاسر، لأن هناك منطقة تشتعل وأسرى ينتظرون ذرة أمل للعودة لأحضان وذويهم وأيضاً مليوني مواطن في غزة يردون التهدئة والعودة لبيوتهم وتعمير القطاع من جديد.