أمريكا

هل بات الغرافيت قضية أمن قومي للولايات المتحدة؟

سيطرة الصين على سلاسل توريد الغرافيت العالمية، من حيث الإنتاج أو التكرير، هي الأشد إحكاماً بين جميع المعادن الحرجة الرئيسية اللازمة للبطاريات، في حين أن الولايات المتحدة لم تستخرج الغرافيت منذ عقود عديدة.

لا يظهر الغرافيت، المادة الموجودة في أقلام الرصاص، في الموضوعات والأخبار المثيرة عادةً؛ فهي حكر على مواد مثل اليورانيوم والذهب. لذا لا يتوقع المرء من عضو في مجلس الشيوخ أن يتحدث عنها في مؤتمر صحفي غامض إلى حد أن يبدأ كلمته بعبارة: “الديكتاتوريون قادمون”.

المتحدث كان دان سوليفان، العضو الجمهوري عن ولاية ألاسكا بلجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. كان سوليفان يتحدث في غرفة اجتماعات عادية في مبنى الكونغرس الأسبوع الماضي، عند الإعلان عن صفقة بين شركة “غرافيت وان” (Graphite One)، وهي شركة ناشئة تجري دراسة جدوى على أحد مكامن الغرافيت الكبرى في ألاسكا-الأكبر في أميركا الشمالية- و”لوسيد غروب”، وهي شركة مصنعة للسيارات الكهربائية الفاخرة.

باعتبارها اتفاقية تجارية، تعد هذه خطوة حاسمة لشركتين لديهما طموحات كبيرة، ولكن لا يزال أمامهما الكثير لتحقيقه.

كان سوليفان يذكّر الحضور بالأهمية الكبيرة لهذه الصفقة. وقال إنه في الليلة السابقة، وعلى بعد آلاف الأميال في سماء بحر بيرنغ، اعترضت طائرات مقاتلة أميركية وكندية دورية مشتركة لقاذفات روسية صينية في المجال الجوي الدولي بالقرب من ألاسكا، وهي المرة الأولى التي تجري فيها هاتان الدولتان مثل هذه التدريبات المشتركة على أعتاب القطب الشمالي من ناحية أميركا الشمالية.

معدن يزداد أهمية

يكتسب الغرافيت أهمية لخموله (عدم تفاعله مع العناصر الكيماوية الأخرى)، وهو محور التقارب المتزايد بين السيطرة على المعادن الحيوية، وتحول الطاقة، والأمن القومي.

الغرافيت هو أحد أشكال الكربون، وأكبر مكونات بطارية السيارات الكهربائية وزناً، ويشكل معظم حجم الأنود (القطب الذي يمتص أيونات الليثيوم في أثناء الشحن ويطلقها عندما تكون هناك حاجة إلى الطاقة). كما أن له تطبيقات دفاعية-مثل مكونات المحركات النفاثة التي تعمل على تشغيل الطائرات أو الصواريخ الاعتراضية.

وسيطرة الصين على سلاسل توريد الغرافيت العالمية، من حيث الإنتاج أو التكرير، هي الأشد إحكاماً بين جميع المعادن الحرجة الرئيسية اللازمة للبطاريات، في حين أن الولايات المتحدة لم تستخرج الغرافيت منذ عقود عديدة.

تمثل الصفقة بين “غرافيت وان” ولوسيد” المرة الأولى التي يزود فيها مصدر أميركي للغرافيت تلك المادة، لشركة أميركية مصنعة للسيارات الكهربائية.

حتى مع إجراء دراسة الجدوى على مكمنها في ألاسكا-بمساعدة منحة من البنتاغون، على وجه الخصوص-تخطط “غرافيت وان” أيضاً لتطوير مصنع في أوهايو لإنتاج الغرافيت الاصطناعي (المشتق من البتروكيماويات). في غضون ذلك، تهدف “لوسيد” إطلاق سيارة كهربائية رياضية متعددة الاستخدامات بسعر أقل من 50 ألف دولار خلال عامين، من أجل زيادة الإنتاج ووقف الخسائر.

ومع ذلك، يواجه جميع مصنعي السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة احتمال تشديد الشروط على الإعانات بالغة الأهمية للبطاريات-وبالتالي زيادة كلفتها-عندما تنتهي الإعفاءات الحالية على استخدام المواد المستوردة من الصين في 2027.

ومن خلال الموافقة المشروطة على أخذ خمس إنتاج المرحلة الأولى من مصنع أوهايو، تساعد “لوسيد” مورداً محلياً محتملاً في جهوده لتأمين تمويل المشروع. قفزت أسهم “غرافيت وان” بمقدار الثلث لدى الإعلان عن الصفقة.

تحول الطاقة

كان تحول الطاقة بالتأكيد أحد الموضوعات التي تناولتها الخطابات المختلفة في غرفة الاجتماعات تلك الأسبوع الماضي، لكنه لم يكن الموضوع المهيمن. كان جميع أعضاء الكونغرس من ألاسكا حاضرين. وبالإضافة إلى سوليفان، تناولت عضو مجلس الشيوخ ليزا موركوفسكي، التي راحت تلوح بقطعة من الغرافيت المستخرج من ألاسكا على المنصة، بالإضافة إلى عضو مجلس النواب الديمقراطية ماري بيلتولا، موضوعات متشابكة تتعلق بأمن المناخ والأمن القومي.

نظراً للفجوة الهائلة بين مواقف الجمهوريين والديمقراطيين بشأن تحول الطاقة، فمن السابق لأوانه أن نستعرض الجانب الحزبي هنا.

إقرأ أيضا : تهديد فرنسا أم تأديب «ماكرون»؟

لكن توجيه الإنتاج، بما في ذلك التكنولوجيا النظيفة ومدخلاتها إلى الداخل، ومواجهة التحدي الاستراتيجي الذي تمثله الصين، يلقيان قبولاً لدى الجانبين على ما يبدو، وهو شيء لن تجده فقط في وفد مشرعي ألاسكا، ولكن أيضاً في الاستراتيجية الخضراء للبيت الأبيض، وجهود عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بيل كاسيدي من لويزيانا لاحتواء الصين، وتعزيز الصادرات الأميركية، من خلال الرسوم الجمركية على الكربون، أو عذراً “التلوث”.

لكن مثلما توضح الإعفاءات الحالية من متطلبات المحتوى المحلي للغرافيت، فإن الاستغناء عن سلاسل التوريد الصينية مع تعزيز استخدام التقنيات النظيفة في الوقت نفسه يمثل معضلةً هائلة. وإذا نظرنا إلى الأمر ببساطة من خلال منظور التكلفة، فإن التنافس مع منتجين صينيين يتمتعون بسبق دخول في هذا المجال قبل عقدين، وسياسة بكين الصناعية، يكاد يكون من المستحيل تبريره، وخاصة بالنسبة للمصرفيين ذوي العقلية التجارية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحدي الاستراتيجي الذي تفرضه الصين، وخاصة بالتزامن مع العداء الصريح الذي تبديه روسيا، وما بينهما من تقارب حالياً.

تقاطع الطاقة مع السياسة

بالتالي، فإن بناء سلسلة توريد المعادن الحيوية والتكنولوجيا النظيفة في الولايات المتحدة يستلزم بالضرورة مزيجاً من الدعم الحكومي الاستراتيجي والتمويل الخاص لإخراجها إلى حيز الوجود.

رغم الاختلاف بينهما، فهناك رابط مباشر وقاتم بين تلك المواجهة في السماء بالقرب من ألاسكا وصفقة “غرافيت وان” مع “لوسيد”، وليس فقط بسبب التوقيت الغريب.

فتحول نظامنا العالمي للطاقة والانتقال إلى عصر جديد من المنافسة الجيوسياسية، أصبحا مرتبطين ارتباطاً متزايداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى