نسوان البغدادي في العراق.. والنظام الطائفي
زاوية المرأة العربية المسلمة التي تتعرض، منذ مئات السنين، للإذلال، والتنمر، والتحرش، والاغتصاب. وللعلم فإن الاغتصاب يحصل بطرق شتى، فقد تُغتصب المرأة في أحد المعتقلات، أو يجبرها ذكور عائلتها على الزواج برجل مسن، أو برجل لديه ثلاث زوجات قبلها، وأحيانًا يزوجونها في سن الطفولة، فتدخل، عنوة، في عالم النكاح
حققت قناة “العربية” سبقًا صحفيًا متميزًا، حينما أجرت مقابلة مع إحدى زوجات أبي بكر البغدادي، أمير تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، الذي قتله الأمريكيون بعملية نوعية، سنة 2019.
يمكن النظر إلى هذا الأمر من زوايا متعددة، أكثرها جاذبية، بالنسبة إلي، زاوية المرأة العربية المسلمة التي تتعرض، منذ مئات السنين، للإذلال، والتنمر، والتحرش، والاغتصاب. وللعلم فإن الاغتصاب يحصل بطرق شتى، فقد تُغتصب المرأة في أحد المعتقلات، أو يجبرها ذكور عائلتها على الزواج برجل مسن، أو برجل لديه ثلاث زوجات قبلها، وأحيانًا يزوجونها في سن الطفولة، فتدخل، عنوة، في عالم النكاح، بينما تثابر رفيقاتها على تلقي العلم، حتى يصلن إلى درجات عليا في الإنسانية، ويعشن، من ثم، حياة كريمة، لائقة، محترمة.
الأمر الأكثر خطورة في هذه المسألة، أن قسمًا كبيرًا من النساء الخاضعات لهذا الاضطهاد، ترسخ في ضمائرهن قناعة بأن ما يحصل هذا، كله طبيعي، وأن هذه الدونية لا بد من التعايش معها، بل وتبنيها، والدفاع عنها، وكثيرًا ما تنتقل بعض النسوة إلى موقع الهجوم على أي إنسان يطالب بتحررهن، واعتبارهن بشرًا طبيعيين، يعني، بالمختصر، تصبح المرأة جزءًا لا يتجزأ من هذه الذكورية الاجتماعية المتخلفة.
وقوف قسم كبير من النساء في صف الذكور الذين يستعبدوهن لا يمثل حالة الضياع الوحيدة في مجتمعاتنا الغلبانة، فأنت ترى قسمًا لا يستهان به من المثقفين العلمانيين، والديمقراطيين، والليبراليين، والقادمين من أحزاب ماركسية سابقة، يقفون في صف تنظيمات إسلامية جهادية، متأثرين بالشعارات الثورية والتحررية، ويلجؤون إلى صيغ توفيقية كالقول، مثلًا، بأن “حماس” هي حركة تحرر وطني فلسطيني، والوقوف إلى جانبها يعني مواجهة الحركة الصهيونية، والإمبريالية العالمية، وقلما يتساءل أحد من هؤلاء عما يمكن أن تفعله “حماس” بهم، فيما لو انتصرت، وأصبحوا تحت سلطتها، على الرغم من أنها تعلن، بكل صراحة، أنها حركة إسلامية، سنية، وأن أرض فلسطين وقف إسلامي لا يحق لأي منتمٍ لديانة أخرى أو مذهب آخر الإقامة فيها.
الأمر نفسه يحصل مع المثقفين اليساريين والعلمانيين والليبراليين السوريين المستمرين في تأييد الثورة السورية، بنسختها الإسلامية، الذين يسمون الأراضي التي يحكمها تنظيم “القاعدة” في شمالي سوريا “المحرر”، ويحاولون إقناع أنفسهم، وإقناعنا، بأن هؤلاء القوم القادمين من القرون الوسطى أحسن من نظام الأسد الطائفي.
من الأمور المسلية، المضحكة، أننا نرى، على الفضائيات، محللين استراتيجيين يركزون في مداخلاتهم على أن نظام الأسد، طائفي، ولو أنك تمعنت في شخصياتهم، لوجدتهم غارقين في الطائفية حتى رؤوسهم، بينما نظام الأسد سلطوي، قمعي، إجرامي، ولكنه ليس طائفيًا، فهو يعتمد على الموالين له من مختلف الطوائف، وإذا أنت نظرت الآن إلى المناطق التي يطلقون عليها اسم “المحرر” لوجدت أنها أصبحت خالية تمامًا من المسيحيين والشيعة والعلويين، بينما مناطق النظام الذي يسمونه “الطائفي” مكتظة بمكونات المجتمع السوري الدينية والقومية.
يمكن لأي إنسان غبي، أو متوسط الذكاء، أن يستنتج، هنا، أنني أمدح النظام، أو أتستر على جرائمه. وهذا من الأمور المسلية طبعًا.