شهدت الأيام الماضية تصاعدًا ملحوظًا في الأحداث في الساحل السوري، حيث أطلق الجيش السوري حملة تطهير ضد “فلول النظام المخلوع” في مدن الساحل، إثر سلسلة من الهجمات المنسقة التي استهدفت قوات الأمن السورية، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الأمن. هذه الهجمات جاءت في وقت حساس، حيث كانت السلطة السورية تشهد تغييرات كبيرة، والتهديدات الأمنية تتصاعد. ووفقًا لما أعلنته وزارة الدفاع السورية، فقد أُعيدت السيطرة سريعًا على المناطق المستهدفة، وأُعلن أن الأوضاع تحت السيطرة الكاملة. لكن هذه التطورات تحمل في طياتها الكثير من الدلالات حول المستقبل السياسي والعسكري لسوريا، ودور القوى الإقليمية مثل إيران في هذا الصدد.
السياق العام للأحداث في الساحل السوري
يعد الساحل السوري، الذي يضم مدنًا مثل اللاذقية وطرطوس، من المناطق الاستراتيجية التي كانت تعتبر من معاقل النظام السوري، لا سيما أنها تضم ميناء طرطوس، القاعدة العسكرية البحرية الروسية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط. بعد تراجع النظام السوري عن العديد من المناطق في سوريا نتيجة للثورة، كان الساحل السوري يمثل أحد آخر معاقل السلطة السورية التي حافظت على هيمنتها بفضل دعم كل من روسيا وإيران.
لكن في الآونة الأخيرة، شهدت هذه المنطقة تصعيدًا ملحوظًا في الأحداث، حيث استهدفت هجمات منسقة قوات الأمن في العديد من المدن الساحلية. وقد أدت هذه الهجمات إلى العديد من الضحايا في صفوف قوات الأمن، وهو ما دفع الحكومة السورية إلى إعلان حالة الطوارئ والقيام بحملة تطهير واسعة ضد المجموعات التي يعتقد أنها وراء هذه الهجمات. هذه الهجمات، وإن كانت مؤشراً على تصاعد الصراع الداخلي في سوريا، فإنها أيضًا تشير إلى تفاقم التحديات التي تواجه النظام السوري الجديد في ظل تزايد القوى المناوئة.
دور إيران في الأزمة السورية
من المعروف أن إيران تعد واحدة من أكبر داعمي النظام السوري، حيث قدمت الدعم العسكري والسياسي منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011. إيران كانت قد أرسلت ميليشيات شيعية، خاصة من العراق ولبنان (حزب الله)، للقتال إلى جانب القوات السورية ضد المعارضة المسلحة. كما أنها قدمت مساعدات مالية وسياسية للحفاظ على بقاء الأسد في السلطة.
لكن مع تطور الأحداث في الساحل السوري، يظهر أن إيران تلعب دورًا أكثر تعقيدًا. إيران ليست فقط داعمًا للنظام، بل هي أيضًا تسعى لتعزيز وجودها الاستراتيجي في المنطقة. القواعد العسكرية الإيرانية والميليشيات المدعومة من طهران في سوريا قد أثارت قلقًا كبيرًا لدى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ووجود إيران في هذه المناطق يتجاوز مجرد الدعم للنظام، بل يتضمن أيضًا جهودًا لتوسيع نفوذها في البحر المتوسط، مما يخلق توازنًا حساسًا مع روسيا.
على الرغم من أن إيران قد تواجه تحديات داخلية، مثل الضغوط الاقتصادية والعقوبات، إلا أن دعمها للنظام السوري كان ولا يزال عاملًا رئيسيًا في تعزيز سلطته في مواجهة المعارضين المحليين والدوليين. إيران ليست فقط مستفيدة من بقاء الأسد في السلطة، بل إنها تسعى لتوطيد نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، وهو ما يمكن أن يساهم في تعميق الأزمات الداخلية التي يواجهها النظام السوري، بما في ذلك في الساحل السوري.
التأثيرات على النظام السوري الجديد
عندما نتحدث عن النظام السوري الجديد، فإننا نتحدث عن سلطة قد تكون قد تشكلت بعد رحيل بشار الأسد. هذا النظام، رغم أنه لا يزال في مرحلة بناء استقرار داخلي، يواجه تحديات كبيرة، لا سيما من القوى التي تحاول زعزعة أمن المنطقة.
الاستقرار الداخلي: التصعيد الأخير في الساحل السوري يعد اختبارًا مهمًا لقدرة الحكومة الجديدة على ضبط الأمن في المناطق التي كانت تُعتبر معاقل للأسد. في هذا السياق، يمكن أن يكون هذا التصعيد فرصة للنظام الجديد لإظهار قدرته على الحفاظ على النظام وإعادة الأمن والاستقرار، وهو ما يعزز من موقفه داخليًا.
التحديات السياسية: من جهة أخرى، إن التصعيد العسكري في الساحل السوري يعكس الوضع المعقد الذي يواجه النظام الجديد، حيث أن الهجمات ضد قوات الأمن يمكن أن تعكس تصاعد المعارضة الداخلية، سواء من القوى التي كانت تدعم الأسد أو من جماعات معارضة جديدة قد تبرز على الساحة. هذه الهجمات قد تكون أيضًا محاولة لتحدي السلطة الجديدة التي قد لا تكون قد رسخت سلطتها بالكامل بعد.
دعم خارجي: في هذا السياق، يتزايد الحديث عن دعم إيران وروسيا للنظام الجديد، لكن هذا الدعم لن يكون دائمًا حلاً سحريًا. مع مرور الوقت، قد يبدأ الوضع السوري في التغير بشكل يعكس التوازنات الجديدة في المنطقة، وهو ما قد يضعف من نفوذ كل من روسيا وإيران.
محاولات يائسة
يسعى فلول النظام السابق من خلال الأحداث الجارية في الساحل السوري للضغط على الحكومة الجديدة في دمشق بهدف التوصل إلى تفاهمات سياسية تضمن لهم مستقبلًا آمنًا. هذه المحاولات تتمثل في الدعوة إلى العفو عنهم من قبل السلطات الجديدة، إضافة إلى فتح ممرات آمنة تتيح لهم الخروج من سوريا دون محاكمات أو عقوبات.
يبدو أن فلول النظام السابق يسعون لحفظ حياتهم وحماية مصالحهم الشخصية بعد انهيار السلطة التي كانوا جزءًا منها. هذه المحاولات تهدف إلى الحصول على ضمانات دولية أو من الحكومة السورية الجديدة التي قد تكون أكثر انفتاحًا على تسويات سياسية مع الفئات التي كانت تدعم النظام السابق. مع ذلك، فإن الحكومة الجديدة قد تجد صعوبة في التعامل مع هذه المطالب، خاصة في ظل رغبتها في تأكيد سلطتها وعدم تقديم تنازلات قد تقوض استقرارها، بينما تبقى الضغوط الداخلية والخارجية تشكل تحديات كبيرة في هذا السياق.
تعزيز مكانة الحكومة السورية الجديدة
من خلال تحليل الوضع الراهن، يمكن استنتاج أن عودة نظام بشار الأسد مستحيلة، خاصة في ظل التغيرات الداخلية والخارجية الكبيرة التي تشهدها سوريا. الأحداث الأخيرة في الساحل السوري تساهم بشكل كبير في تعزيز موقف الحكومة السورية الجديدة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. على الرغم من الدعم المستمر من إيران وروسيا، فإن تطورات الوضع الداخلي تساهم في تقديم صورة جديدة للمستقبل السياسي في سوريا، ويبدو أن النظام الجديد يعكف على فرض سيطرته على الأوضاع بشكل تدريجي.
إذا استمرت الأحداث بهذا الاتجاه، فإن سوريا ستشهد مرحلة انتقالية حيث يتم تشكيل ملامح جديدة للسلطة، ويزداد دور القوى المحلية والدولية في تحديد مستقبل البلاد، مما يعزز من موقف الحكومة السورية الجديدة داخليًا وفي المجتمع الدولي.