روسيا

هل تبدد الدفء في علاقة ترمب وبوتين؟

سيواجه بوتين ضغوطاً متزايدة، إذ سيسعى ترمب لنيل الاحترام بدلًا من التملق. وفي الجانب الشرقي، يراقب شي جينبينغ وكيم جونغ أون أي علامة ضعف قد يبديها ترمب وهو ما قد يشكل فرصة لهما لتعزيز نفوذهما على الساحة الدولية

من المؤكد أن علاقة دونالد ترمب بفلاديمير بوتين كانت دائماً معقدة. ففي فترة ولايته الأولى، بدا أن ترمب يكن إعجاباً خاصاً لهذا “الرجل القوي” الروسي، فكان يرى فيه شخصاً ذكياً وجريئاً وسلطوياً وجشعاً، وهي صفات يتشابه بها مع نفسه. في قمة هلسنكي عام 2018، تجاوز ترمب حدوده عندما أعلن علناً أنه يثق بكلام بوتين أكثر من ثقته بكلام وكالات الاستخبارات الأميركية. وهذا التصريح أثار حالاً من الذهول والقلق بين المراقبين الذين تساءلوا عن المعلومات الخطيرة التي يمتلكها بوتين عن الرئيس الأميركي، ليدفعه إلى التصرف على هذا النحو، وكأنما نحن أمام مشهد من فيلم “المرشح المنشوري” Manchurian Candidate. [يشير التعبير إلى الفكرة التي تنطوي على خضوع زعيم سياسي لنفوذ أو سيطرة قوة أجنبية. المصطلح مأخوذ من رواية وفيلم عن جندي أميركي تم غسل دماغه ليصبح عميلاً غير واعٍ لمصلحة العدو].

ثم، بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، عاد ترمب ليشيد ببوتين مجدداً، هذه المرة لجرأته. وفي فعالية لجمع التبرعات في منتجع مارالاغو، قال ترمب: “يقولون إن ترمب قال إن بوتين ذكي. أعتقد بأنه يستولي على بلد مقابل عقوبات لا تتجاوز قيمتها دولارين… هذا ذكاء حقيقي”.

اقرأ أيضا.. العلاقة الخاصة بين لندن وواشنطن في خطر لكن ليس بسبب ستارمر

بعد ذلك، قال ترمب إنه يمكنه إنهاء الحرب في يوم واحد، وهو أمر فُهم على نطاق واسع أنه يعني نيته إجبار فولوديمير زيلينسكي على الاستسلام والسماح لبوتين بالاحتفاظ بمكاسبه غير القانونية من الأراضي.

لكن الوضع اختلف الآن. يبدو أن الدفء قد زال من العلاقة الودية بين ترمب وبوتين. هل يمكن أن يكون السبب هو أن علاقتهما بدأت تتحول من صداقة إلى تنافس، كما يحدث مع رجلي عصابة في مدينة صغيرة لا تتسع لكليهما؟.

ربما لم تعُد مصالحهما متوافقة تماماً لأن الرئيس الأميركي الذي أعيد انتخابه حديثاً لا يريد أن يرى بوتين يزداد قوة. ولا يريد أن تشهد رئاسته انتصاراً روسياً في أوكرانيا فيما سيُنظر إليها حتماً في جميع أنحاء العالم على أنها هزيمة أخرى لأميركا (وترمب). كما سيُنظر إلى المسألة على أنها تكرار للكارثة في كابول، حيث كان الانسحاب الفوضوي لقوات الحلفاء، خلال الأشهر الأولى من رئاسة جو بايدن قد تقرر مسبقاً بموجب اتفاق الاستسلام الذي خُدع ترمب لتوقيعه مع “طالبان”.

على أي حال، هناك بالتأكيد غياب للعلاقة القديمة. عندما قال بوتين بنية خبيثة إنه يدعم كامالا هاريس في الانتخابات ربما كان يمزح، لكن منذ يوم الانتخابات، التزمت موسكو الصمت تجاه ترمب، باستثناء الإشادة بشجاعته في مواجهة محاولات الاغتيال السابقة.

بوتين كذلك تأنى في تهنئة نظيره الأميركي. وتبنى الإعلام التلفزيوني الموالي للكرملين الذي كان عادةً متملقاً تجاه ترمب، نبرة أكثر تشككاً هذه المرة مقارنة بما كانت عليه الحال عند انتخابه عام 2016.

بالطبع، عندما تمكن الرجلان أخيراً من التحدث عبر الهاتف، بدا أن ترمب لم يكُن سهل الانقياد كما كان في السابق، بل كان أكثر تهديداً، كالمجرم الذي يحذر منافسه من التعدي على أراضيه. ووفقاً للتقارير الأميركية، ذكر ترمب لبوتين “الوجود العسكري الكبير لواشنطن في أوروبا” وحذره من تصعيد الحرب في أوكرانيا. ولا أحد من رجال العصابات يريد أن يفقد ماء وجهه قبل مراسم تتويجه الذي سيكون في الـ20 من يناير (كانون الثاني) عام 2025.

أما ما جاء في مكالمة ترمب مع زيلينسكي، مع تدخل إيلون ماسك في بعض النقاط، فهو أقل وضوحاً. ومع ذلك، نحن نعلم أن ماسك دعم أوكرانيا بصورة حيوية من خلال الوصول إلى شبكات الأقمار الاصطناعية الخاصة به “ستارلينك”، وإن لم يكُن في شبه جزيرة القرم المحتلة. لكن من الصعب فهم العلاقة بين ماسك وبوتين.

في النهاية، للأسف، الحقائق على الأرض تظل الأهم. حتى أولئك الذين يفضلون تدخل الـ “ناتو” لإجبار روسيا على الخروج من القرم وشرق أوكرانيا يعلمون أن ذلك لن يحدث.

لقد دعم الغرب الأوكرانيين بما يكفي لمنحهم الأمل والصمود وعدم الخسارة – لكنه لم يمنحهم أبداً ما يكفي للفوز. وهناك فرصة ضئيلة أن يفعل ترمب ذلك أيضاً. شئنا أم أبينا، ستكون هناك ”تسوية“ على السلام، ولكن ترمب مُعتدّ بنفسه كثيراً، وأميركا قوية جداً، بحيث لا يمكن أن يكون ذلك بشروط سهلة للرئيس بوتين.

في نهاية المطاف، أوكرانيا “قطعة أرض عظيمة فيها كثير من الناس”، وقد تكون ذات فائدة للولايات المتحدة – حتى لترمب نفسه. ويفتخر الرئيس المنتخب ترمب الشهير بكونه سيد “فن الصفقات”، ولن يكون هناك أي شيء بالنسبة إليه إذا سمح لبوتين بالسيطرة على البلاد. وقد تبرأ من “مستشاره” بريان لانزا لأنه أشار إلى أن الدفاع عن أوكرانيا ليس في مصلحة الولايات المتحدة، على رغم أن دونالد ترمب الابن نجا من هذا المصير بعد أن نشر سخرية طفولية عن زيلينسكي.

يبدو من الواضح، في الواقع، أن ترمب لن يرغب في أن تكون مبادرته الخارجية الكبيرة الأولى في أوكرانيا إذلالاً مهيناً، وسيحتاج في الأقل إلى قبول زيلينسكي والحلفاء الأوروبيين بالصفقة، مهما كانت.

سيتعرض بوتين للضغط. ففي نهاية المطاف، يتوق ترمب إلى الاحترام أكثر من التملق – وهناك اثنان من رجال العصابات العالمية المغرورين على “الجانب الشرقي”، وهما شي جينبينغ وكيم جونغ أون اللذان سيرصدان أي علامات ضعف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى