هل تتم صفقة التبادل والهدوء المستدام هذه المرة؟
على الرغم من الضغوط المتعاكسة، فإنّ ما تضمنه خطاب بايدن يمثل جوهريًا المقترح الذي أقرته إسرائيل، فنتنياهو يراوغ ويماطل، ويرسل رسائل متناقضة توحي بأنه ملتزم بإتمام صفقة التبادل تارة، وبرفضها تارة أخرى، ويقبلها ويرفضها في الوقت نفسه تارة ثالثة
وَضَعَ خطابُ الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قدم فيه المقترح الإسرائيلي مع لمساته، رئيسَ الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في موقف صعب، وأصعب مما سبق، فهو من جهة، يتعرض لضغط أميركي غير مسبوق، مترافق مع ضغط من أهالي الأسرى والمحتجزين وأنصارهم الذين يضغطون لإتمام صفقة التبادل. ومن جهة أخرى، يتعرض لضغط من حزبه وحلفائه الأكثر تطرفًا الذين هددوا بإسقاط الحكومة إذا وافق على صفقة الاستسلام.
على الرغم من الضغوط المتعاكسة، فإنّ ما تضمنه خطاب بايدن يمثل جوهريًا المقترح الذي أقرته إسرائيل، فنتنياهو يراوغ ويماطل، ويرسل رسائل متناقضة توحي بأنه ملتزم بإتمام صفقة التبادل تارة، وبرفضها تارة أخرى، ويقبلها ويرفضها في الوقت نفسه تارة ثالثة، من خلال الموافقة عليها، والتأكيد على التمسك بتحقيق الأهداف الإسرائيلية من الحرب.
الخلاصة المتوقعة من كل ما تقدم، أن نتنياهو سيحاول نسف إمكانية الاتفاق من خلال إجراء أو تقديم تعديلات وإضافات خلال المفاوضات تؤدي إلى نسف المفاوضات، وثانيًا من خلال تصعيد الحرب في غزة وعلى الجبهة الشمالية، ووضع خطط لاستبدال حكم “حماس”.
تفسير موقف نتنياهو المتناقض لتفسير موقف نتنياهو، لا يكفي القول إنه خاضع لابتزاز الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وأعضاء في الليكود، وتهديدهم بإسقاط الحكومة، فهو يعرف أنهم سيفكرون طويلًا قبل الإقدام على هذه الخطوة التي ستجعلهم يغادرون مقاعد الحكومة، والذهاب إلى انتخابات مبكرة غير مضمونة النتائج. وفي الوقت نفسه، ستمر صفقة التبادل، وهذا سيفتح باب التحقيق بالإخفاق التاريخي الذي وقع في السابع من أكتوبر والمستمر بعده بالعجز عن تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب.
ما سبق يعني أن نتنياهو يستخدم تهديد حلفائه وزملائه في الليكود لتبرير مماطلته بقبول الصفقة، كما يستخدم حرصه على البقاء السياسي في الاتجاه نفسه، مع أنه يلاحظ أن الاستطلاعات الأخيرة بيّنت أنه بات يتقدم على بيني غانتس، وأن الفروق في المقاعد التي يحصل عليها الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة باتت أقل من السابق، لدرجة لم تعد المعارضة قادرة على تشكيل الحكومة إذا جرت الانتخابات الآن. وإذا استمر هذا الاتجاه في الاستطلاعات فسيصبح نتنياهو مؤيدًا لإجراء انتخابات مبكرة.
نتنياهو يعتقد أنه قادر على تحقيق النصر المطلق!
لا يرغب نتنياهو في إتمام صفقة التبادل، ليس خشية من سقوط الحكومة، ولا من أجل بقائه السياسي فقط، وإنما لاعتقاده بأنه قادر على تحقيق النصر المطلق الذي طالما تحدث عنه، والذي من دونه ستكون إسرائيل في وضع صعب، وستضرر مكانتها ودورها الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
ما يعزز هذا التقدير أن معظم أعضاء الحكومة ومجلس الحرب، إن لم نقل كلهم، مع مواصلة الحرب مع أو من دون إتمام صفقة التبادل، وهذا يعني أن إنهاء الحرب أو الهدوء المستدام إن تحقق فعلى الأرجح لن يستمرَ طويلًا.
وهذا الأمر؛ أي صفقة التبادل والهدوء المستدام، سيحقق لبايدن ما يريده حتى يستعيد أو يمكن أن يستعيد فرصه في الفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بعد تراجع شعبيته وفرصه على خلفية موقفه الشريك لإسرائيل في حرب الإبادة، وهو يُرضي كذلك أهالي الأسرى والمحتجزين وأنصارهم، وكل المعسكر الذي يعطي الأولوية لصفقة التبادل.
سيناريوهات محتملة
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لصفقة التبادل، وهي:
السيناريو الأول: استمرار الحرب مع استمرار المفاوضات للتوصل إلى صفقة تبادل. وفي هذه الحالة، تستخدم المفاوضات – كما حدث حتى الآن – للتغطية على استمرار الحرب.
السيناريو الثاني: عقد صفقة للتبادل تؤدي إلى هدوء مستدام، ويتضمن هذا السيناريو إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، واستئناف الحرب بعدها، سواء أفاز بايدن أم ترامب، مع أنّ نتنياهو يراهن على فوز ترامب؛ لأنه سيكون أكثر حرية في استئناف الحرب، والمضي في مخطط تصفية القضية الفلسطينية.
السيناريو الثالث: بدء المرحلة الأولى من صفقة التبادل، وعدم تطبيق المراحل الأخرى، وما يعزز ذلك التصريحات التي تشي باستئناف الحرب إذا لم تلتزم “حماس” بتطبيق الشروط المتفق عليها.
وفق أي سيناريو ستسير الأمور؟
يتوقف ذلك على مجموعة من الأمور، وهي:
أولًا: هل ستُمارس إدارة بايدن ضغوطًا جدية على حكومة نتنياهو، أم يعدّ خطاب بايدن إبراء لذمتها، وستواصل عملية الخداع التي دأبت عليها منذ بداية الحرب وحتى الآن؛ إذ تعارض من دون أن تضع ثقلها وراء ما تعارضه، وتقبل التصعيد الإسرائيلي بعد أن يُمارس، وما حصل في رفح أكبر دليل. فإدارة بايدن صدعت رؤوسنا بالتحذير من الإقدام على معركة رفح وعواقبها، وعندما اقتحمت القوات الإسرائيلية المدينة بالتدريج، اعتبرت واشنطن أن قوات الاحتلال لم تتجاوز الخط الأحمر حتى بعد المجازر التي وصلت حد ارتكاب محرقة راح ضحيتها أكثر من 40 شهيدًا و200 جريح.
ثانيًا: هل سيستقيل بيني غانتس وغادي آيزنكوت من الحكومة، ويقرر حزبهما رمي ثقله الجماهيري ضد الحكومة، حيث تنتقل المظاهرات المعارضة للحكومة من الآلاف إلى عشرات ومئات الآلاف؟
ثالثًا: هل ستواصل شعبية نتنياهو في الارتفاع وتقليص الفارق بين مقاعد أحزاب الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة؛ ما سيؤدي إلى الكف عن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة؟
هناك نافذة أمل ليست كبيرة بإتمام الصفقة التي يؤيدها 40% من الإسرائيليين، لذا الحذر واجب، ومن الضروري استمرار الضغوط من مختلف الأطراف لوقف حرب الإبادة والانسحاب، وإتمام صفقة تبادل أسرى حقيقية، وإعادة الإعمار، ومواصلة الكفاح لدحر الاحتلال وإنجاز الاستقلال على طريق تحقيق الأهداف والحقوق الأخرى.
ولكن، ما أصبح واضحًا أن هزيمة المقاومة أمر مستحيل، على الرغم من الخسائر الفلسطينية الهائلة، بدليل أن 42% من الإسرائيليين يعتقدون باستمرار حكم “حماس” في قطاع غزة، واستمرار الصمود والعمليات التي تكبد قوات الاحتلال خسائر ملموسة، فضلًا عن تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة الإسرائيلية التي تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه؛ إذ لا تقدر على تحقيق الانتصار المطلق، وتخشى من عواقب عدم تحقيقه.