هل اهتزت ثقة الإسرائيليين بحكومتهم؟
لا غرو أن السؤال المطروح الآن على لسان الأكثرية في إسرائيل هو: إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؟ الكلام المقروء هنا مهم جدًا، لا تبدو الصورة واضحة المعالم، إسرائيل تسير في طريق مجهول، نتنياهو في ورطة حقيقية.
نظرة سريعة على شعوب المعمورة التي ترى أن اليمين المتطرف في أي دولة مصدر اضطراب للشعوب المحكومة، تكشف أنه قلما يكون هناك توجه شعبوي نحو الحكومات الأكثر راديكالية، على اعتبار أن لهذه الحكومات برامج سياسية لا تتوافق مع المزاج الشعبي العام. وهذا ما يحصل اليوم في إسرائيل. عندما شكل نتنياهو حكومته الأخيرة من غلاة المستوطنين، واجه ردود فعل غاضبة على هذا اللون الوزاري، الذي لم تشهد إسرائيل له مثيلا من قبل.
شاهدنا ولأعوام قليلة خلت انزياح الشارع الإسرائيلي نحو اليمين، القوة المحركة في وقتنا هذا. مؤدى الكلام أن جلّ الإسرائيليين لا يعولون كثيرًا على أداء حكومتهم الحالية. شيء آخر تكشّف بعد دخول المستوطنين الحكومة، وهو أن التوجه الحالي في دولة الاحتلال يسير باتجاه فرض الشرائع اليهودية في المؤسسات، حتى مؤسسة الجيش.
المتتبع لتمتمات وصخب الشارع الإسرائيلي يخرج بنتيجة مفادها حنق الإسرائيليين على تصريحات سموتريتش وبن غفير المتعلقة بتغيير نهج الحياة. لكن في الوضع الحالي بدت الصورة مختلفة نوعًا ما، نتيجة الحرب في غزة ولبنان. مثال على ذلك ما قاله غانتس، المعارض لسياسة نتنياهو قبل أيام، إن على إسرائيل أن تقضي على حزب الله في لبنان وتدحره إلى ما بعد نهر الليطاني.
بالأمس القريب كان غانتس معارضًا وبشدة لسياسة نتنياهو في غزة، خصوصًا عدم اكتراث رئيس وزراء إسرائيل بالتفاوض من أجل تحرير الأسرى في غزة، وتبيان طبيعة اليوم التالي بعد انتهاء الحرب في القطاع.
لا بد من الاعتراف بأن هناك فجوة عميقة في التركيبة السياسية للأحزاب داخل إسرائيل، وطبيعة هذه الفجوة تتمثل في الخلافات الفكرية والأيديولوجية. فرغم انزياح الشارع نحو اليمين، إلا أن هذه ظاهرة لن تدوم، وفي حال استتب الأمن ستكسر العزلة التي فرضتها الأحداث والحرب في غزة ولبنان لتعود الأمور إلى سالف عهدها.
إذن يتوحد الإسرائيليون في حالة واحدة؛ عندما يكون هناك خطر يهدد وجودهم. طبعًا هذا يدلل على أن الفوارق الاجتماعية تكاد تكون معدومة بينهم، وهذا بحد ذاته يشكل مصدر ضعف في البنية التركيبية لطبيعة المجتمع في إسرائيل.
نثار الأخبار يؤكد أن الحالة الأمنية الإسرائيلية هذه الأيام تسير بخطى حثيثة نحو المجهول. هناك عدة جبهات مفتوحة أمام نتنياهو؛ في لبنان وإيران واليمن والضفة وغزة، وكأنه يريد أن ينهي جميع هذه الملفات في لحظة واحدة.
اقرأ أيضا| 5 أسباب وراء إخفاء إسرائيل المعلومات عن إعلامها
تشعب الجبهات يؤدي إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وهشاشة الجبهة الداخلية. ونحن فعلاً نلاحظ مدى تخبط رئيس وزراء إسرائيل وعدم قدرته على تحديد مسار الحرب. صحيح أن لديه أجندة سياسية واضحة بخصوص إيران في ما يتعلق بتدمير برنامجها النووي، فالقضاء على مشروع إيران النووي يحتاج إلى جهد كبير، علمًا أن هنالك أكثر من أربعة آلاف مشروع فرعي نووي منتشر في إيران.
من خلال هذا السرد نقول فشل نتنياهو حتى اللحظة في إدارة المعركة بما يتناسب مع قدرته العسكرية، لهذا يحاول جاهدًا جر الولايات المتحدة إلى مواجهة طهران.
أمر أخير أردنا إبرازه هنا؛ بخلاف ما قد يتوهم البعض المتعجل يحاول نتنياهو أن يحقق نصرًا يحسب له، وهو فتح جبهة سوريا. وحسب بعض المواقع الإخبارية التي أفادت بأن إسرائيل توغلت في القنيطرة بعمق 500 متر، فإن نتنياهو يهدف إلى ضرب سوريا في العمق، وإيصال رسائل إلى نظام الأسد يأمره مضمونها بالكف عن دعم حزب الله، وفي الوقت نفسه فصل الساحات، بدءا بالحلقة الأضعف وهي سوريا.
لا غرو أن السؤال المطروح الآن على لسان الأكثرية في إسرائيل هو: إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؟ الكلام المقروء هنا مهم جدًا، لا تبدو الصورة واضحة المعالم، إسرائيل تسير في طريق مجهول، نتنياهو في ورطة حقيقية، وهذا الوضع الذي يعيشه مرده أسباب منها طبيعة التشكيلة الحكومية التي يترأسها، والأهم أن الحرب الدائرة اليوم مع إسرائيل على جميع الجبهات هي حرب وجود. فبعد السابع من أكتوبر شعر الإسرائيليون بأن أركان دولتهم تهتز، وأن الخطر الذي كانوا متخوفين منه بات يهدد وجودهم.
لهذا يبذل نتنياهو قصارى جهده لإعادة قوة الردع لبلاده ومعاودة ثقة الجمهور به والقضاء على حماس وحزب الله وتقويض إيران. هذا كله يجعل الإسرائيلي في حالة من الخوف والقلق من المستقبل المجهول ومصير حياته التي يحرص عليها.
أقول هذا مع علمي أن ما تقوله معظم المصادر هو أن الشارع الإسرائيلي في حالة مزاجية متقلبة ورأي غير ثابت؛ تارة نسمع ونشاهد أن الشارع الإسرائيلي مع وقف الحرب وإبرام معاهدات سلام مع الفلسطينيين، وتارة أخرى مع القضاء على أي خطر يهدد مصيره.
ما أريد تأكيده، وحسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية، لا يوجد حسم في توجه الشارع الإسرائيلي، ومؤشرات الاستطلاع تشير إلى أن عدد المؤيدين لنتنياهو بين صعود وهبوط، وهو ما يولد انطباعًا بأن الإسرائيليين على مفترق طرق.