حديث المنطقة هو عن سبب تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأسبوع الماضي. تدور التساؤلات والتكهنات ونسج المؤامرات وغيرها، والراجح من الإشاعات أن تحطم طائرة الرئيس الإيراني لم يكن حادثاً عرضياً ولكنه اغتيال مدبر. ولكن إلامَ ستخلص التحقيقات الإيرانية التي ستستغرق بعضاً من الوقت، لاحتواء الموقف، وامتصاص الصدمة، وقراءة كافة الاحتمالات بصبر وطول بال. سوف تخلص التحقيقات إلى احتمالين لا ثالث لهما:
1. حادث عرضي بسبب عطل فني أو بسبب خطأ الطيار أو بسبب الطقس السيئ أو لكل هذه الأسباب مجتمعة.
2. حادث اغتيال مدبر للرئيس الإيراني ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وهذه الاحتمالية تطرح ثلاثة أطراف وراء الاغتيال.
الطرف الأول الذي قد تتهمه التحقيقات هو طرف داخلي ضمن الصراع الداخلي على خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، فقد سرت الإشاعات بأن مجتبى خامنئي – نجل المرشد – يطمح لخلافة والده، وقد ظنّ مثل الكثيرين أن رئيسي هو الخليفة المحتمل لـ “ولاية الفقيه”، فقطع عليه الطريق. هكذا يقول بعض المتابعين للشأن الإيراني. ولكن هذه الفرضية سيكون لها تداعيات داخلية كثيرة قد ينجم عنها اقتتال داخلي مفتوح يهدد النظام، وهذا ما لن يقبل به المرشد، وبالتالي فلن يشير التحقيق بأصابع الاتهام إلى أطراف داخلية.
الطرف الثاني الذي يمكن أن يكون مسؤولاً عن عملية الاغتيال هو الموساد الإسرائيلي وهي فرضية محتملة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الموساد سبق أن اغتال علماء نوويين ومسؤولين إيرانيين داخل إيران أو من ولائيي إيران في لبنان وسوريا والعراق.
معلوم أن الحادث وقع بعد عودة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته من حفل افتتاح سد بين بلاده وبين جارته أذربيجان، والتي تعرف بعلاقاتها القوية والأمنية والعسكرية مع إسرائيل، وللأخيرة قاعدة عسكرية ليست ببعيدة عن الحدود الإيرانية. لكن الإيرانيين لن يرغبوا بتوريط أذربيجان لعلاقتها القومية القوية مع تركيا التي كانت وراء انتصارها المباغت على جارتها أرمينيا قبل ثلاث سنوات. فاتهام أذربيجان قد يجر اللوم على تركيا، وهو ما لا ترغب به إيران في هذه المرحلة.
كما يمكن أن يكون الاغتيال إسرائيليا بحتاً بدون معاونة من أذربيجان، فإسرائيل لم يشف غليلها بالانتقام من إيران بعدما أطلقت صواريخ باليستية ومسيرات عليها الشهر الماضي، وكان الرد الإسرائيلي محدوداً بسبب الضغوط الأميركية التي كانت تتابع وتنسق الهجمات بين الطرفين وتعمل على احتوائها وعدم تفاقمها إلى حرب شاملة بالمنطقة والانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب.
يصعب أن يشير الإيرانيون رسمياً لإسرائيل بتنفيذ عملية الاغتيال، لأن ذلك سيتطلب رداً عنيفاً وواسع النطاق وهو ليس وارداً في حسابات إيران، ولن تقبل به الولايات المتحدة، فلو أن إيران اتهمت إسرائيل بالوقوف وراء الحادث، فإن ذلك سيتطلب حرباً وهجمات أشمل من تلك التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق بداية الشهر الماضي، ففي ذلك الهجوم، قتل سبعة مسؤولين إيرانيين عسكريين، وهو ما دفع إيران للرد العسكري – وإن كان محدوداً – بقصف على إسرائيل مباشرة وللمرة الأولى بتاريخ البلدين.
فإذا ما اتهمت إيران إسرائيل باغتيال رئيسها وعلى أرضها، فإن ذلك قد يعني حرباً مفتوحة مع إسرائيل، وهو ما يتمناه بنيامين نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف، لتخفيف الضغوط الدولية عليهم بسبب حرب غزة، ولتوريط الولايات المتحدة والغرب عموماً في حرب مع إيران. لكن ذلك سوف يعني إنهاكاً لإيران المنهكة بالمشاكل الاقتصادية والداخلية، وهو ما لن تقدم عليه بنتائج تحقيقاتها.
أغلب الظن أن التحقيقات الإيرانية سوف تلقي باللوم على الأحوال الجوية مع استمرار الخطاب التعبوي ضد أميركا ولومها بحصار إيران والتسبب بالحادث كما ورد بتغريدة لوزير خارجيتها الأسبق محمد جواد ظريف.