نصيحة بايدن لـ «التنين» وموقف أميركا من المهاجرين
الولايات المتحدة مازالت في طليعة الدول التي ترحب بالأجانب، ولكن أجانب حسب الطلب. تريد أن تغلق الأبواب بوجه مهاجرين “فاشلين” يقصدونها طلبا للجوء، لتنتقي مهاجرين من النخب الأول. وهذا ما تفعله الدول الأوروبية، التي تتوعد طالبي اللجوء بالترحيل.
في نفس الوقت الذي نسمع فيه عن حملات تسفير طالبي اللجوء وقفل الحدود وإقامة جدران فاصلة لمنع قدوم المهاجرين واستخدام أساليب الترغيب والترهيب لوقف مراكب الحرقة التي تنقل الحالمين إلى شواطئ أوروبا، يخرج الرئيس الأميركي جو بايدن مدافعا عن الأجانب، معلنا أن رهاب الأجانب هو علّة العلل، وسبب كل المشاكل التي تعاني منها الصين واليابان وروسيا والهند.
قد يبدو هذا الموقف الصادر عن بايدن وهو قاب قوسين من انتخابات الرئاسة الأميركية متناقضا مع نفسه.. هذا للوهلة الأولى، ولكن لو أمعنا التفكير لوجدنا أن بايدن قد أصاب جوهر الحقيقة.
الولايات المتحدة مازالت في طليعة الدول التي ترحب بالأجانب، ولكن أجانب حسب الطلب. تريد أن تغلق الأبواب بوجه مهاجرين “فاشلين” يقصدونها طلبا للجوء، لتنتقي مهاجرين من النخب الأول. وهذا ما تفعله الدول الأوروبية، التي تتوعد طالبي اللجوء بالترحيل، وتعلن عن حاجتها إلى مهاجرين يحملون كفاءات علمية لسد النقص في اليد العاملة.
عودة إلى حديث بايدن.. كان أمام اليابان التي لقبت بـ”النمر الياباني” بعد الحرب العالمية نتيجة للنمو الاقتصادي والتطور الصناعي السريع الذي شهدته فرصة لتسيد العالم، ولكن النمر سرعان ما تحول إلى نمر من ورق، ولم يرافق النهضة الصناعية التي شهدتها ما يؤشر إلى نهضة ثقافية وفنية. تحولت اليابان إلى ورشة لإنتاج بضائع يحتاج إليها الغرب. هل بيننا من يستطيع أن يتذكر خمسة أسماء يابانية كان لها تأثير يذكر على الفكر والفن على مستوى العالم؟
اليابان ظلت مجرد فولكلور، وكذلك هو حال الصين، التي صنعت كل شيء، ولكنها عجزت عن خلق ظاهر مؤثرة مثل هوليود وديزني لاند وماكدونالدز وكوكاكولا.. وعلى نفس الخط تسير الهند. والسبب كما قال بايدن رهاب الأجانب.
على عكس هذه الدول، لم تتحول أميركا بعد اكتشافها من قبل الأوروبيين إلى ورشة لإنتاج بضائع تحتاج إليها دول أوروبا، بل تحولت إلى أرض للباحثين عن الفرص من مهاجرين أجانب، واستطاعت خلال وقت قياسي أن تستقطب خيرة الفنانين والأدباء والرياضيين والموسيقيين، وتحولت بفضل الأجانب إلى مركز ثقافي وفني وحضاري، قبل أن تتحول إلى مركز صناعي.
لم تفكر الولايات المتحدة منذ أن أنشأت وحتى يومنا هذا بعقلية أصحاب الورش، ولم تخش يوما الأجانب بل رحبت بهم وما زالت إلى يومنا هذا ترحب بهم. فقط هي تختار اليوم زبدة الأجانب وصفوتهم.
ما قاله بايدن نصيحة يجب أن يتوقف عندها التنين الصيني والنمر الياباني وفلاديمير بوتين الباحث عن أحلام إمبراطورية ضائعة مطولا.
التأثر الحضاري لا يكون بتحويل البلاد إلى ورش للتصنيع، بل بتحويلها إلى مراكز إشعاع ثقافي.. هذا ما فعلته أميركا، وما فعلته من قبلها ايطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهي دول يجمع بينها رابط واحد أنها لم تخش الأجانب يوما، بل على العكس بوادر ضعفها بدأت بالظهور في اللحظة التي باتت فيها تخشى الأجانب.
صدق بايدن، الذي قال مخاطبا جمع من الأميركيين: أحد أسباب نمو اقتصادنا هو أنتم وغيركم كثيرون. لماذا؟ لأننا نرحب بالمهاجرين.. لماذا تتعثر الصين اقتصاديا، ولماذا تواجه اليابان مشاكل، ولماذا روسيا، ولماذا الهند، لأنهم يرهبون الأجانب. لأنهم لا يريدون المهاجرين. المهاجرون هم من يجعلنا أقوياء.
علي قاسم