هدنة ماكرون الأولمبية
العالم الذي يضج بالصراعات والأزمات بحاجة لما هو أبعد وأوسع وأشمل من هدنة ماكرون
قبل ساعات قليلة من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في باريس، كانت الهدنة الأولمبية التي طالب بها، أو تمناها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تُخرق عبر هجمة تخريبية طالت خطوط السكك الحديد في باريس ما أثّر على حوالي 800 ألف شخص كانوا سيستخدمون القطارات في تنقلاتهم.
في لحظة فارقة من تاريخ فرنسا السياسي والديمقراطي، ووسط صراعات وانتخابات ومد وجزر سياسي وحكومة تصريف أعمال، تأتي الألعاب الأولمبية كضيف ثقيل على الحكومة الفرنسية التي تعيش قلق الهاجس الأمني الذي يضرب استعدادات امتدت لعشر سنوات في مقتل، وحشدت فرنسا أكثر من 45 ألف رجل أمن لحماية الدورة الأولمبية، ولكن ماكرون المأزوم يستدعي من ذاكرة الألعاب الأولمبية القديمة طقوس الهدنة الأولمبية ويريد أن يطبقها في الألفية الثالثة، وهو بذلك يعترف أن هناك ما يهدد أمن وسلامة الألعاب الأولمبية.
ومن التاريخ الأولمبي نتذكر تفاصيل الهدنة الأولمبية، فقد كانت مهمة الوصول الى أولمبيا لحضور الألعاب الأولمبية حينها يتطلب رحلة طويلة عبر منطقة خطرة. لذا كان من المفيد أن تكون هناك هدنة أولمبية. والهدنة تعني أنه في الفترة التي سبقت الألعاب الأولمبية وأثناءها، وافقت جميع الدول اليونانية على السماح لأي شخص يريد الذهاب إلى الألعاب الأولمبية بالمرور. على سبيل المثال، إذا كانت الولاية “أ” تقع بين الولاية “ب” والألعاب الأولمبية، وكانت الولاية “أ” و”ب” في حالة حرب، فستسمح خلال الألعاب الأولمبية للأشخاص الذين كانوا في العادة أعداءك بالمرور عبر ولايتك للوصول إلى أولمبيا.
إقرأ أيضا : الجنوب العالمي.. تحول ثقافي وسياسي
لكن الهدنة لا تعني توقف القتال. في الواقع، بل أقرب الى كونها فترة راحة من القتال، وكانت هناك حالة واحدة على الأقل عندما خاضوا معركة خلال الألعاب الأولمبية في أولمبيا نفسها، في الحرم الديني عام 364 قبل الميلاد. تضمن الصراع قيام الإيليين بهزيمة الأركاديين بعد أن حاول الأخيرين السيطرة على الموقع.
العالم الذي يضج بالصراعات والأزمات بحاجة لما هو أبعد وأوسع وأشمل من هدنة ماكرون، ومن الهدنة الأولمبية القديمة، لانهما مؤقتتان. بل هو بحاجة لمساحة واسعة من الزمن يحل فيها السلام، والمحبة، وتصمت المدافع، ويتوقف نزيف الإنسانية المستمر.
تعليق واحد