هل احتمال أن تدخل بريطانيا في حرب مع روسيا فعلي؟
أوكرانيا تخوض معركة حيوية نيابة عن الغرب ولكن القوى الغربية تتردد في دعمها على نحو حاسم
هل يمكن أن يقع ذلك فعلاً؟ يبدو أن المسألة على رغم خطورتها لم تناقش بالجدية المطلوبة، وهذا أمر مستغرب. إلا أن الاحتمال فعلي إلى حد كبير من جهة المبدأ [وفقاً للمعطيات].
فإذا ما وافق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأميركي جو بايدن على السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الدفاعية البعيدة المدى التي زودناها بها – والتي لا تستهدف مناطق روسية قريبة من حدودها فحسب، بل أيضاً مواقع عسكرية استراتيجية في العمق الروسي، مثل مستودعات الأسلحة والقواعد الجوية – قد يزيد هذا الواقع من خطر التصعيد.
وفيما تعد الخسائر المدنية أمراً واقعاً في الحرب، وهي حقيقة أقر بها فلاديمير بوتين نفسه، إلا أن الرئيس الروسي وجه تحذيراً إلى الغرب من احتمال وقوع مواجهة مباشرة مع بلاده، إذا ما سمح “حلف شمال الأطلسي” (ناتو) لكييف باستخدام مثل هذه الأسلحة.
وفي رد مباشر على المملكة المتحدة، طردت موسكو ستة دبلوماسيين بريطانيين اتهمتهم بـ”التجسس والتخريب”، معتبرة أن لندن “أقدمت على خطوات عدة غير ودية” تجاه بلاده، وهي ادعاءات سارعت وزارة الخارجية البريطانية إلى نفيها بشدة، واصفة إياها بأنها عارية من الصحة.
قد يصعد بوتين انتقامه من خلال استهداف حلفاء الـ”ناتو”، ربما عبر شن هجمات إلكترونية، أو تنفيذ اغتيالات، أو تخريب كابلات حيوية وخطوط أنابيب تحت البحر، أو حتى تعطيل حركة الطيران المدني بطائرات مسيرة.
وقد يبادر إلى خطوات أكثر عدوانية، ويشن ضربة محدودة على إحدى قواعد “حلف شمال الأطلسي” في إستونيا، أو نشر سلاح نووي تكتيكي في أوكرانيا لتأكيد التهديد الذي تشكله ترسانته النووية في مجال الردع العسكري. وقد يلجأ أيضاً إلى قصف معالم تاريخية بارزة ومواقع ثقافية في العاصمة الأوكرانية كييف، ظلت حتى الآن في منأى عن نتائج الصراع.
لكن ما العمل وما الذي ينبغي أن يكون عليه رد فعل الغرب؟ وكيف ستتصرف الولايات المتحدة الأميركية؟ وما الموقف الذي قد تتخذه كل من بولندا ورومانيا وفرنسا وألمانيا؟ هل يمكن أن نبقى جميعاً متحدين؟ قد تدفع قوى اليمين المتطرف في أوروبا في اتجاه وضع حد للحرب، وقبول احتلال روسيا الأراضي التي سيطرت عليها (على غرار “خطة السلام” التي أعلن عنها المرشح “الجمهوري” لمنصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة جي دي فانس، والتي يدعمها ضمناً الرئيس السابق دونالد ترمب).
بغض النظر عن وجهات النظر المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، فإن هذه هي الأسئلة الحرجة التي تواجه الغرب، وتحتاج إلى أجوبة من دوله. إلا أن مناقشتها بشكل مفتوح لا تتم بما فيه الكفاية، باستثناء تلميحات عرضية خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي حين أن الزعماء الغربيين يبحثون في هذه القضايا خصوصاً، ونحن ندرك ذلك، فمن المرجح أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لن تخطوا خطوة إلى الأمام في هذا الإطار، من دون تلقي دعم ضمني في الأقل من أعضاء آخرين في “حلف شمال الأطلسي”. والسؤال: هل ينبغي علينا أن نقوم بذلك؟
الجواب هو: نعم، في ظل ظروف واضحة ومحددة. والشرط هو أن يستخدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وجيشه هذه الأسلحة فقط بأقصى درجات الحذر، مع تقديم تبريرات عسكرية واضحة – كاستهداف قواعد القاذفات الروسية المسؤولة عن سقوط ضحايا مدنيين – وضمان أن يكون هناك حد أدنى من الإضرار بالمدنيين (إن لم يكن معدوماً).
يجب أن يبلغ الروس بأن أفعالهم ستعود بعواقب وخيمة عليهم. لقد سبق أن أرسي مبدأ وسابقة من هذا النوع عندما استخدمت أسلحة غربية على الأراضي الروسية، كالدبابات، وذلك أثناء غزو كورسك. وسواء استهدفت قاذفة روسية على بعد ميل داخل الأراضي الروسية أو مئات الأميال، فإن الأمر سيان فعلياً.
ثانياً، وفقاً لهذا البروتوكول المتفق عليه، يتعين على حلفاء الـ”ناتو” أن يظلوا متحدين (وأن يبقوا كذلك)، وفي أحسن الأحوال، يجب أن يحصلوا على دعم شركاء استراتيجيين آخرين مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا. ويجب الإقرار بالأخطار التي ينطوي عليها هذا النهج ومحاكاتها. وعلى برلمانات مجمل هذه الدول وشعوبها أن تكون على استعداد لخوض التحديات ومواجهة العواقب المحتملة.
في المقابل، يجب أن تبقى المعارضة الدولية لهذا المنحى في حدها الأدنى (ربما باستثناء المجر)، وذلك للحفاظ على تماسك الردع الذي يوفره التحالف الغربي، وضمان فعاليته. يجب أن يكون فلاديمير بوتين – كما يقول رئيس الوزراء البريطاني – على دراية بالعواقب المحتملة إذا ما اختار تصعيد الصراع بصورة أكبر، فهو الذي بادر به في الأساس. والواقع أن الصراع يعود إلى عقد من الزمن عندما قام زعيم الكرملين بضم شبه جزيرة القرم، ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا. وكانت “العملية العسكرية الخاصة” – كما سماها – في عام 2016، بمثابة تصعيد آخر، شأنه شأن جرائم الحرب اللاحقة.
الواقع أن التردد الغربي منح فلاديمير بوتين عملياً فرصة لاستغلال الموقف، ولو كانت أوكرانيا عضواً في “حلف شمال الأطلسي” وكان هذا التحالف الغربي مستعداً للدفاع عنها، لكان من الممكن تجنب هذا الموقف.
وإذا وقف الغرب الآن متحداً وواجه تهديدات الرئيس الروسي بحزم، فمن غير المرجح أن يقدم عليها، لا بل سيتصرف بناءً على الأخطار المترتبة عنها. فقد باءت محاولاته السابقة بالفشل، أما تهديداته الراهنة فهي من الغموض بما يكفي للإشارة إلى أنه من غير المرجح أن يخاطر بمواجهة مع حلف الـ”ناتو” لا يمكنه أن يفوز بها، وقد تعرض حكمه لخطر السقوط.
الأرجح أن بوتين سيقلص حدة القصف للحفاظ على موارده، والإبقاء على أكبر مقدار ممكن من المساحات في أوكرانيا في حوزته، إلى حين الجلوس إلى طاولة محادثات السلام في نهاية المطاف. وعندما يحدث ذلك سيكون الأمر متروكاً لزيلينسكي وبوتين أن يتفاوضا على تسوية.
في المقابل، يجب الإقرار بأنه من الناحية العملية – حتى مع الدعم الغربي – قد يكون من المستحيل على كييف استعادة شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا. هذه المسألة يجب أن يعالجها القادة الأوكرانيون بأنفسهم.
ما يدعو إلى الأسف، أنه على رغم دعمنا انتصاراً أوكرانياً في هذه الحرب، فقد لا يكون من الممكن إنجازه. لكن كما قالت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس لمنافسها دونالد ترمب الذي كان مشككاً في الموضوع خلال المناظرة بينهما، فإن السماح لبوتين بإعلان النصر في الحرب ليس خياراً. ولا يمكننا أن نجازف بفوزه ثم ننتظر أن يضم بعد ذلك بولندا ورومانيا وغيرهما.
إنها العبرة القديمة المستقاة من استرضاء موسكو، التي تقول بأنه إذا لم ندعم الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم والقتال نيابة عنا، فقد نرى في نهاية المطاف القوات الأميركية والبريطانية والبولندية والألمانية والفرنسية والتشيكية، وغيرها من القوى، تقاتل – من جديد – من أجل الحرية في أوروبا.
هذا الواقع واضح، وهو ما ساعدنا على الفوز بالحرب الباردة: علينا أن نكون مستعدين لوقوع حرب مع روسيا لتجنب [وقوعها] الاضطرار إلى أن نخوض فعلاً مثل هذه الحرب.