أعلن رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء السادس والعشرين من نوفمبر، خلال خطابه المتلفز “أننا نغيّر الشرق الأوسط وهناك 3 أسباب لوقف النار مع لبنان الآن، وهي التركيز على التهديد الإيراني، إراحة القوات وتجديد مخازن السلاح، كسر وحدة الساحات وفصل غزة عن لبنان.”
هذا وكان نتنياهو قد أعلن بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت”، عن الموافقة على وقف إطلاق النار مع لبنان، على أساس ما جاء في التسوية التي نصّتها الإدارة الأميركية عبر مبعوثها الخاص آموس هوكشتاين.
بحسب المنطق الذي طرحه نتنياهو، يتبيّن أن الحرب لم تنته رغم الهدوء على الجبهة الشمالية، فهي قابلة للاشتعال، هذا ما توعد به نتنياهو الخميس الثامن والعشرين من نوفمبر، بالعودة إلى حرب شرسة في لبنان عند أي خرق. لكنه حدد وجوه القتال العسكرية المقبلة، التي من المفترض أن تتمحور حول تطويق القوة الإيرانية الصاعدة، لاسيما في ما خصّ عرقلة ملفها النووي.
يرسم الرجل صورة أشبه بـ”السوريالية” لليوم الثاني بعد وقف الحرب في لبنان، مرتكزا على قناعة بأن جيشه استطاع أن يفكّك مفهوم “وحدة الساحات”، التي بنتها إيران من خلال أذرعها في المنطقة. فالحرب على حزب الله عملت على إزالة التهديد الحقيقي لتهديداته الصاروخية، وأتت بتدمير البنية العسكرية والقيادية له، ما جعله عاجزا عن أن يخطط لتنفيذ هجوم على إسرائيل في الفترة المقبلة.
من القراءة الأولية في كلمة نتنياهو، يتبيّن أن الجبهة مع إيران قابلة للتطور العسكري لاسيما بعدما أعلن أكثر من مسؤول إيراني أن الردّ محسوم على هجمات إسرائيل الأخيرة، حيث توعّد قائد الحرس الثوري حسين سلامي الخميس الرابع عشر من نوفمبر بـ”ردّ مدمّر” على الهجوم الذي شنته العشرات من الطائرات الإسرائيلية على بلاده نهاية أكتوبر الماضي.
كادت الأمور أن تسير بشكلها الطبيعي في ما خصّ النيّة الإسرائيلية بردع إيران، لو لم تقدم المعارضة السورية، وبشكل مفاجئ، على إطلاق عمليتها “ردع العدوان” على قوات النظام السوري وحلفائها الإيرانيين وحزب الله. فهذا ما أدخل الشكوك في أن هناك تنسيقا مزدوجا بين وقف النار في لبنان وهجوم فصائل المعارضة في ريف حلب.
قالت في بيان لها إنها تأتي استباقا لهجوم متوقع من قوات النظام وحلفائها على معاقلها في ريفي حلب وإدلب شمال غربي سوريا. وتشارك في العملية فصائل عدة بينها هيئة تحرير الشام، وأخرى من الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة.
ما إن دخل لبنان سريان وقف إطلاق النار فعليا صباح الأربعاء السابع والعشرين من نوفمبر، وأعلن فريقا النزاع الانتصار ولملمة مخلفات الحرب والدمار، حتى بدأت في اليوم ذاته المعارضة السورية المسلحة معركة تحرير حلب من يدّ قوات النظام ومن التواجد الإيراني وحزب الله اللبناني وفصائل أخرى تدور في هذا الفلك.
على ما يبدو، فإن التحرك السريع وغير المتوقع، لم يأت عن طريق الصدفة، بل هناك من يضعه في إطار تخطيط منسّق بالتوازي مع توقيع اتفاق الهدنة بين حزب الله وإسرائيل. فأن تجد المعارضة السورية أنه الوقت الأمثل لشنّ مثل هكذا هجوم، ليس عفويا، لاسيما في ظلّ تقارير عسكرية تؤكّد سحب الحزب للآلاف من عناصره من سوريا إلى جنوب لبنان، ووسط تأكيدات إسرائيلية على أن الضربات الجوية لجيشها شلّت حوالي 70 في المئة من قدرات الحزب. إذ نشر الجيش الإسرائيلي تقريرا، صباح الجمعة التاسع والعشرين من نوفمبر، عبر القناة 14 الإسرائيلية، يفنّد فيه بالأرقام ملخصا وبيانات عن العمليات العسكرية التي خاضها على امتداد شهرين ضد حزب الله على الجبهة الشمالية.
اقرأ أيضا| الهجرة العكسية ستقصم ظهر إسرائيل
هذا وكانت المعارضة قد أعلنت صباح الجمعة التاسع والعشرين من نوفمبر، تحرير ريف حلب الغربي بالكامل بعد معارك ضارية مع قوات النظام السوري أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين، وأدت إلى قطع الطريق الدولية المؤدية إلى دمشق.
قد يتحدث البعض عن تنسيق حتمي بين المعارضة السورية وحكومة نتنياهو، لكنّ هذا الحتمي ليس بالضرورة أن يكون “مباشرا”، فإيران التي عمدت إلى استغلال الأزمة السورية لتوسيع نفوذها في المنطقة، مدعومة بوجود حزب الله، أوجدت لها أعداء في الداخل السوري، على اعتبار أنّها حرمت الشعب السوري من بناء حلمه على التغيير. لهذا قد تكون المعارضة استفادت من الحرب الإسرائيلية على لبنان، التي أنهكت قدراته القتالية، وشلّت جهوزيته تحديدا في سوريا، لتقوم بهجومها الذي حقق تقدما ساحقا.
إن العدائية المشتركة لإيران بين المعارضة السورية وإسرائيل، ليس بالضرورة أن تكون “منسقةّ” ضمن لقاءات ثنائية بين الطرفين. لكنّ الإعلان عن مقتل الجنرال بالحرس الثوري الإيراني كيومارس بورهاشمي في سوريا، بحسب ما أفات شبكة أخبار الطلبة الإيرانية، الخميس الثامن والعشرين من نوفمبر، يؤكد مدى الحضور الإيراني في سوريا، الذي يهدف إلى إرساء واقع جديد للبلد في ظل تراخي النظام السوري، وأوجد له أعداء في الداخل السوري وعلى الحدود لاسيما وأن التدخل الإيراني أتى على حساب ضرب المعارضة واتهامها بالإرهاب.
ما تريده إسرائيل من إيران في ملفها النووي، لا يعني المعارضة السورية، ولا شأن لهجوم المعارضة بذلك. فهو لا يرتبط بما تخطط له إسرائيل، بقدر ما هو مرتبط بالعدائية التي أوجدها السلوك الإيراني في سوريا لها، من خلال التدخل لحرسها الثوري لتنفيذ مشاريعه.
لهذا، فإن الهجوم أتى بحسب توقيت المعارضة ولتحقيق مصالح ترتبط فيها، حتى ولو لم ترض عنه تركيا الممتعضة من تقارب النظام مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية، أو يحاكي الغضب الإسرائيلي من روسيا التي رفضت مشروعها بفرض رقابة على تسليح حزب الله من بوابة الحدود السورية – اللبنانية.