هل تؤدي قطر دوراً في تخفيف الاحتقان بين “فتح” و”حماس”؟
ويأتي السجال بين "فتح" و"حماس" في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن رغبة أمريكية غربية لإصلاح السلطنة الفلسطينية، وتمكينها من القيام بدور ما في إدارة قطاع غزة بعد الحرب
في ذروة المحنة التي يعيشها سكان قطاع غزة، يعود الانقسام الفلسطيني إلى الواجهة، عقب التراشق الأخير بين حركتي “فتح” و”حماس”، على خلفية تكليف رئيس جديد للحكومة من قبل رئيس السلطة محمود عباس.
فحركة “حماس” أعلنت رفض خطوة عباس، معتبرةً إياها “قراراً فردياً” اتّخذ دون التشاور مع الحركة؛ رغم مشاركتها في اجتماع موسكو بهدف إنهاء الانقسامات في الصف الفلسطيني.
تراشق وحدّة في الخطاب المتبادل بين الحركتين، جاء في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن ضرورة توحيد الصف الفلسطيني، فهل تيمم الأطراف الفلسطينية وجهها نحو قطر لتجنب مزيداً من الانقسام؟
ماذا حدث؟
مساء الخميس الماضي الموافق 14 مارس، أعلن عباس تكليف المستشار محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الجديدة، خلفاً لمحمد أشتيه الذي استقال تحت وطأة الضغوطات التي أفرزها العدوان الإسرائيلي على غزة.
خطوة عباس أثارت حفيظة حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى، حيث رأت فيها تجاوزاً للشراكة، وتكريساً للتفرد، في الوقت الذي تُبذل فيه جهود كبيرة لإنهاء الانقسامات القائمة.
وأعربت الحركة والفصائل عن “رفضها لاستمرار نهج السلطة الفلسطينية الذي ألحق وما يزال الضرر بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية”، مشيرةً إلى أن “اتخاذ القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون، كتشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني؛ هي تعزيز لسياسة التفرد وتعميق للانقسام، في لحظة تاريخية فارقة”.
حركة فتح بدورها أصدرت بياناً شديد اللهجة ضد حركة “حماس”، محملةً إياها مسؤولية ما أسمتها “النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة”.
وأشارت إلى أن “حماس لم تتشاور مع القيادة الفلسطينية، أو أي طرف وطني فلسطيني، عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضي، والتي قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948”.
ويأتي السجال بين “فتح” و”حماس” في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن رغبة أمريكية غربية لإصلاح السلطنة الفلسطينية، وتمكينها من القيام بدور ما في إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وهو ما ترفضه السلطة ظاهرياً، ومن غير المعلوم ما إذا كانت ستنخرط فيه مستقبلاً.
اللجوء لقطر
يعتقد الفلسطينيون أن اتساع الهوّة بين “حماس” و”فتح” يخدم “إسرائيل” ويضعف موقف المقاومة والشعب، خصوصاً أنه يأتي في الوقت الذي يعدّ فيه الاحتلال العُدّة لاجتياح رفح، وهو الهجوم الذي ستكون له انعكاسات كارثية على القضية الفلسطينية.
ويبدو أن السلطة الفلسطينية ستتجه نحو قطر بحثاً عن مخرج من مأزق التراشق الأخير، الذي جاء في توقيت غير مناسب، ويوم السبت (16 مارس)، أجرى الرئيس عباس اتصالاً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بحث معه عدة قضايا من بينها الوضع في غزة والضفة والقدس.
ويوم 12 فبراير الماضي، زار الرئيس الفلسطيني الدوحة، وحينها أبلغ أمير قطر ترحيب السلطنة بأي دور قطري في الوساطة بين حركتي “فتح” و”حماس”، وفقاً لقناة “الشرق بلومبيرغ” السعودية.
وبحسب “الشرق”، فقد أبلغ عباس أمير قطر حينها استعداد حركة “فتح” للعودة إلى مسار المصالحة وإنهاء الانقسام من خلال حوار جدي مع “حماس” بشأن دخول الأخيرة لمنظمة التحرير وفق قواعد تبقي المنظمة مقبولة دولياً.
وبعد التراشق الأخير، بدأ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، الاثنين (18 مارس)، زيارة إلى الدوحة لإجراء مشاورات ثنائية مع القيادة القطرية، دون توضيح تفاصيلها.
وذكر بيان عن مكتب الشيخ أنه “سيزور بعدها العاصمة البحرينية المنامة، ومن ثمة مدينة جدة السعودية؛ لإجراء مشاورات ثنائيه ومطولة حول مختلف القضايا المستجدة”.
الاصطياد في الماء العكر
بيان حركة “فتح” تجاوز مسألة الرد على بيان “حماس” والفصائل الفلسطينية، ووفقاً للكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة، فإنه “حاد في اللهجة، ولم يرد فقط على الجزئية المتعلقة بالحكومة”.
وأضاف عفيفة في تصريح لـ”الخليج أونلاين” أن بيان حركة فتح “حاول استغلال الأزمة والظرف الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وحاول الاصطياد في الماء العكر، من خلال تحميل حماس مسؤولية نتائج الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني، وحالة الإبادة الجماعية”.
ولفت إلى أن مجرد صدور البيان والرد بهذا الشكل “يعطي إشارة سلبية”، مشيراً إلى أن “حجم التضحية يفوق كل الحكومات والبيانات والمواقع السلطوية، وحجم العدوان والمعركة أكبر من حكومة محمد مصطفى أو أشتيه، أو السلطة كلها”.
وأكد أنه كان يفترض أن ترقى لغة بيان “فتح” إلى حجم التضحيات، وأن “تبقى البوصلة موجهة للعدو الصهيوني، باعتباره العدو الأوحد، وألا تمارس أي خطابات داخلية تحاول أن تتحدث عن مغامرة ومقامرة، وكأنها تبرئ الاحتلال من دماء الشعب الفلسطيني”.
واعتبر أن “هذا أمر خطير؛ لكون تلك اللغة عادة ما يستخدمها الناطق باللغة العربية باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وتكرار هذا الخطاب أمر خطير”.
ونوّه عفيفة بأن رد حركة فتح “تعرض لحركة حماس فقط، رغم أن الموقف عبرت عنه عدة فصائل، من ضمنها فصائل موجودة في منظمة التحرير، مثل الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية، واكتفى بمهاجمة حماس”.
واستطرد قائلاً: “هذه مصيدة وقع فيها الجميع، وأول من وقع فيها حركة فتح، لأنها انجرت وراء مواقف السلطة؛ لأنه عملياً من يتعرض للإبادة في غزة ومن يواجه ويقاوم كل الشعب الفلسطيني، وليس حماس، والمقاومة ليست حكراً على حماس”.
ويبيّن أن بيان حركة “فتح” كان بمنزلة “مغامرة؛ لكون الحركة وضعت نفسها ضمن سياق فيه تشكيك بالمقاومة، وبتضحيات الشعب في هذا التوقيت، ويسيء للجميع بالتأكيد”.
الدور القطري الفاعل
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة أن دور قطر كان فاعلاً وأساسياً، وربما محورياً طوال السنوات الماضية، وحتى خلال الأيام الأخيرة.
ونوّه بأن “الدوحة جمعت أطرافاً وأقطاباً كانت متنافرة، من بينها قيادات في حركة فتح، مثل جبريل الرجوب، وغيره، وأيضاً قيادات حماس كانت حاضرة، وقيادات من تيار محمد دحلان، سواء سمير المشهراوي، أو دحلان نفسه”.
وشدد على أن “التحدي أكبر بكثير من أي محاولات للاستفراد بالساحة الفلسطينية، وأنه يجب ألا يُسمح لأطراف خارجية -على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية- بإعادة هندسة المشهد الفلسطيني بما يخدم الاحتلال والأجندة الأمريكية”.
وقال عفيفة: “كانت هذه الأرضية التي يدور حولها الحديث، واللقاء على قاعدة وطنية، وليس على قاعدة من يحكم غزة، أو من يستأثر بالإدارة”.
واستطرد قائلاً: “أعتقد أنه قدمت أفكار، والكثير من المبادرات، كان جزء منها إيجابياً، وكان يفترض استكماله، وهو أن يحضر الفلسطينيون أنفسهم لليوم التالي للحرب، كما حاول الاحتلال والأمريكان أن يحضروا أنفسهم أيضاً لليوم التالي بناء على أجندتهم”.
وأشار إلى أن السلطة رغم كل ذلك مضت في موضوع تغيير الحكومة، مشيراً إلى أن هذا لم يكن مطلباً وطنياً، بل استجابة للضغوط والمطالب الأمريكية، وليس استجابة لنتائج اللقاءات الوطنية الفلسطينية.