تلك الصور من داخل المعتقل، التي قدمتها قناة الجديد اللبنانية لـ”هانيبال القذافي” تفتح الباب أمام سؤال كبير، من هو أكبر المعتقلين في عالمنا العربي، ليأتي الجواب بلا شك، (الحرية والقانون)، هما المعتقلان الكبيران، وما لم يتم الإفراج عنهما، سيبقى آلاف المعتقلين في سجون السلطات العربية دون أدنى حقوق.
كيف اعتقل “هانيبال القذافي”، وهل خضع لمحاكمة عادلة، وهل هو متهم أصلا ومطلوب على لوائح القضاء في لبنان، القصة كلها تثير الشفقة على “النظام القضائي” في دولنا العربية.
الرجل لم يكن مطلوبا في لبنان، وليس متهما بأي جريمة، حتى أن اعتقاله كان في البداية عملية خطف قام بها أفراد عائلة لبنانية (عائلة يعقوب)، يقولون أن جدهم خطف في ليبيا، عندما كان “هانيبال القذافي” ابن ثلاث سنوات فقط.
أوضحت صور قناة الجديد، مدى موثوقية السجون في لبنان لجهة تطبيق القوانين الدولية، وقوانين حقوق الإنسان تجاه المعتقلين، فالسجين لا يحصل على رعاية طبية، ولا يحق له التواصل مع محاميه أو أسرته، وهو محروم من الزيارات منذ اعتقاله، كل هذا يحصل في سجن دولة يقول معظم سياسييها أنهم حماة الحرية، وأن بلدهم هو واحة الحرية في الشرق الأوسط.
بعد نشر الصور الجديدة للشاب الليبي، وهو مكسور النظرات، هزيل البنية، بنظارات تشي بتراجع بصره بعد سنوات قضاها في ظلام المعتقل، أطلقت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بيانا تدعو فيه السلطات اللبنانية لتوفير الحقوق القانونية للمواطن الليبي، ” بما فيها مكان الاعتقال والرعاية الصحية الطبية والزيارات والتراسل وغيرها من الحقوق التي تحفظ له كرامته وآدميته”.
نعم طالبت الدولة الليبية بالحفاظ على آدمية مواطنها، لأنها ببساطة لاحظت أنه يعامل معاملة “غير لائقة بالآدميين” لكن بيان الحكومة لم ينس التأكيد على حق “هانيبال القذافي” بالإفراج عنه دون قيد أو شرط، دون أن يطالب بتنفيذ هذا الحق، بل اكتفى بالقول إن له الحق في ذلك.
“هانيبال القذافي”، نجل زعيم النظام الليبي السابق “معمر القذافي” هو ليس ملاكا بالتأكيد، وربما كان جزءا من “الفساد وسوء الإدارة” في ليبيا قبل سنوات، وربما لم يكن يؤمن أصلا بالقضاء و العدالة و القانون، لأن السلطة لها سكراتها في عالمنا العربي، لكن هل يعطي هذا الحق لأي أحد أن يحجز حريته دون مرجع قضائي أو توجيه تهمة له، وهل يكون أخذ الحقوق بالأنتقام و التشفي، وان كان هذا يصح لدى الأفراد فهل يصح في تعاملات الدول، هذا ما يجب أن تسأل عنه الدولة اللبنانية اليوم، سؤال واحد وبسيط ، “ما هي التهم الموجهة لهذا المواطن الليبي”.
الحقيقة أن الحكومة اللبنانية تبدو معتقلة مع “هانيبال”، فهي مقتنعة بأن “لا ناقة له ولا جمل” وأنه خال من التهم القضائية، لكن حكومة لبنان، معتقلة في حسابات المصالح الداخلية اللبنانية، وترى نفسها ملزمة بالحفاظ على ما يسمى في لبنان “السلم الأهلي” وتخشى إذا أطلقت سراح شخص بريء أن يغضب خاطفوه ويفجروا الوضع الداخلي.
لماذا لا تتعامل الحكومة الليبية بالمثل، ألا تخشى أن تقوم عائلة “هانيبال” بتفجير “السلم الأهلي” وهي ترى أبنها يقضي سنوات عمره في معتقل غير شرعي ويعامل معاملة “لا آدمية” بحسب وصف البيان الحكومي.
يحتار المرء في عالم العرب كيف يميز بين الضحية والجلاد، فالأمور ملتبسة جدا حيث لا تكاد الضحية تجد مساحة للتعبير عن حريتها المسلوبة حتى تتحول إلى جلاد بشكل ما، وتبدأ الانتقام بدل أن تبحث عن العدالة، وكذلك حال الجلاد فإنه ما إن يفقد سطوته حتى يصبح ضحية لضحاياه، أين العيب و الخلل، هذا هو السؤال؟.